الحلم أصله الفكرة، والفكرة طاقة إيجابية تنير الدرب إلى المستقبل، الحلم يغذى الإنسان بالمشاعر الإيجابية، ويدفعه للحركة والعمل والإنجاز، وتحقيق الذات. وعندما يعجز الإنسان عن الحلم يصبح غير قادر على استشراف المستقبل، وتخيل الغد، فينهار أمل الوجود بداخله ويصبح كالميت ولكنه يمشى على الأرض. ولعل الشبابَ هم أقدر شرائح المجتمع على ممارسة الحلم، والأمل معقودٌ عليهم فى تحويل الأحلام إلى حقائق، فعقولهم مليئة بالأحلام. فمن وُلد منهم فى بداية الثمانينيات عايش تلك الحقبة، ينظرُ إلى حال بلده المتدهور فى جميع مجالات الحياة والناس يرزحون تحت خط الفقر بمسافات. نشأ وعاين عجز تلك الطبقة المتسلطة عن حل مشاكل مصر، وحل مشاكل شبابها بل واستئثارها بموارد الثروة، والسلطة والقرار، كانت حالة سوداء كفيلة بإجهاض حقهم فى الحلم بل وتحطيم آمالهم فى مستقبل أفضل. لذا كان لابد للشباب أن يتحرك ويفعل شيئاً فكانت ثورة يناير هى يد المنقذ، كانت لأن حلمنا كان على وشك أن يُصادر ويضيع فى متاهات الزمان إذا استمرت السلطة فى يد تلك الشرذمة إلى أمد جديد، بانتقالها من الأب إلى الابن وربما إلى الحفيد. جاءت ثورة يناير فأنقذت الحلم، وأحيت الجيل وأضاءت السبيل، وبعثت أمل الوجود فى نفوس الشباب، بعدما تساقط الكثير منهم ما بين مهاجر إلى أرض أخرى أو غارق فى بحر الظلمات، أو منتحر يائس من الحياة والإصلاح. فهكذا تكون عواقب اغتيال أحلام الناس ووأدها، عواقب مُهلكةٌ للجميع ومُحرقةٌ للأرض والحرث والنسل . فالحمد لله كل الحمد الذى كتب لهذه الثورة النجاح فله يرجع الفضل والمنة .فلا يكاد يتصور إنسانٌ حال شباب أمتنا إذا رجع أدراجه وترك الميدان دون أن ينتصر لحلمه. لا أحد يتخيل كيف حالهم إن انكسرت إرادتهم، ولم يفلحوا فى تغيير شيء من النظام وانتصر عليهم الجهاز الأمنى القمعى والشرطة والعسكر . الحمد لله فلم نكن لنتحمل ذلك. عندما شرعت دول كثيرة فى تدشين مشاريع نهضتها الكبرى، أطلقت حرية الحلم لجميع أفراد شعبها ليعايشه ويشارك فيه خيالاً ثم واقعاً.فتجدهم يُدربون النشء على كتابة تاريخ المستقبل والحلم به، عن طريق اللعب وتصور العيش داخل بيئة تخيلية، تمكن الطفل أن يكون صاحب قرار مؤثر، فى المستقبل الذى يراود حلمه، وتُريض عقله على استجلاء وتوخى عواقب القرار. وعندما أعرب جيمس آدمز فى ثلاثينيات القرن الماضى عن رؤيته للحلم الأمريكى، كان يهدف إلى الوعد بالازدهار والسعادة عن طريق إشاعة الروح الوطنية للشعب الأمريكى، تجاه الديمقراطية وتحقيق العدالة بين الناس، والتساوى فى الحقوق والواجبات. وبرغم النقد الموجه للحلم الأمريكى إلا أنه كان سبباً من أسباب نهضتها العلمية والمادية. ومصر اليوم لابد أن يكون لديها حلمٌ، يسعى الجميع لتشكيله يتمثل فى أمة عصرية حديثة، تساهم بنصيب كبير فى مسيرة الحضارة الإنسانية، يعيش