موسم استثنائي.. كم بطولة انتزعها الأهلي من الزمالك في ألعاب الصالات؟    تقارير سعودية: أوسيمين هلالي لثلاث سنوات    يد الأهلي بطلا لكأس الكؤوس الأفريقية بعد الفوز على الزمالك    إنقاذ شاب مصاب بطعنة نافذة بالقلب فى المستشفى الجامعى بسوهاج الجديدة    لتصحيح المفاهيم الخاطئة، الأوقاف تسير قوافل دعوية للمحافظات الحدودية    اليورو يهبط مع تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي    «الوزير» يتفقد الخط الثاني للقطار الكهربائي السريع في المسافة من القاهرة حتى المنيا    تشكيل إنتر ميلان ضد كومو في ختام الدوري الإيطالي    الشهدي حكما لمباراة بتروجيت والزمالك في الدوري    رسميًا.. جدول امتحانات الشهادة الإعدادية آخر العام 2025 محافظة القاهرة    انخفاض القيمة السوقية لشركة آبل دون مستوى 3 تريليونات دولار    نيللى كريم تغنى وترقص مع تامر حسنى بحفله jukebox والجمهور يصفق لها    وفقا للحسابات الفلكية.. موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى 2025    وكالة أممية: نهب 15 شاحنة مساعدات في قطاع غزة    أسعار مواد البناء مساء اليوم الجمعة 23 مايو 2025    «مكنتش بتفرج عليها».. تعليق مفاجئ من الدماطي على تتويج سيدات الأهلي    ما حكم الكلام فى الهاتف المحمول أثناء الطواف؟.. شوقى علام يجيب    اليونيسيف: الأزمة الإنسانية فى غزة تعصف بالطفولة وتتطلب تدخلاً عاجلاً    من مصر إلى إفريقيا.. بعثات تجارية تفتح آفاق التعاون الاقتصادي    انطلاق امتحانات العام الجامعي 2024–2025 بجامعة قناة السويس    محافظ البحيرة: إزالة 16 حالة تعدي على أملاك الدولة بالموجة ال 26    يختتم دورته ال 78 غدا.. 15فيلمًا تشكل موجة جديدة للسينما على شاشة مهرجان كان    الفنانة دينا فاضل تدعو لاكتشاف أعماق الإنسان من خلال معرضها «الكون بداخلك»    وزير المالية الأوكراني يدعو الاتحاد الأوروبي لتمويل جيش بلاده لحماية القارة من روسيا    «المشاط» تلتقي رئيس المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة لبحث سبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين    كم تبلغ قيمة جوائز كأس العرب 2025؟    مستشفى الحوض المرصود يطلق يوما علميآ بمشاركة 200 طبيب.. و5 عيادات تجميلية جديدة    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    مدير جمعية الإغاثة الطبية في غزة: لا عودة للمستشفيات دون ضمانات أممية    حزب الإصلاح والنهضة: نؤيد استقرار النظام النيابي وندعو لتعزيز العدالة في الانتخابات المقبلة    بين الفرص والمخاطر| هل الدعم النفسي بالذكاء الاصطناعي آمن؟    هل يحرم على المُضحّي قصّ شعره وأظافره في العشر الأوائل؟.. أمين الفتوى يوضح    القاهرة 36 درجة.. الأرصاد تحذر من موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد غدًا    أمين اتحاد دول حوض النيل يدعو للاستثمار في أفريقيا |خاص    إيفاد قافلتين طبيتين لمرضى الغسيل الكلوي في جيبوتي    تقديم الخدمة الطبية ل 1460 مواطنًا وتحويل 3 حالات للمستشفيات بدمياط    «Top 7 يوتيوب».. شيرين في الصدارة ومنافسة من تامر حسني ورضا البحراوي    صفاء الطوخي: أمينة خليل راقية وذكية.. والسعدني يمتلك قماشة فنية مميزة    جوارديولا: مواجهة فولهام معقدة.. وهدفنا حسم التأهل الأوروبى    البريد المصري يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة    ضمن رؤية مصر 2030.. تفاصيل مشاركة جامعة العريش بالندوة التثقيفية المجمعة لجامعات أقليم القناة وسيناء (صور)    خطيب المسجد النبوى يوجه رسالة مؤثرة لحجاج بيت الله    ضبط مدير مسئول عن شركة إنتاج فنى "بدون ترخيص" بالجيزة    ننشر مواصفات امتحان العلوم للصف السادس الابتدائي الترم الثاني    "طلعت من التورتة".. 