محافظ الإسماعيلية: 135 مركزا انتخابيا لاستقبال 999248 ناخبا بانتخابات الشيوخ (صور)    القومي لحقوق الإنسان ينظم ندوة حول تعزيز دور المجتمع المدني في الرعاية الصحية    محافظة القاهرة: بدء إجراءات تسكين أصحاب مكتبات سور الأزبكية    وزير المالية : ندرس العودة مرة أخرى إلى «الصكوك» بعدما نجحنا في الطرح الأول لبيت التمويل الكويتي    بن غفير: أدعو نتنياهو إلى إصدار التعليمات لاحتلال غزة وتشجيع الهجرة والاستيطان    بيراميدز يسحق الرجاء مطروح بسداسية وديًا    بيراميدز يكتسح رجاء مطروح وديا    تشغيل خدمة عربات ثالثة مكيفة جديدة على خط القاهرة – مرسى مطروح    في حادث غرق 3 شقيقات بأسيوط .. الإنقاذ النهرى ينتشل جثمان الطفلة آية    انطلاق مسابقة "Damietta Talents" لاكتشاف ورعاية الموهوبين الأسبوع المقبل    الفنان جمال عبدالناصر يعلن وفاة الفنانة زيزي مصطفى    سنوات صعبة!    وزارة الصحة تكشف نتائج التحاليل فى واقعة وفاة 5 أطفال أشقاء بمحافظة المنيا .. اعرف التفاصيل    أثليتك: مانشستر يونايتد يرفع عرضه لضم مبيومو    أثليتك: نيوكاسل يحاول ضم ويسا بعد انسحابه من سباق إيكيتيكي    «مثقفو الهزيمة الثالثة» والحدود المعدومة بين الماضى والتاريخ (3-3)    خالد الجندي: تقديم العقل على النص الشرعي يؤدي للهلاك    ما هو حكم اختراق واستخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟ أمين الفتوي يجيب    ما هي أول 5 قطاعات تتصدر تداولات جلسة اليوم بالبورصة؟    الهرم المقلوب.. فى الكرة المصرية    أشرف صبحي يلتقي بوزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية    إعلام إسرائيلى: اعتراض صاروخين أطلقا من شمال غزة باتجاه مناطق الغلاف    أحمد سيد أحمد: "مدينة الخيام" الإسرائيلية فخ لتهجير الفلسطينيين وتفريغ غزة    حالة الطقس اليوم في السعودية.. الأجواء مشمسة جزئيًا في ساعات النهار    "سناتر بلا رقابة".. ظاهرة الدروس الخصوصية تخرج عن السيطرة    أوكرانيا تسعى إلى زيادة إنتاج الأسلحة محليا مع تحويل واشنطن صفقة منظومات باتريوت سويسرية لدعم كييف    احذر ماء الليمون- 4 علامات تجعله مشروبًا خطرًا على صحتك    القاهرة الإخبارية: ارتفاع حصيلة شهداء كنيسة العائلة المقدسة بغزة إلى 3    "معلومة مؤكدة".. أول رد رسمي من الأهلي حول الاجتماع مع وكيل مصطفى محمد    وسط إقبال كثيف من الخريجين.. 35 ألف فرصة عمل في الملتقى ال13 لتوظيف الشباب    غالبًا ما تدمر سعادتها.. 3 أبراج تعاني من صراعات داخلية    شيخ الأزهر يوافق على تحويل "فارس المتون" و"المترجم الناشئ" إلى مسابقات عالمية بهدف توسيع نطاق المشاركة    بالصور.. جولة ميدانية لنائب محافظ الجيزة بمركز منشأة القناطر    انهيار أرضي في كوريا الجنوبية ومصرع 4 أشخاص وإجلاء ألف آخرين    ضبط 3 أشخاص لاتهامهم بغسل أموال ب90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    ضبط 3 متهمين غسلوا 90 مليون جنيه من تجارة المخدرات    دبلوماسي إثيوبي يفضح أكاذيب آبي أحمد، ومقطع زائف عن سد النهضة يكشف الحقائق (فيديو)    إعداد القادة: تطبيق استراتيجيات البروتوكول الدولي والمراسم والاتيكيت في السلك الجامعي    كشف ملابسات فيديو جلوس أطفال على السيارة خلال سيرها بالتجمع - شاهد    جامعة أسيوط... صرح أكاديمي متكامل يضم 19 كلية في