مواطنوها بحرية فى بيئة نظيفة صحية، ينعم فيها بالمسكن الملائم والتعليم الذى يفجر الطاقات، والعلاج فيها للغنى والفقير على حد سواء، وبنفس الجودة أمةٌ تحقق اكتفاءً ذاتياً لاحتياجاتها الأساسية، و يأتيها الناسُ من أقطار الأرض ليدرسوا فى جامعاتها ومعاهدها. أمة إسلامية تكون منبراً للفهم الوسطى للدين الحنيف، وتكون أنموذجاً للتعايش السلمى بين ديانات أبنائها. ولتحقيق هذا الحلم لابد من إبداع فكرى، يتجسد فى رؤية متكاملة تخرجنا من المساحة المكانية الضيقة التى نعيش فيها، منذ آلاف السنين، وترتكز هذه الرؤية على أسس تراعى الأصالة والحداثة فى آن واحد، وتراعى أيضاً ضرورة تمكين الشباب وربط وجسر الأفكار المختلفة والمتعارضة. إن من أحد أسباب هذه الثورة أننا لم نعد نحتمل التكدس السكانى الهائل حول وادى النيل ودلتاه، فى مدن وقرى باتت تفتقر يوماً بعد يوم لأسباب العيش الصحى، وسبل العمل والإنتاج والتعمير. وأصبحت فكرة الخروج إلى فتح الصحراء المصرية ضرورة ملحة تحدثت عنها كثيرٌ من الدراسات والأفكار، من أبرزها كتاب ممر التنمية والتعمير للدكتور فاروق الباز، والدراسات النقدية التى وُجهت للفكرة من قبل كثيرين أمثال الدكتور ممدوح حمزة وغيره، وأيضا هناك رؤية وأفكار الدكتور رشدى سعيد - رحمه الله - فى منتصف القرن الماضى وهو رجل يعدُ من أبرز خبراء النيل والعارفين بأسراره. بالرغم أننا لدينا وفرة فى الدراسات والتجارب إلا أننا تأخرنا كثيراً فى البدء فى مشروع قومى كبير تتشارك فيه كل الآراء وكل الجهود سواء المؤيدة له أو المعارضة له، مشروع من قبيل إنشاء عاصمة سياسية جديدة لمصر فى عمق الصحراء ونسميها مدينة الحلم، تستلهم الإرادة والطاقة الكامنة، والأفكار الجديدة غير النمطية من ثورة يناير. مدينة تبعد عن القاهرة مسافة لا تقل عن ثلاثمائة كيلو متر، وهى مسافة فى عصر التقنية لا تمثل سوى ساعة من الزمن بقطار حديث، و هى أيضا مسافة لا تسمح بتشكيل عبء جديد على مدن الوادى والدلتا، وتحول دون التحامها بالوادى مستقبلاً. فإذا أردنا أن تقوم مصر على قدميها، وتُقال من عثرتها وتواصل صنع الحضارة فنقرأ تاريخ بلدنا، ونتلمس القدوة من نبينا- عليه أزكى الصلاة وأطيب السلام- حينما أراد فتحاً جديداً لدعوته، ونشراً عظيماً لرسالته، انتقل مع صحبته إلى أرض أخرى، وتربة خصبة جديدة، فكانت المدينةالمنورة عاصمة للدولة الوليدة على بعد أكثر من أربعمائة كيلو متر عن مهد الرسالة فى مكة. وفى تاريخنا الفرعونى نجد إخناتون انتقل من طيبة إلى عاصمة جديدة فى تل العمارنة، لينشر منها فكرة التوحيد الجديدة.ولو جربنا أن نحلم بهذه العاصمة الجديدة ماذا يمكننا نقول عنها ؟ هى مدينة تمثل مشروعنا الرائد الذى ننطلق به للمستقبل، تستمد من قاهرة المعز التراث والحضارة والمنعة وتستمد من ثورة التغيير الطاقة والإبداع ، نبنى فيها أول ما نبنى مقر الرئاسة، الذى يدخله الرئيس بعد حلف اليمين ثم يخرج منه بعد فترة أو فترتين ليسكنه الرئيس الجديد، فهو مكان لحكم مصر وليس سكنه الخاص، ويكون من حوله مبانى مجلس الشعب والوزارات والسفارات المختلفة. وبها كل متطلبات جودة الحياة من أحياء سكنية، وأسواق ونواد ومطارات ومدراس وجامعات، فهى عاصمة يعيش فيها الإنسان المصرى ويعمل فيها أيضاً، مدينة ذات هواء نقى وتربة صالحة تطبق فيها مبادئ العمارة الخضراء، وتستخدم فيها الطاقة المتجددة النظيفة، مدينة يُطلق على أحيائها وشوارعها وميادينها أسماء شهداء ثورتنا تخليداً للذكرى، مدينة تكون ملتقى لكافة الأفكار النابعة من شعبنا ومن أجيال مصر وخبرائها وعلمائها. مدينة تصبح فى بضع سنوات عاصمةً للشرق أجمع ويقصدها الناس طوال العام، ليشاهدوا عبقرية الإنسان المصرى وأصالته ويطلعوا فيها على أحدث ما أنتجته الحضارة الإنسانية فى كافة الأفرع. هى مدينة الحلم الكبير الذى يحوى بين تقاسيمه أحلامنا الشخصية الصغيرة . وذلك كله بقدر الله، وإن قدر الله لا يأتى إلا بخير فهذا البلد الذى يحملنا، بلدٌ له أقدار وبلدُ له شخصية، تقود ولاتُقاد وعلى مرالعصور لم يُفلح الغزاة والمعتدون فى تحطيم إرادة شعبها، فتراها تخرج من كل محنة أقوى عوداً وأصلب ظهراً. أفحسبتم أن تُترك مصرَ لتنهض وتعود لريادة أمتنا الكبيرة من جديد دونما أن يكيدوا لها، ويحاولوا جهدهم أن يفتنوا شعبها، ويفتنوا جيشها بعضهم البعض؟! ولكن هيهات لهم أن ينجحوا، وهيهات لهم أن يفلحوا. يا شباب مصر الأعزاء، يا من أشعلت شرارة ثورتها الملهمة عليكم أن تتحلوا بالصبر، ولا تتركوا العمل، فليست المظاهرات والإضرابات والعصيان سوى وسائل لتحقيق أهداف أسمى فلا تجعلوها غايات فى ذاتها. كيف ندعو شعبنا إلى الإضراب عن العمل وبلدكم بالأساس يملك واحداً من أقل معدلات العمل فى العالم، من قبل الثورة ومن بعدها ! وكيف نحقق الأحلام بالإضراب عن العمل؟! لقد قمنا حتى الآن بنصف ثورة ولن تكتمل إلا بالعمل والإنتاج، والعمل لن يفيد إلا إذا كان مخلصاً لوجه الله، والإخلاص لرب البرية لا يتأتى إلا إذا تركنا الجدل العقيم وتفتيش النوايا وإساءة الظنون. وإن الظن لا يغنى عن الحق شيئاً. حلم مصر المشروع فى النهضة ممكن التحقيق، بشرط الإسراع فى البدء وكفانا تأخير وتأجيل، حلم مصر بيد كل مصرى ويحتاج فقط إلى تحديد الأولويات وتوحيد الجهود ونبذ التعصب والفُرقة، حلم مصر يحتاج إلى الجمع بين الفكر والفكر المعارض له على أساس المشترك الوطنى والصالح العام. حلم مصر يحتاج منا أن ندعم البرلمان الذى انتخبنا نوابه بحرية كاملة. حلم مصر يحتاج قليلاً من الصبر على جيشنا حتى ينهى رسالته ويسلم مقاليد السلطة لشعبنا مشكوراً،حلم مصر يحتاج أن نركب جميعاً سفينة النجاة، قبل يأتى الطوفان فيغرق الأمل ويضيع الميدان.