25 صورة من حفل عيد ميلاد اسماء جلال    بدون خبرة.. "الكهرباء" تُعلن عن تعيينات جديدة -(تفاصيل)    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد المخططات الاستراتيجية العامة ل11 مدينة و160 قرية    وزير الزراعة يعلن توريد 3.2 مليون طن من القمح المحلي    زلزال بقوة 5.7 درجة يدمر 140 منزلا فى جزيرة سومطرة الإندونيسية    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول 9360 حاجا من بعثة القرعة إلى مكة المكرمة وسط استعدادات مكثفة (صور)    المشروع x ل كريم عبد العزيز يتجاوز ال8 ملايين جنيه فى يومى عرض    ترامب وهارفارد.. كواليس مواجهة محتدمة تهدد مستقبل الطلاب الدوليين    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    أيمن يونس: الدوري هذا الموسم باطل    مصادر عسكرية يمينة: مقتل وإصابة العشرات فى انفجارات في صنعاء وسط تكتّم الحوثيين    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أفندي رفعنا العلم يكشف ل "التغيير" أسرار تآمر مبارك على جيش مصر
في ذكرى نصر العاشر من رمضان.. أول من رفع العلم على الضفة الشرقية
نشر في التغيير يوم 29 - 07 - 2012

** يجلس ويتكلم بعفوية وتجرد رجل لا يكترث بكونه أحد صناع التاريخ وملهمي كتاب الدراما وتيمة أساسية على أغلفة الكتب الدراسية .. حرص قبل بدء الحوار الذي أجرته معه " التغيير" بمناسبة ذكرى حرب العاشر من رمضان، على تأكيد أنه يتحدث فقط ليحكي تاريخ مصر كما رآه على أطهر أرض .. أرض المعركة الكبرى في تاريخنا المعاصر .. يقص ما حدث بخشوع وتبتل ويذكر اسم مصر بعشق ويترحم على القادة العظام وشهداء العبور ويذكر زملاء السلاح بانتماء وحنين .. يكره " المخلوع " ويكشف لنا أسرارا تنشر لأول مرة عن تدميره لمصر إنسانيا وعسكريا .. درس أحكام تلاوة القرآن وقام بتدريسها .. هو حدوتة مصرية عنوانها "محمد أفندي رفعنا العلم ".. أول جندي مصري رفع علمنا على الضفة الشرقية لقناة السويس في حرب أكتوبر
ماذا عن حياتك قبل استدعائك لأداء الخدمة العسكرية قبل أيام قليلة من هزيمة يونيو 1967 ؟
* اسمي محمد محمد عبد السلام العباسي ، فلاح ومواطن مصري ، من مدينة القرين بمحافظة الشرقية.. مولود في 21 فبراير 1947 ، قبل تجنيدي في صفوف جيشنا العظيم ، حصلت على الإعدادية ، بعدها عملت في الزراعة مع والدي ، ثم افتتحت محل بقالة ، ومن الله علي وكنت موفقا في ذلك العمل.
ثم استدعيت للتجنيد ...
* تم تجنيدي في أول يونيو 1967 ..و بعد أقل من 4 أيام وقعت نكسة يونيو 1967 .. تم نقلنا في قطار مظلم من الهيكستب إلى منطقة الحلمية بالقاهرة ..كنا خليطا من مصريين متنوعي الفئات والمستويات المادية .. منا المتعلم والأمي .. الموظف والفلاح ..بمجرد تجنيدنا دخلنا في تدريبات شديدة استثنائية بحكم ظروف النكسة ..تدربنا مباشرة على حمل السلاح وضرب النار ..كان التدريب ليل نهار.. وكنت في سلاح المشاة.. ومع بداية 1968 تم نقلنا إلى الجبهة لنكون وجها لوجه مع العدو الصهيوني .. وهي اللحظة التى كنا نتمناها وننتظرها لأننا كنا مأخوذين بالرغبة في الانتقام من الصهاينة ورد كرامة البلد ..فور وصولنا قناة السويس شاهدنا عمليات إنشاء خط بارليف ..وهنا لا بد أن نتذكر قول الله عز وجل عن اليهود " لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ..بأسهم بينهم شديد ..تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى " .. فيما بعد ، بعد الانتصار شاهدنا كيف كانت الدشمة من الدشم المكونة لخط بارليف كالقرية بها مخبأ ومكان للمعيشة وطرقة ووسائل ترفيه .