مختلف التخصصات و5 معاهد بحثية متميزة    بين التحديات الإنتاجية والقدرة على الإبداع.. المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي بمشاركة أساتذة مسرح ونقاد وفنانين    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى .. والاحتلال يعتقل 8 فلسطينيين فى الضفة    في 6 خطوات.. قدم تظلمك على فاتورة الكهرباء إلكترونيًا    "IPCC" الدولي يطلب دعم مصر فى التقرير القادم لتقييم الأهداف في مواجهة التحديات البيئية    مدبولي يتابع خطة تحلية مياه الساحل الشمالي الغربي حتى 2050.. وتكليف بالإسراع في التنفيذ وتوطين الصناعة    الأونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات تنتظر على حدود غزة.. والآلية الحالية لا تعمل مطلقا    هل الخوف فطرة أم قلة إيمان وعدم ويقين بالله؟.. محمود الهواري يجيب    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    الجامعة البريطانية في مصر تنظم أول مائدة مستديرة حول إعلام الخدمة العامة    وفاة والدة النجمة هند صبري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 17-7-2025 في محافظة قنا    احتفالاً بالعيد القومي لمحافظة الإسكندرية.. فتح المواقع الأثرية كافة مجانا للجمهور    فيلم الشاطر لأمير كرارة يحصد 2.7 مليون جنيه في أول أيامه بدور السينما    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    محافظ منطقة واسط بالعراق: 50 شخصا إما توفوا أو أصيبوا إثر حريق هائل في مركز تجاري بمدينة الكوت    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



\"محمد أفندي رفعنا العلم\" يكشف لأول مرة أسرار تآمر مبارك على الجيش
نشر في التغيير يوم 17 - 10 - 2011

يجلس ويتكلم بعفوية وتجرد رجل لا يكترث بكونه أحد صناع التاريخ وملهمي كتاب الدراما وتيمة أساسية على أغلفة الكتب الدراسية، حرص قبل بدء الحوار على تأكيد أنه يتحدث فقط ليحكي تاريخ مصر كما رآه على أطهر أرض، أرض المعركة الكبرى في تاريخنا المعاصر، يقص ما حدث بخشوع وتبتل ويذكر اسم مصر بعشق ويترحم على القادة العظام وشهداء العبور ويذكر زملاء السلاح بانتماء وحنين.. يكره المخلوع ويكشف لنا أسرارًا تنشر لأول مرة عن تدميره لمصر إنسانيا وعسكريا، درس أحكام تلاوة القرآن وقام بتدريسها، هو حدوتة مصرية عنوانها "محمد أفندي رفعنا العلم"، أول جندي مصري رفع علمنا على الضفة الشرقية لقناة السويس في حرب أكتوبر
بعد 38 سنة من الحرب، الوصية لا تزال في جيبي
ثورة 25 يناير معجزة مثل العبور وتحرير سيناء
عبرت بحرا من الألغام كي أصل للنقطة التى أرفع فوقها راية بلادي
حكاية الضابط محمد القصاص والقناصة وال50 جنيه والقائد الصهيوني
الفريق عبد المنعم رياض استشهد أمام عيني
الصهاينة كتبوا على خط بارليف "ستظل مصر جثة هامدة"، فقررنا الانتقام
وجود المخلوع في القفص آية مثلما حدث مع فرعون
مبارك أهان روح أكتوبر وحكم البلد بجيش من البلطجية
ماذا عن حياتك قبل استدعائك لأداء الخدمة العسكرية قبل أيام قليلة من هزيمة يونيو 1967؟
اسمي محمد محمد عبد السلام العباسي، فلاح ومواطن مصري، من مدينة القرين بمحافظة الشرقية، مولود في 21 فبراير 1947، قبل تجنيدي في صفوف جيشنا العظيم، حصلت على الإعدادية، بعدها عملت في الزراعة مع والدي، ثم افتتحت محل بقالة، ومن الله علي وكنت موفقا في ذلك العمل.
