حلت ذكرى رحيل الدكتور محمد السيد سعيد الثامنة منذ أيام، وعلى مدى السنوات الثمانى كان للراحل تلميذ نبيل أخذ على عاتقه مهمة شاقة ربما تعز على الكثيرين، حمل الدكتور أحمد منيسى الباحث فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية جهد تجميع شتات إنتاج الراحل الكريم من كتبه ومقالاته ودراساته وراح ينقب فى سيرته الذاتية ومسيرته المهنية ليضع يديه على العوامل التى أثرت فيه طالبا وباحثا ومفكرا حلم بوضع آمن للإنسان العربى إلى أن ترجل راحلا فى 2009 تاركا ثروة فكرية وعلمية فذة، اجتهد فيها منيسى ليقدم رسالته لنيل درجة الدكتوراه من معهد البحوث والدراسات العربية فطل محمد السيد سعيد علينا بعد سنوات ليقرأ فى كف مصر ويشرح معالم أزمتها السياسية والاقتصادية والثقافية ويصف إمكان الخروج. تناولت الرسالة المشروع الفكرى لمحمد السيد سعيد بمنهاجيته التى تعتمد على الأفكار والمبادئ والرؤية الخاصة بالنهضة والإصلاح محاولا تطبيق ما ينادى به لينضم إلى كوكبة المفكرين الإصلاحيين الذين أقاموا علاقة بين الفكر والواقع، كما قدمت الرسالة رؤية صاحب المشروع فى الأوضاع فى مصر والنظام العربى والنظام الدولى، وحظيت القضية الفلسطينية باهتمام مركزى منحاز لحل الدولتين مرحلة أولى وصولا لتأسيس دولة ديمقراطية واحدة على كل أرض فلسطين التاريخية . انتصر محمد السيد سعيد فى مشروعه الفكرى للانتقال لدولة مدنية ديمقراطية سماها دولة العدل والقانون تتمتع مؤسساتها باستقلالية واختصاصات واضحة وتطلع بوظائفها دون تدخلات شخصية ولو من جانب أعلى سلطة، وحدد أن مشكلة مصر ليست السلطة وإنما فى معناها ومعناها يكمن فى إنتاج مفهوم جديد لعلاقة الناس بالسلطة يجعلها فى متناول الجميع وهذا المفهوم هو ما يسمى بالتمكين والتمكين يعنى قدرة الناس على السيطرة على شروط حياتهم وتوجيهها وهو اساس التنمية] ورغم انتصار محمد السيد سعيد فى حياتهم وتوجيهها وهو اساس التنمية] . ويعود محمد السيد سعيد إلى تجربة أوروبا فى التحول الديمقراطى فيرى أن الصراع الذى أنتجها لم يكن بين قوى ديمقراطية وقوى معادية للديمقراطية وإنما بين قوى لم يكن اى منها ديمقراطيا ولكنها وجدت أن الحل العقلانى البديل للعنف الذى يخسر فيه الجميع هو الديمقراطية، وبهذا المعنى تتأسس الديمقراطية حين يتطور فهم معين للديمقراطية، يعدها حلا عقلانيا سلميا يتم من خلاله قبول الآخر وقبول الخلاف والاختلاف والإفادة منه فى تأكيد التعدد والتنوع والاجتهاد . وتوقفت رسالة منيسى عند رؤية الدكتور محمد السيد سعيد أربعة شروط للإصلاح الاقتصادي، وهى تراكم رأسمالى سريع خلال فترة متصلة من الزمن لاتقل عن عقد او عقدين وبناء قدرة تكنولوجية وطنية كافية فى الحد الأدنى لأقلمة وتوظيف ما ابدع فى الدول الأخرى وتحقيق مستويات عالية فى التنمية البشرية والتمدد فى السوق العالمية، ويؤكد صاحب المشروع أن إنجاز ثورة صناعية وتكنولوجيا يعتمد على الثقافة أكثر مما يعتمد على المال. ومن المال إلى أزمة الوضع الثقافي، وكأنه أيضا جاء للتو واللحظة، فيتحدث عن طبيعة الخطاب الغوغائى التحريضى وأسباب انتشاره وقدرة هذا الخطاب المذهلة فى تعمية الرأى العام عن قضاياه واختياراته وطمس إمكان التفكير المتوازن العقلانى ويرى أن أسبابه تتجذر فى الأزمات والمحن المتتابعة منذ نكبة 1967 والتى أدت إلى تصدع نفسى وثقافى هائل وأنتجت قطاعا عريضا من الشباب الغاضب الذى لم يتلق تثقيفا معقولا ولم يتدرب فى مدرسة الحركة الوطنية المصرية بشقيها الثقافى والسياسي، فضلا عن التدهور الحاد فى التكوين الثقافى للطبقة الوسطى العليا،واستقالة المثقفين والمفكرين الجادين عن ساحة العمل العام إما بالغياب او بضعف الوجود والأكثر خطورة فى هذا كله هو تسليم المثقفين أمام نهايات وتوجهات الخطاب التحريضى الغوغائى الجاهل. واستنهاض الوضع الثقافى لا يمكن ان يتم إلا بنهضة وطنية شاملة. وقد حكمت مسيرة محمد السيد سعيد ثلاثة مسارات تجلت فى مشروعه الفكرى وهى عمله فى مركز الدراسات السياسية بالأهرام لأربعة عقود، وكونه رائدا من رواد حركة وثقافة حقوق الإنسان منذ عودته من الولايات فى النصف الثانى من الثمانينيات وان لم يمنعه هذا من تقييمها وتقويمها موضوعيا وتأسيس جريدة البديل لتكون معبرا عن التوجه اليسارى وأولوياته. اجتهد الباحث الدكتور أحمد منيسى سنوات فقدم لنا المشروع الفكرى لأستاذه الدكتور محمد السيد سعيد فتحية للتلميذ النبيل وتحية لثلاث أستاذات قدمن إسهاماتهن الرائعة فى الإشراف والمناقشة للرسالة،وهن الدكتورة المشرفة حنان قنديل والدكتورة المناقشة ماجدة صالح والدكتورة المناقشة أحلام سعدي. وتحية لروح الراحل الذى صمد أمام محن واختبارات النظم والزمن محمد السيد سعيد. لمزيد من مقالات نور الهدى زكى;