وقتها كانت قناة السويس مغلقة أمام الملاحة ..وكنا مزودين بأسلحة تقليدية تتمثل في الرشاش الآلي و30 طلقة ..وكانت الأوامر الصادرة تقضي بعدم ضرب النار مهما بلغ استفزاز الصهاينة لنا ..حتى لو رأيناهم يسبحون في القناة .. وكنا نشاهد البلدوزرات الضخمة وهي تبني خط بارليف وكلنا حزن وغضب ومرارة خصوصا ونحن نراهم يستخدمون عربات قطارات السكة الحديد التى كانت تستخدم في الخط المصري الواصل لسيناء في بناء الدشم ..كانوا يرصون تلك العربات ثم يضعون فوقها شكائر الرمل والزلط والطوب ثم يرفعون فوقها العلم الصهيوني .. وكان الجنود الإسرائيليون يحرصون على استفزاز مشاعرنا بالبذاءات والممارسات الفاحشة ..كان الخط الأول من دشم خط بارليف يضم 32 دشمة بين كل واحدة وأخرى من 2 إلى 3 كيلو مترات..ومن أكثر ما كان يؤلمنا في ذلك الوقت أن الصهاينة كانوا يكتبون بالحجارة على السواتر الترابية بين الدشم عبارة " ستظل مصر جثة هامدة " .. وكان الطعام الذي يصرف لنا ضئيلا ..ووقتها كان اقتصاد مصر موجها لخدمة المجهود الحربي وكان ذلك يزيدنا حماسة لاسترداد الكرامة وانتظار حلم العبور ومحو العار..
وماذا عن الأجواء والتفاصيل الإنسانية بين المصريين كما كنتم تشاهدونها عندما كنتم تنزلون إجازات لزيارة الأهل؟
* بصراحة كانت أوقاتا صعبة للغاية .. كنا خارجين من نكسة وكان الواحد منا يحرج ويخجل من المشي وسط الناس بالزي العسكري لأنه كان يمطر بسيل من السخرية والاتهامات بالتسبب في عار الهزيمة..كنا على الجبهة نقف طوابير طويلة للحصول فقط على رغيفين وقليل من الأرز نأكلهم ونحن سائرون ..لكن كل ذلك يتضاءل أمام استفزاز مشاعرنا الذي كان يمارسه الصهاينة على الضفة الأخرى من القناة .. وأذكر أنه ذات ليلة بينما كنت ساهرا في نوبة الحراسة فوجئت بالجندي الصهيوني الواقف قبالتي على الناحية المواجهة من القناة ينادي : يا محمد ..وكانوا يحرصون على النداء بصورة عشوائية مستخدمين الأسماء التى يعلمون بانتشارها بين المصريين خصوصا الأسماء التى لها علاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل محمد وأحمد ومحمود ومصطفى وهكذا ..ناداني ذلك الجندي وقال لي : تحب تسمع عبد الحليم حافظ ؟ تحب تسمع أم كلثوم .. والكثير من الاستفزازات الأخرى.
هل هناك عمليات عسكرية تذكرها من التى وقعت بالقرب من موقعك في تلك الفترة؟
*هناك العديد من العمليات البطولية العظيمة التى قام بها ضباطنا وجنودنا الأبطال .. أذكر مثلا أن ضابطا اسمه محمد القصاص اصطحب اثنين من القناصة وصعد بهما فوق مستشفى هيئة قناة السويس ، وقال لهما أنهم بانتظار اصطياد صيد صهيوني ثمين ، وبالفعل انتظروا فوق مبنى المستشفى حتى جاء على الناحية المقابلة ضابط إسرائيلي كبير استهدفه القناصان فأردياه قتيلا ، كان هذا الصيد الثمين هو قائد القطاع الشمالي في جيش العدو الصهيوني ، هذه العملية العظيمة كان لها أثر بالغ في رفع روحنا المعنوية وقد كافأت القيادة كلا من القناصين بمكافأة قدرها 50 جنيها كانت وقتها مبلغا ضخما خاصة وأن راتب المجند وقتها كان 243 قرشا ..بعد هذه العملية نشط القناصة المصريون على طول القناة في استهداف أفراد جيش العدو .
هناك عملية أخرى أذكرها كلفنا فيها بالتسلل للضفة المقابلة واصطياد أسير من جنود العدو ، كانت مجموعتنا المكلفة بالعملية 12 جنديا ، وكان الهدف في المنطقة الواقعة بين " الكاب " و " التينة " في بورسعيد ، بالفعل عبرنا إلى الضفة المقابلة في الساعة 12 ليلا وظللنا متربصين خلف الحجارة حتى الرابعة من عصر اليوم التالي وكل منا يعرف مهمته جيدا ، كان الهدف دورية صهيونية وعندما اقتربت تم التعامل معها واقتحام مدرعاتها ، وأكرمنا الله بتدمير كل مدرعات الدورية وأسر 3 ضباط صهاينة وعدنا حاملين الأسرى سباحة إلى الضفة الأخرى.
من القادة الذين تذكرهم بإكبار وتقدير وكانوا يزورونكم باستمرار في الجبهة ؟
* أذكر بكل التقدير كل قادتنا العظام مثل المشير الجمسي والشهيد الفريق عبد المنعم رياض الذي استشهد في الموقع الذي كنت فيه .
ما هي قصة استشهاده؟
* بعد العملية الناجحة التى قادها الضابط محمد القصاص قرر الصهاينة الانتقام ، بعدها بأيام كان الشهيد يزور الجبهة وكان مقررا أن يزور وحدتي ، علم الصهاينة بموعد الزيارة من القوات الدولية التى كانت موجودة لمراقبة وقف إطلاق النار ، وبالفعل عندما وصل انطلق صاروخ من الجانب المحتل سقط على المكان الموجود به الشهيد الفريق عبد المنعم رياض فاستشهد على الفور ومعه آخرون من الأبطال وأصيب العديد من جنودنا وضباطنا.
متى بدأتم تشعرون أن موعد الحسم قد اقترب وأن حرب التحرير باتت وشيكة ؟
* في سبتمبر 1973 تم تنظيم " مشروع حرب " بالذخيرة الحية شاركت فيه كل الأسلحة ، وكان التدريب على العبور يتم في ترعة الاسماعيلية ، وامتدت عمليات المشروع من منطقة القصاصين إلى أبو صوير حتى وصلنا إلى القنطرة، بعدما رجعنا إلى الوحدة خطب فينا قائد كتيبتنا المقدم ناجي الجندي وقال ضمن الخطبة أن المشروع القادم بإذن الله سيكون حربا حقيقية ، وعندها تعالت صيحاتنا وهتافاتنا وملأ الحماس المكان خاصة وأننا استشعرنا في كلامه أن شيئا ما سيحدث قريبا ، بعدها لم يعد هناك حساب على عدد الطلقات التى نستخدمها في التدريب بل طلب منا أن كل من لديه مشكلة في سلاحه أو قناعه الواقي عليه أن يتقدم لحلها على الفور وبدأوا في إحضار القوراب المطاطية الجديدة للوحدات ، فزاد هذا من شعورنا أن المعركة التى ننتظرها جميعا أصبحت قريبة ، لكن في الوقت نفسه كان تخطة خداع العدو مستمرة ومنها عمليات تقدم ثم انسحاب للقوات على الجبهة ، وإعطاء إجازات للجنود .
ماذا عن يوم 5 أكتوبر ؟
* كان يوم جمعة ، وكنا تعودنا أن يخطب الجمعة شيخ من التوجيه المعنوي عن القتال وكرامة الشهيد وفضله وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ، في هذا اليوم كانت الخطبة عن غزوة بدر ، وقد تم وضع العلم وصلينا عليه ، وفور انتهاء الصلاة حاول كل منا الحصول عليه لكن قائد الكتيبة المقدم ناجي الجندي احتفظ به .بعد المغرب عقد المقدم ناجي اجتماعا لقادة الفصائل فرضت عليه السرية عرفنا بسببه أن الحرب ستبدأ لأننا علمنا أننا سنفطر في اليوم التالي حيث كنا في شهر رمضان.
وجاء صباح السادس من أكتوبر ...