متى استدعيت للتجنيد؟
تم تجنيدي في أول يونيو 1967، وبعد أقل من 4 أيام وقعت نكسة يونيو 1967، تم نقلنا في قطار مظلم من الهيكستب إلى منطقة الحلمية بالقاهرة، كنا خليطا من مصريين متنوعي الفئات والمستويات المادية، منا المتعلم والأمي، الموظف والفلاح، بمجرد تجنيدنا دخلنا في تدريبات شديدة استثنائية بحكم ظروف النكسة، تدربنا مباشرة على حمل السلاح وضرب النار، كان التدريب ليل نهار، وكنت في سلاح المشاة، ومع بداية 1968 تم نقلنا إلى الجبهة لنكون وجها لوجه مع العدو الصهيوني، وهي اللحظة التى كنا نتمناها وننتظرها لأننا كنا مأخوذين بالرغبة في الانتقام من الصهاينة ورد كرامة البلد، فور وصولنا قناة السويس شاهدنا عمليات إنشاء خط بارليف، وهنا لا بد أن نتذكر قول الله عز وجل عن اليهود "لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى"، فيما بعد، بعد الانتصار شاهدنا كيف كانت الدشمة من الدشم المكونة لخط بارليف كالقرية بها مخبأ ومكان للمعيشة وطرقة ووسائل ترفيه.
وقتها كانت قناة السويس مغلقة أمام الملاحة.
وكنا مزودين بأسلحة تقليدية تتمثل في الرشاش الآلي و30 طلقة، وكانت الأوامر الصادرة تقضي بعدم ضرب النار مهما بلغ استفزاز الصهاينة لنا، حتى لو رأيناهم يسبحون في القناة، وكنا نشاهد البلدوزرات الضخمة وهي تبني خط بارليف وكلنا حزن وغضب ومرارة خصوصا ونحن نراهم يستخدمون عربات قطارات السكة الحديد التى كانت تستخدم في الخط المصري الواصل لسيناء في بناء الدشم، كانوا يرصون تلك العربات ثم يضعون فوقها شكائر الرمل والزلط والطوب ثم يرفعون فوقها العلم الصهيوني، وكان الجنود الإسرائيليون يحرصون على استفزاز مشاعرنا بالبذاءات والممارسات الفاحشة.
كان الخط الأول من دشم خط بارليف يضم 32 دشمة بين كل واحدة وأخرى من 2 إلى 3 كيلو مترات، ومن أكثر ما كان يؤلمنا في ذلك الوقت أن الصهاينة كانوا يكتبون بالحجارة على السواتر الترابية بين الدشم عبارة "ستظل مصر جثة هامدة".
وكان الطعام الذي يصرف لنا ضئيلا، ووقتها كان اقتصاد مصر موجها لخدمة المجهود الحربي وكان ذلك يزيدنا حماسة لاسترداد الكرامة وانتظار حلم العبور ومحو العار.
وماذا عن الأجواء والتفاصيل الإنسانية بين المصريين كما كنتم تشاهدونها عندما كنتم تنزلون إجازات لزيارة الأهل؟
بصراحة كانت أوقاتا صعبة للغاية، كنا خارجين من نكسة وكان الواحد منا يحرج ويخجل من المشي وسط الناس بالزي العسكري لأنه كان يمطر بسيل من السخرية والاتهامات بالتسبب في عار الهزيمة، كنا على الجبهة نقف طوابير طويلة للحصول فقط على رغيفين وقليل من الأرز نأكلهم ونحن سائرون، لكن كل ذلك يتضاءل أمام استفزاز مشاعرنا الذي كان يمارسه الصهاينة على الضفة الأخرى من القناة، وأذكر أنه ذات ليلة بينما كنت ساهرا في نوبة الحراسة فوجئت بالجندي الصهيوني الواقف قبالتي على الناحية المواجهة من القناة ينادي: يا محمد، وكانوا يحرصون على النداء بصورة عشوائية مستخدمين الأسماء التى يعلمون بانتشارها بين المصريين خصوصا الأسماء التى لها علاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل محمد وأحمد ومحمود ومصطفى وهكذا، ناداني ذلك الجندي وقال لي: تحب تسمع عبد الحليم حافظ؟ تحب تسمع أم كلثوم، والكثير من الاستفزازات الأخرى.
