إنشغل بالفكر والهم الوطني معا، وهو أمر طبيعي بحكم المكان والزمان، فهو أبن «بورسعيد»إحدى مدن القناة التي عاشت زهو الانتصار عند تأميمها، كما ذاقت معنى الإنكسار مع الهزيمة، منها كان صعود الحلم بدحر العدوان الثلاثي، وفيها تجسدت الهزيمة في 1967، وكان هو معايشا لهذا وذاك وتلك طفلا ثم شابا. مقالات متعلقة * الثورة في السعودية اسمها «فاطمة» * وجبت علينا المعارضة * مفاجأة السيسى المدوية! إنه الدكتور «محمد السيد سعيد»، الذي كبر مع الحلم الكبير، وتشرب بشعارات التحرر والقومية العربية، ونشأ مع دولة تشق لنفسها طريقا ثالثا، فكانت فيه قائدة بحركة عدم الإنحياز قبلأن يسقط الحلم على أرض واقع الهزيمة الثقيلة،لم يكن أمامه آنذاك إلا «الثورة»على هزيمة الثورة. ومنذ ذلك الحين لم تمت الثورة بداخله، ولم تزداد الرؤية النقدية إلا تأججا، ومع ذلك زاد تمسكه برومانسية حالم لم يصح من حلمه بعد، ولاذ بمثالية حلم لم يرتطم بالواقع يوما، تحقق له ذلك لأنه وضع مسافة بين أفكار يوليو وبين مَّن تصدر لتطبيقها، بحث عن الأخطاء وطرح البديل وسعى لخط الطريق وصولا إليه. حمته هذه الرؤية الواضحة من التأرجح بين التحولات التي تلت الحقبة الناصرية، فرآها إنقلابا على كل ما هو ذات قيمة نبيلة وليس تصحيح مسار، وقف على مسافة بحجم الوطن ممن جلس على رأس السلطة بعد ذلك، وعندما جعلت الأحداث الإقليمية والدولية من الإصلاح فرض واجب، لم يقف «محمد السيد سعيد» أمام ما فرضه نظام حسني مبارك من إشكالية من أين يبدأ الإصلاح؟!. حسم «محمد السيد سعيد» موقفه بأن البداية من نظام الحكم، فلا إصلاح يمكن أن يتقدم أو يغني عن الإصلاح السياسي، فلا إصلاح اقتصادي بلا دولة قانون وعدالة وعدل، ولا إصلاح اجتماعي بلا مجتمع مدني نشط، ولا إصلاح ثقافي بلا حرية فكر وحرية اعتقاد وحرية تعبير، وطالب بضرورة وضع دستور يحمي الحريات ويصون الحقوق، دستور يوازن بين السلطات ويضمن تداول السلطة. كان الدكتور «محمد السيد سعيد» نموذجا فريدا للاتساق والصدق مع الذات، كان تطبيق لكل ما يؤمن به وما يعتقد بصوابه، لا أعرف كيف نجا بنفسه من أمراض «النخبة» المصرية التي وضعت مسافة شاسعة بين ما تنادي به وما تمارسه، ولا أعرف كيف حافظ على رقيه في الخطاب وسموه في الاختلاف، كما لا أعرف كيف مضى في طريق نقيا دون أن تلوثه المطامع، أو تغريه المصالح والمكاسب، كماأغرت غيره. إنه «محمد السيد سعيد» المفكر الذي لا تملك إلا أن تنحاز له وتنبهر به، لقد كان النموذج في وقت تهافت النماذج، وفي الذكرى الثامنة لرحيله مساء الثلاثاء 10 أكتوبر، كان لنا موعد معه متحدثا وطارحا لأفكاره ورؤيته من جديد، حيث ناقش الدكتور «أحمد على منيسي»؛ الباحث المتميز بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية؛ رسالته للحصول على درجة دكتوراة ثانية بعنوان «المشروع الفكري للدكتور محمد السيد سعيد دراسة تحليلية». الدراسة أتت تمت مناقشتها، بمعهد البحوث والدرسات العربية، تقدم بلورة للمشروع الفكري لمحمد السيد سعيد، والذي رأه الباحث مشروع «إصلاح ونهضة»، ينطلق من مصر والمحيط العربي بكل تعقيداته، ويمتد ليشمل العالم ما بعد التقدم الإنساني، وشكل العلاقات التي يجب أن تكون حاكمة بين بلدانه. الرسالة بكل ما تحمله من أراء نقدية للواقع القائم وتفكيك لمشكلاته، مع ما تطرحه من تصورات للحلول قدمها الدكتور «محمد السيد سعيد»، تؤكد أن الأفكار لا تموت برحيل أصحابها، ولكن مع كل يوم تكتب لهم ميلادا جديدا. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة text