أعتقد أنه قد آن الأوان لإصدار ورقة نقدية جديدة من فئة ال500 جنيه، تأخرت الحكومة كثيرا فى هذا القرار، عندك مثلا فاتورة الكهرباء التى تدور معظم الوقت حول مبلغ الألفى جنيه، مررت كثيرا بمشهد محصل الكهرباء و هو يتسلم على باب شقة رزمة منفوخة يقدمها رب البيت و هو يبسمل و يحوقل و يتحسبن، و صرت إذا ما قابلت سيارة نقل الأموال المصفحة لا أعرف إن كانت تابعة لأحد البنوك أم لشركة الكهرباء. لم نتعود طيلة حياتنا كمصريين على شخص يطب فجأة و يطلب من سكان البيت مبلغ 2000 جنيه بدون مقدمات، و تعودنا أنه مبلغ يدور فى فلك "أول الشهر" أو "ادينى يومين اتصرف" أو "هاسحبهملك من البنك"، و مشهد تسليم أوراق مالية كثيرة وفاء بهذا المبلغ يقطع القلب، لم نعتد بعد أن قيمة الورقة قد هبطت عن الرقم المدون عليها، فيجب مساعدتنا على تجاوز هذة العقدة، ورقة بخمسمئة جنيه ستجعل وقع الفاتورة أقل قسوة على الواحد من الرزمة "المبطرخة". أصبحت الورقة النقدية نسخة من كروت الشحن فى هيئتها الجديدة، فكارت بمئة جنيه يعطيك رص يد بسبعين، و عند قبض المرتب تمنحك الألف جنيه رصيدا قدره 180 بزرميط، و بزرميط كلمة أستوحاها المصريون من الاحتلال الفرنسى عندما كان يصف الشيء غير المتناسق بأنه pizzar، وهذا هو حال ورقة الجنيه المصرى حاليا، فأى ورقة نقدية لم تعد تتناسق مع قيمتها، لذا أود أن أعدل الفكرة و أطلب أن تطرح الحكومة ورقة فئة ال500 بزرميط. مؤخرا تحول محصل الكهرباء لأمين شرطة، يحمل فى يمينه الفاتورة و فى يسراه قرار رسميا موقعا و مختوما لرفع العداد فى حالة عدم السداد، و تحدثنا شركة الكهرباء عن تطور الخدمة، ولا تشكر أبدا من سدد ثمن هذا التطور، فهو من جيوب الناس، لكن بدلا من أن تشكر الناس أصبحت ترسل لهم الفاتورة على يد محضر. كان الواحد يعمل حتى يعيش، الآن يعمل لكى يسدد الفواتير، كهرباء و غاز و ماء و إنترنت و تليفونات، وأصبح لقب محدود الدخل عابر للطبقات، أصبح كل شخص محدود الدخل بالنسبة للحياة التى تعود عليها، و ليست مصادفة أن محلات السوبر ماركت الكبيرة تبث عبر سماعاتها الداخلية موسيقى حزينة معظم الوقت، آخر مرة سمعت فى واحد منهم موسيقى فيلم "إعدام ميت"، وأصبح المشهد المألوف عند الكاشير أن تراه يجلس و إلى جواره المئات من قطع البضاعة التى تركها الناس عنده بعدما عرفوا ثمنها، وأصبحت رسائل العروض و التخفيضات التى تصل للواحد عبر المحمول تصيب الجسم بقشعريرة مشابهة لتلك التى خلقها هدف محمد صلاح الثانى فى الكونغو. بالمناسبة مبروك لفريق مصر سفره إلى روسيا، وكما قال أحد الاصدقاء نتمنى أن تسافر الجماهير أيضا، إذا كان التاكسى من أكتوبر إلى وسط البلد يقبل ورقة المئة جنيه وهو "قالب بوزه"، فما بالك بالمشوار إلى موسكو، لذا أقترح أن يتبرع بعض اللاعبين بجزء من المكافأة الرسمية التى ستصرفها لهم الدولة للجماهير حتى يجدوا من يقف خلفهم هناك، تخيل لو كل لاعب تبنى بجزء من المكافأة فكرة سفر 50 مشجع، ستحل على الفريق البركة بشكل قد يجعله يتعادل مع ألمانيا مثلا. فرحة الناس الكبيرة بالفوز نصفها ضغوط مستترة، لم يتوقف الواحد يوما عند مبالغ النثريات و الإلتزامات الصغيرة العابرة، اليوم لم يعد هناك ما يمكن اعتباره صغيرا و عابرا أو نثريا، مشوار عيادة الطبيب أصبح لا يختلف عن مشوار سمكرى السيارات، و أى شخص " هتيجى تحت ضرسه" لن يرحمك و لن يترك فرصة أن يقلبك ذات اليمين و ذات اليسار حتى آخر 20 بزرميط فى جيبك، حتى البنزين أصبح معدل إحتراقه أسرع من ذى قبل، كنت أعتقد أنها هلاوس شخصية حتى سمعت الشكوى نفسها من عدة أشخاص، صفيحة البنزين أصبحت تمنحك رصيدا بطريقة مشابهة لما سبق ذكره فى بداية المقال، أصبح الواحد يدقق فى المشاوير نهارا و ليلا يجوب أرجاء المنزل عدة مرات ليتأكد من عدم وجود لمبات مضاءة على الفاضى أو فيشة سخان منسية، و يدقق على غير عادته فى أى مقابل مطلوب لأى عمل بعدما استشرى مبدأ (الإستغفال و الإستهبال)، (طلب عامل إصلاح البوتاجاز رقما كبيرا بعدما أنهى عمله، و عندما طالبته فقط بفاتورة قطعة الغيار التى ركبها أو أن يأخذها و يمشى هبط بأجره إلى النصف)، أسعار السلع تزيد و هى فى مكانها على الأرفف مرة كل ثلاثة أيام، و أصبح مالوفا مشهد الناس التى تطلب بكل ألاطة (تُمن) الرومى القديمة، وعادت إلى الأجواء مشاحنات "فتحت عليا ليه"، و أصبحت الموضة حاليا ألا يزور أحدهم بيتا حاملا صينية بسبوسة او نصف دستة جاتوة و لكن أصبحت الزيارة شنطة مواد تموينية، وهى موضة تستحق التشجيع بالمناسبة، وبدأت تنتشر نصائح من زمن الجدات فى الحوارات العائلية من عينة ( شيلى حتة لحمة من كل كيلو يدخل البيت، آخر الشهر هيبقى عندك كيلو على بعضه)، واصبح يوم الخميس مصدرا للقلق إذ خصصته الحكومة لصب قرارات فى مصلحة المواطن، وهى لو كانت "بتصب" أسمنت كان "زمانها طالعه بالتاسع". سمعت أحد المحللين السياسين فى برنامج يقول ليس منصفا أن يدفع هذا الجيل بمفرده ثمن الإصلاح كاملا، وهو محق، و سيكون من سوء حظ هذا الجيل ألا يلتفت أحد لهذة الفكرة أصلا، الموضوع أصبح صعبا بالفعل، و قد تسألنى إيه المطلوب؟، أقول لك بخلاف الورقة فئة ال500 بزرميط، ياريت وزارة الكهرباء تعاملنا أحسن من كدة شوية، أو أقول لك "مش عايزين حاجة من حد"، الله كريم.