هل هناك عمليات عسكرية تذكرها من التى وقعت بالقرب من موقعك في تلك الفترة؟
هناك العديد من العمليات البطولية العظيمة التى قام بها ضباطنا وجنودنا الأبطال، أذكر مثلا أن ضابطا اسمه محمد القصاص اصطحب اثنين من القناصة وصعد بهما فوق مستشفى هيئة قناة السويس، وقال لهما أنهم بانتظار اصطياد صيد صهيوني ثمين، وبالفعل انتظروا فوق مبنى المستشفى حتى جاء على الناحية المقابلة ضابط إسرائيلي كبير استهدفه القناصان فأردياه قتيلا، كان هذا الصيد الثمين هو قائد القطاع الشمالي في جيش العدو الصهيوني، هذه العملية العظيمة كان لها أثر بالغ في رفع روحنا المعنوية وقد كافأت القيادة كلا من القناصين بمكافأة قدرها 50 جنيها كانت وقتها مبلغا ضخما خاصة وأن راتب المجند وقتها كان 243 قرشا، بعد هذه العملية نشط القناصة المصريون على طول القناة في استهداف أفراد جيش العدو.
هناك عملية أخرى أذكرها كلفنا فيها بالتسلل للضفة المقابلة واصطياد أسير من جنود العدو، كانت مجموعتنا المكلفة بالعملية 12 جنديا، وكان الهدف في المنطقة الواقعة بين "الكاب" و "التينة" في بورسعيد، بالفعل عبرنا إلى الضفة المقابلة في الساعة 12 ليلا وظللنا متربصين خلف الحجارة حتى الرابعة من عصر اليوم التالي وكل منا يعرف مهمته جيدا، كان الهدف دورية صهيونية وعندما اقتربت تم التعامل معها واقتحام مدرعاتها، وأكرمنا الله بتدمير كل مدرعات الدورية وأسر 3 ضباط صهاينة وعدنا حاملين الأسرى سباحة إلى الضفة الأخرى.
من القادة الذين تذكرهم بإكبار وتقدير وكانوا يزورونكم باستمرار في الجبهة؟
أذكر بكل التقدير كل قادتنا العظام مثل المشير الجمسي والشهيد الفريق عبد المنعم رياض الذي استشهد في الموقع الذي كنت فيه.
ما هي قصة استشهاده؟
بعد العملية الناجحة التى قادها الضابط محمد القصاص قرر الصهاينة الانتقام، بعدها بأيام كان الشهيد يزور الجبهة وكان مقررا أن يزور وحدتي، علم الصهاينة بموعد الزيارة من القوات الدولية التى كانت موجودة لمراقبة وقف إطلاق النار، وبالفعل عندما وصل انطلق صاروخ من الجانب المحتل سقط على المكان الموجود به الشهيد الفريق عبد المنعم رياض فاستشهد على الفور ومعه آخرون من الأبطال وأصيب العديد من جنودنا وضباطنا.
متى بدأتم تشعرون أن موعد الحسم قد اقترب وأن حرب التحرير باتت وشيكة؟
في سبتمبر 1973 تم تنظيم "مشروع حرب" بالذخيرة الحية شاركت فيه كل الأسلحة، وكان التدريب على العبور يتم في ترعة الاسماعيلية، وامتدت عمليات المشروع من منطقة القصاصين إلى أبو صوير حتى وصلنا إلى القنطرة، بعدما رجعنا إلى الوحدة خطب فينا قائد كتيبتنا المقدم ناجي الجندي وقال ضمن الخطبة أن المشروع القادم بإذن الله سيكون حربا حقيقية، وعندها تعالت صيحاتنا وهتافاتنا وملأ الحماس المكان خاصة وأننا استشعرنا في كلامه أن شيئا ما سيحدث قريبا، بعدها لم يعد هناك حساب على عدد الطلقات التى نستخدمها في التدريب بل طلب منا أن كل من لديه مشكلة في سلاحه أو قناعه الواقي عليه أن يتقدم لحلها على الفور وبدأوا في إحضار القوراب المطاطية الجديدة للوحدات، فزاد هذا من شعورنا أن المعركة التى ننتظرها جميعا أصبحت قريبة، لكن في الوقت نفسه كان تخطة خداع العدو مستمرة ومنها عمليات تقدم ثم انسحاب للقوات على الجبهة، وإعطاء إجازات للجنود.
ماذا عن يوم 5 أكتوبر؟
كان يوم جمعة، وكنا تعودنا أن يخطب الجمعة شيخ من التوجيه المعنوي عن القتال وكرامة الشهيد وفضله وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، في هذا اليوم كانت الخطبة عن غزوة بدر، وقد تم وضع العلم وصلينا عليه، وفور انتهاء الصلاة حاول كل منا الحصول عليه لكن قائد الكتيبة المقدم ناجي الجندي احتفظ به.بعد المغرب عقد المقدم ناجي اجتماعا لقادة الفصائل فرضت عليه السرية عرفنا بسببه أن الحرب ستبدأ لأننا علمنا أننا سنفطر في اليوم التالي حيث كنا في شهر رمضان.
وجاء صباح السادس من أكتوبر؟
كنا سعداء جدا، استيقظنا وبعد قليل جاءت وجبة الإفطار فأفطرنا، وتلقى كل منا تعيين يومين ( طعام يومين ) وكان عبارة عن زمزمية ماء ووجبة ليومين، في هذه الأثناء كتبت وصيتي ووضعتها في جيبي وطلبت من زملائي أن يحملوها إلى أسرتي إذا مت أثناء القتال، وما زلت احتفظ بهذه الوصية حتى الآن، وقد كنت متزوجا ولدي أبناء من قبل أن يتم تجنيدي،
قبل العبور بقليل كنا قد بلغنا ذروة الحماس والشوق للمعركة لدرجة جعلتنا نظن أن عقارب الساعة لا تتحرك، وفي الموعد المحدد بدأ قصف المدفعية لخمس دقائق، ثم عبر الطيران على ارتفاع منخفض، هنا رأيت بعيني السحب على صفحة السماء تكتب " الله أكبر " وأخذنا ننادي بعضنا بفرحة لنشاهد هذه الآية الربانية، ثم حملنا القوارب المطاطية وعبرنا القناة وسط أصوات التكبير، وكنا مستعدين للشهادة لأن القادة أخبرونا أن أول دفعتين ستعبران ستستشهدان تمهيدا للدفعة الثالثة التى ستقوم بالسيطرة على الجبهة.كانت خطة الهجوم أن تقوم وحدات المهندسين بفتح الثغرات في الساتر الترابي تمهيدا لاقتحام خط بارليف، وهنا أذكر أننا كنا أثناء التدريب نتدرب على التعامل مع الموقف في حال لم يتمكن المهندسون من إتمام مهمتهم لأي سبب طارىء، فقد كانت التعليمات تقضي بأن تقوم مجموعة منا بعملية استشهادية وتقفز بأجسادها على حقول الألغام المحيطة بالدشم لتفجيرها بمايعني أنها ستموت، وأن تفرش بأجسادها طريقا فوق الألغام يعبر عليه باقي الجنود.
وما قصة قيامك برفع أول علم مصري على الضفة الشرقية لقناة السويس؟
عندما عبرنا كان علينا أن ننتظر حتى تقوم وحدات المهندسين بفتح ثغرات في الساتر الترابي وبين الدشم وتدمر حقول الألغام حتى نتمكن من أداء مهمة الاقتحام، وكانت مجموعتي مكونة من 120 فردا يقودها المقدم ناجي الجندي، وبالمناسبة فإنه أثناء المعركة لا ننادي بعضنا بالرتب وإنما بالأسماء المجردة، وحدث في تلك الأثناء أن أخطأ أحد الجنود فألقى قنبلة دفاعية على الدشمة التى كنا سنقتحمها بدلا من أن يلقي قنبلة هجومية، والفرق بين الاثنتين هو أن القنبلة الهجومية تنفجر بمجرد ملامسة الأرض بينما الدفاعية تنفجر بعد توقيت محدد، لذا فقد تدحرجت القنبلة التى ألقاها زميلي حتى عادت لنا فأيقنا جميعا بأننا سنستشهد، لكن ما حدث هو أنني قمت بسرعة بالقفز فوق الأسلاك الشائكة مستخدما السونكي في تدمير الألغام، وكنت أضع قدمي في الموضع الذي يخلو من الألغام حتى صنعت طريقا لزملائي فأمرهم الضابط بالسير ورائي، حدث ذلك قبل أن تكون الثغرة المطلوبة لعبورنا لداخل الدشمة قد فتحت، وبعد قليل كنت أقف على قمة الدشمة، وسيطرنا عليها في دقائق معدودة مما جعل فرحتنا غامرة، وتبادلنا التهاني على النجاح في المهمة، وعندما قلت للمقدم قائد المجموعة مبروك يا ناجي.. قال لي.. مبروك يا عباسي، ثم ناولني العلم فقمت بإنزال العلم الصهيوني ودسته بقدمي ومزقته ورفعت علم مصر وسط تكبير زملائي وهتافهم وكنا لا نكاد نصدق ما حدث، بعدها قمنا بتطويق الدشمة لقتل كل من يخرج منها من جنود العدو،
