لم يعد أمام إنسان عصر الكمبيوتر حرية الاختيار بل صار عليه أن يُذعِن لوجوب أن يطوِّر نفسه، كما لم يعد لديه ترف أن يكتفى بمجرد القدرة على المتابعة، لأن قدرته على مواكبة عمليات التغيير السريع، بتحديث معلوماته وتطوير مهاراته، باتت هى ضمانته فى أن يستمر حياً. فقد رصد بعض الخبراء أن عدداً من المهن فى سبيلها إلى الانقراض بسبب الكمبيوتر، أو بفضله، مثل المحاسبة، التى تتطور برامجها بسرعة فائقة وتتوافر بأسعار يسيرة على أقراص مدمجة أو على الإنترنت، والتى يشارك فى وضعها عدد محدود جداً من المحاسبين الخبراء، وأصبح من الممكن أن يتعامل معها موظف غير متخصص فى المحاسبة، ليتحصل منها على كل النتائج التى يقدمها الآن جيش ضخم من المحاسبين، من التزامات جهة العمل تجاه العاملين من رواتب وغيرها، إلى التعامل مع مثل التأمينات والضرائب..إلخ. وقُلْ مثل هذا عن الإرشاد السياحى، بعد أن صار السائح يتحرك وفى يده اللوح المحمول بخاصية الدخول على الإنترنت حيث فيض المعلومات يتدفق بأغزر وأسرع من قدرة أى مرشد سياحى على الخدمة. بل والصحافة أيضاً، التى سوف تختفى صورتها المعهودة، بعد أن صارت الفضائيات والإنترنت والخدمات المتعددة على الموبايل منافسات لا قبل للصحفيين التقليديين على الصمود أمامها. ولم يعد البكاء على عمليات الإحلال المتسارعة مجدياً، فقد سبق واختفت مع التطور قبل نحو القرن مهن كثيرة منها المتعلقة بالحنطور، مصانع الكرابيج وسروج الخيل وحدواتها..إلخ، كما شهدت الثورة الصناعية قبلها تطور الماكينات، التى لم تتوقف ابتكاراتها حتى الآن، مما يقلل من أعداد العمال المطلوبين لتشغيلها، وبالتالى يُلقَى بالأعداد الغفيرة الزائدة فى محنة البطالة! ولكن كانت هناك دائماً نتائج أكثر إيجابية بعد كل هذه السلبيات، فقد حلت السيارات محل الحناطير، وكثرت مصانعها وتوسعت وفتحت فرص عمل هائلة بأجور أفضل وبظروف عمل أفضل. كما أن التطور الصناعى أغرى المستثمرين أن يشرعوا فى أعمال تقوم على الماكينات الجديدة التى نهضت بسواعد عمال تمكنوا من تطوير أنفسهم فنجوا من البطالة وارتقت حياتهم..إلخ. [email protected] لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب;