قد تكون رؤية لوحة تصور «حياة القرية المصرية والفلاحين» أكثر صدقا من قراءة دراسة اجتماعية متخصصة، أو كتاب تاريخى، أو بحث فى السياسة يتناول الموضوع نفسه. إذ أن عملا فنيا مثل لوحة «العودة من الحقول» عام (1936) التى رسمها «يوسف كامل»(1891-1971) يشتمل على نوع من «الثقافة البصرية»حول البيئة الريفية فى مصر،وحول حياة الفلاحين المصريين فى زمن الثلاثينيات من القرن الماضى، والأشياء المرتبطة بانشطتهم اليومية، تمثلت فى رؤية صادقة أعطاها الفنان شكلاً فنياً. لقد استطاع الفنان الذى يبتهج بالطبيعة وبالروابط الإنسانية، أن يصور فى لوحته لحظة تجمع بين متناقضين، الأول يتمثل فى إثارة مشاعرالبساطة والود فى صورة «عائلة ريفية» عامرة بالرضا والنبل، وأحاطتها الأجواء الصافية و الهواء العليل، مما تعكسه الألوان المنسجمة، والحركة الهادئة، والانتقالات الظلية السلسة، و«التكوين الهرمى» المتوازن فى ترابط . أما الثانى فيتمثل فى المعنى الضمنى وراء الهدوء. فوجوه النسوة محتجبة عن إظهار ملامحها والرجل يمشى الهوينا، شارد الذهن مستغرقا فى التفكير فيما يعانيه . ومن الأفكارالتى يمكن استنطاقها فى لوحة «العودة من الحقل» فكرة ثنائية «الرجل/المرأة» أو قضية «التمييز»بين الطبقات الاجتماعية، أو «الهيمنة الأيديولوجية» وتغلب شق من شقى الثنائيات المتعارضة على الآخر. ويفترض التفكير النقدى «تفكيك» الهيمنة، وتحدى هيمنة «التراتبية الهرمية» للتوصل إلى التفسير «غيرالمتمركز»حول الذات أو «غيرالمتحيز» لفكر ذكورى . وتعزز اللوحة التفاعل مع الأبعاد المختلفة للهوية الإنسانية، وتتجنب «التمييز الطبقى» «التمييز بين الجنسين». حيث أعطى الفنان مكانة الصدارة لموضوع من حياة البسطاء المهمشين،متمثلاً فى عائلة مصرية من الفلاحين، فى أثناء العودة من العمل فى الحقل، فلا تدل على أى استعلاء طبقى، على عكس الاهتمام الشائع فى تلك الآونة من الفنانين الذين اعتادوا رسم الموضوعات التى تعجب الطبقة «الأرستقراطية» التى تمثل الفئة المهتمة باقتناء الأعمال الفنية. ومن المؤكد أن صور الفلاحين بملابس العمل فى الحقل، لاتناسب ذوق المقتنين لأعمال الفن من الأثرياء. ولتأكيد معنى البساطة و«اللاتصنع» لم يبالغ الفنان فى اتباع التعاليم الأكاديمية، ولم يغرق لوحته فى المبالغات الإيهامية للنزعة الرومانسية. وعلى عكس مبدأ التمييز بين الجنسين على أساس «التسلسل الهرمى» الذى تعتلى قمته «السلطة الذكورية» يصور الفنان المرأة تمتطى ظهر الحمار، والرجل يسير على قدمية ويسوقه.