هو أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة.. قضى ست سنوات مجندا فى خط المواجهة، عاش أحداث حرب الاستنزاف مقاتلا فى سلاح المدفعية، وخاض اللحظات الحرجة فى موجات العبور العظيم، اختزنت ذاكرته الواعية كل الأحداث، ثم سجلها فى عمله الروائى المتميز «فوق الأحزان».. أبدعها بالإضافة إلى خمس روايات أخرى وثلاث مجموعات قصصية، أنجزها رغم أعباء العمل الأكاديمى الجامعى الذى أثمر عددا من الكتب المهمة فى البلاغة والنقد الأدبى.. الدكتور حسن البندارى الأستاذ بكلية البنات جامعة عين شمس، التقته «الأهرام» وأجرت معه هذا الحوار : كتبت رواية عن حرب اكتوبر ثم عرفنا أنك أحد ابطالها الحقيقيين ؟ نعم .. بعد الهزيمة فى 67 تم تجنيد خريجى الجامعة فى 1968.. وكنت ضمن هذه الدفعة ، كنا نواة تحديث الجيش المصرى بعد النكسة..وما عمله عبد الناصر فى هذا الشأن كان عملا عظيما، لأنه لا يمكن بناء الجيش مرة أخرى واستعادة ما فقدناه إلا بجنود مؤهلين، ولذلك صدر قراربتجنيد خريجى الجامعات دفعات 65 و 66 و67، وكان قراره بقبول مبادرة روجر موفقا رغم صيحات الرفض هنا وهناك، لاننا كنا بحاجة شديدة إلى وقف إطلاق النار لفترة حتى نتمكن من بناء حائط الصواريخ وهو ما حدث. روايتك «فوق الأحزان» تبدو تسجيلا للظروف القاسية التى مرت بالوطن، خاصة بين الهزيمة المروعة والانتصار العظيم ؟ عشت مأساة الهزيمة فى حكايات زملائى المجندين الذين وفدت عليهم فى الوحدة العسكرية بسلاح الصاعقة.. زملائى هؤلاء الذين حُملوا وصف الهزيمة هم أنفسهم من علمونى مهارات فك وتركيب واستخدام المدفع المضاد للطائرات الذى حاربت به فى أكتوبر. كان الشعور بالهزيمة مريرا، لأن هؤلاء الجنود لم يخوضوا معركة ، كان العديد منهم عائدين لتوهم من حرب اليمن يوم 3 يونيو، ويوم 5 وقعت الحرب.. لم يتمكنوا من أخذ وضع الاستعداد .. لم يتخندقوا ..كانت المدافع مكشوفة وظاهرة تماما .. كانت هدفا سهلا للضرب ..كانت المسألة مجرد مظاهرة .. كانت مأساة .. وحكوا لى كيف قتل الأسرى .. جريمة كبرى .. كانت الأحزان كبيرة ، لكن كان لابد من تجاوزها والاستعداد ليوم الثأر. صارت الجبهة بيتى ومستقرى فى انتظار أداء مهمتى المقدسة ، كان القادة دائمى الزيارات للمواقع الأمامية ، مرة سألنى اللواء عبد المنعم خليل – فى إحدى زياراته لنا - : ألا تريد أن تأخذ إجازة؟ ، قلت: لا .. كانت الروح المعنوية عالية.. ، وكنت كل يوم قبل النوم أربت على مدفعى وأقول له : «استعد». كان حلمنا جميعا أن نثأر ونمحو العار عن الوطن. .. واختزنت كل شيء فى الذاكرة حتى يحين الوقت المناسب للكتابة، لكننى كنت كلما هممت بالتنفيذ يعوقنى شيء حتى جاء عام 2006 وكتبت روايتى الثانية «العائد بالحب» ، وفى 2007 كتبت المجموعة القصصية «يوم» وفى عام 2008 وجدتنى أكتب الرواية الحلم «فوق الأحزان» ، كتبتها دفعة واحدة فى خمسة أشهر متتالية. كانت الأحداث ماثلة فى ذهنى تماما وانا أكتب ..أردت ان أوثق فيها تجربة جيل بالكامل ، وكنت بالفعل صادقا مع نفسى ، لكنها بالتأكيد ليست رواية تسجيلية ... حرب الاستنزاف كانت التمهيد الحقيقى للعبور .. ما ذكرياتك عن تلك الفترة ومخاطرها ؟ • الحقيقة كنا نقوم بعمليات سريعة محفوفة دائما بالخطر كنا نعبر الى الضفة الشرقية من القناة فى جنح الليل ، ولكن كشافات العدو كانت تمسح المكان ، تغمره كالنهار ..قطعا كنا نعرف ان المخاطرة كبيرة ، ومن يعبر قد لا يعود، ولكن تصميمنا على المواجهة والنجاح كان عظيما ، فى إحدى المرات أصيب زميلى.. فحملته وعدت به ، ومن المواقف الحرجة أنه كانت هناك دوريات استفزازية على الضفة الشرقية.. وكان لا بد أن نرد، وعبرنا وانتظرنا، حتى جاءت دورية من ثلاث عربات، ضربنا الأولى والأخيرة..وتم تدمير الدورية وأسرنا أحد جنودها..كانت المخاطرة عالية .. لكن التصميم كان أقوى... كنا دائما ننفذ عمليات عبور جزئية ، وفى إحدى المرات عبرت فرقة كاملة الى الضفة الشرقية ثم عادت.. الحرب كانت مهولة. قرانا عن عمليات الخداع الإستراتيجى .. كيف عشتها ؟ • قبيل الحرب بفترة وجيزة - ستة أشهر تقريبا – بدأت عمليات الخداع ، حيث تم تسريح دفعة 1/ 7 / 73 المعروفة لدى المخابرات الإسرائيلية والعالمية بأنها هى التى ستحارب، للإيهام بعدم نشوب حرب ، فى المرة الأولى أعطونا شهرا كاملا إجازة ، وتكررت الإجازات، وفى كل مرة كان يتم التنبيه أن نكون على أهبة الاستعداد للاستدعاء فى أى وقت..وفى المرة الأخيرة تم تسريحنا قبل موعد الحرب الفعلى بأيام قليلة جدا، ويوم 5 أكتوبر كنت فى الإجازة ، وتحدث أحد أعمامى عن الحرب فرد عليه عمى الآخر قائلا وهو يشير إلىّ :أى حرب وقد تم تسريح الجنود؟! ها هو حسن أمامك.. وفى اليوم نفسه تم استدعائى فأيقنت أن الحرب صارت وشيكة..ولما وصلت إلى الوحدة قلت لزملائى: «خلاص .. هنحارب»، وكان شعورنا بالسعادة لا يوصف. ويوم 6 أكتوبر رأينا الطائرات تعبر وتضرب وتعود ، وصدر لنا الأمر بالعبور ..وعبرت وقضيت فترة الحرب كلها على الضفة الشرقية. عبرنا على عربات بر مائية وكانت المدافع مفككة..فكان علينا أن نعيد تركيبها فى أقل من ربع ساعة.. ونصبت وزميلى مدفعى فى الضفة الشرقية..وانخرطنا فى إطلاق النار طول الوقت، استحالت السماء فوقنا نارا . ربما لا أستطيع أن أصف لك شدة صعوبة المهمة ومداها ..لكنها نجحت بفضل الله نجاحا باهرا