أنت شاهد على قدرة الإنسان المصري على صناعة المعجزات في وقت يمثل مفاجأة للجميع، كيف نظرت إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير؟ وهل ترى أن هناك تشابها بين الروح التى سادت بين المتظاهرين في ميدان التحرير، والروح التى سادت بين المقاتلين في حرب أكتوبر؟
طبعا، ثوار يناير صنعوا معجزة لا تقل عن الحرب بل ربما تفوقها، فأثناء الاستعداد لحرب اكتوبر كانت البلد كلها موحدة خلف هدف استرداد الكرامة وتحرير الأرض، وكانت كل طاقات الدولة موجهة لذلك الهدف، كما أن العدو كان واضحا وخارجيا، لكن في حالة الثورة فقد قام بها المتظاهرون ضد نظام يمتلك آلة أمنية ضخمة سخرها ضدهم وهم عزل من السلاح لا يملكون إلا الهتاف، كما أن أجهزة الدولة بما فيها الإعلام كانت مسخرة لتشويه الثورة، ثورة يناير مفخرة لمصر كلها حررتها من رئيس خائن وقيادة خانت البلد ودمرتها وأهانت المواطن، وأنا أؤمن أن وجود مبارك خلف القفص في المحكمة هو آية من آيات الله تعالى تماما مثلما حدث مع فرعون حيث يقول القرآن الكريم " اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية" ، كيف يعقل أن خيرات مصر كانت مجتمعة في يد بضعة أشخاص هم المقربون من مبارك؟ وقد بلغ به الأمر أن كان يحض الناس على عدم الإنجاب كلما طالبوه في المؤتمرات ب"المنحة" أو زيادة الرواتب حيث كان يقول لهم دائما "أجيب لكم منين" وكأنه هو الذي يرزقهم؟
كجندي عرفت معنى البطولة والشرف والتضحية، كيف كنت تنظر لحكم الرئيس المخلوع مبارك؟
كنت غاضبا وساخطا على الأوضاع كغيري من المصريين، مبارك كان يحكم بغطرسة ولم يكن يقدر أحدا، كما كان حريصا على القضاء على روح أكتوبر، كان يحكم البلد بجيش من المخبرين ورجال الأمن والبلطجية، وأذكر هنا أمرا هاما حدث مع بدايات عصر مبارك، فبعد إحدى زياراته لأمريكا قام بتسريح عدد ضخم من ضباط الصف بالجيش المصري، وهو قرار غريب لا تفسير له إلا أنه كان يهدف للقضاء على أحد مرتكزات القوة العسكرية المصرية،
لا حظت أنك عندما تستشهد بآيات من القرآن الكريم تقرأها سليمة منضبطة بأحكام التلاوة، هل درست التجويد؟
قبل دخولي الجيش كنت حريصا على قراءة القرآن لكني كنت أقرأوه بصورة عادية لكن بعد انتهائي من الخدمة العسكرية توجهت إلى أحد المشايخ الكرام وتعلمت أحكام التلاوة على يديه وأكرمني الله تعالى وحفظت القرآن كاملا، وقد تعودت على تلاوة جزء من الكتاب الكريم بصورة يومية عقب صلاة الفجر وكنت لفترة أقوم بتدريس أحكام التجويد في حلقة بالمسجد لكن بعد إصابتي ببعض المتاعب الصحية صرت أقرأ الجزء في المنزل بعد عودتي من صلاة الفجر.
التغيير:
"محمد أفندي رفعنا العلم" هو مطلع الأغنية التى استقبل بها أهالي مدينة القرين ابنهم عند عودته من الجبهة بعد الحرب، وكان مطلعها يقول "محمد أفندي رفعنا العلم.. ورفعت راسنا بين الأمم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.