* بتأثر شديد : كنا سعداء جدا ..استيقظنا وبعد قليل جاءت وجبة الإفطار فأفطرنا ، وتلقى كل منا تعيين يومين ( طعام يومين ) وكان عبارة عن زمزمية ماء ووجبة ليومين..في هذه الأثناء كتبت وصيتي ووضعتها في جيبي وطلبت من زملائي أن يحملوها إلى أسرتي إذا مت أثناء القتال ..وما زلت احتفظ بهذه الوصية حتى الآن ..وقد كنت متزوجا ولدي أبناء من قبل أن يتم تجنيدي..
قبل العبور بقليل كنا قد بلغنا ذروة الحماس والشوق للمعركة لدرجة جعلتنا نظن أن عقارب الساعة لا تتحرك ..وفي الموعد المحدد بدأ قصف المدفعية لخمس دقائق ، ثم عبر الطيران على ارتفاع منخفض ..هنا رأيت بعيني السحب على صفحة السماء تكتب " الله أكبر " وأخذنا ننادي بعضنا بفرحة لنشاهد هذه الآية الربانية ، ثم حملنا القوارب المطاطية وعبرنا القناة وسط أصوات التكبير ، وكنا مستعدين للشهادة لأن القادة أخبرونا أن أول دفعتين ستعبران ستستشهدان تمهيدا للدفعة الثالثة التى ستقوم بالسيطرة على الجبهة .كانت خطة الهجوم أن تقوم وحدات المهندسين بفتح الثغرات في الساتر الترابي تمهيدا لاقتحام خط بارليف ، وهنا أذكر أننا كنا أثناء التدريب نتدرب على التعامل مع الموقف في حال لم يتمكن المهندسون من إتمام مهمتهم لأي سبب طارىء ، فقد كانت التعليمات تقضي بأن تقوم مجموعة منا بعملية استشهادية وتقفز بأجسادها على حقول الألغام المحيطة بالدشم لتفجيرها بمايعني أنها ستموت ، وأن تفرش بأجسادها طريقا فوق الألغام يعبر عليه باقي الجنود .
وما قصة قيامك برفع أول علم مصري على الضفة الشرقية لقناة السويس؟
* عندما عبرنا كان علينا أن ننتظر حتى تقوم وحدات المهندسين بفتح ثغرات في الساتر الترابي وبين الدشم وتدمر حقول الألغام حتى نتمكن من أداء مهمة الاقتحام ، وكانت مجموعتي مكونة من 120 فردا يقودها المقدم ناجي الجندي ، وبالمناسبة فإنه أثناء المعركة لا ننادي بعضنا بالرتب وإنما بالأسماء المجردة ، وحدث في تلك الأثناء أن أخطأ أحد الجنود فألقى قنبلة دفاعية على الدشمة التى كنا سنقتحمها بدلا من أن يلقي قنبلة هجومية ، والفرق بين الاثنتين هو أن القنبلة الهجومية تنفجر بمجرد ملامسة الأرض بينما الدفاعية تنفجر بعد توقيت محدد ، لذا فقد تدحرجت القنبلة التى ألقاها زميلي حتى عادت لنا فأيقنا جميعا بأننا سنستشهد ، لكن ما حدث هو أنني قمت بسرعة بالقفز فوق الأسلاك الشائكة مستخدما السونكي في تدمير الألغام ، وكنت أضع قدمي في الموضع الذي يخلو من الألغام حتى صنعت طريقا لزملائي فأمرهم الضابط بالسير ورائي ، حدث ذلك قبل أن تكون الثغرة المطلوبة لعبورنا لداخل الدشمة قد فتحت ، وبعد قليل كنت أقف على قمة الدشمة ، وسيطرنا عليها في دقائق معدودة مما جعل فرحتنا غامرة ، وتبادلنا التهاني على النجاح في المهمة ، وعندما قلت للمقدم قائد المجموعة " مبروك يا ناجي " قال لي " مبروك يا عباسي " ثم ناولني العلم فقمت بإنزال العلم الصهيوني ودسته بقدمي ومزقته ورفعت علم مصر وسط تكبير زملائي وهتافهم وكنا لا نكاد نصدق ما حدث ، بعدها قمنا بتطويق الدشمة لقتل كل من يخرج منها من جنود العدو. .
أنت شاهد على قدرة الإنسان المصري على صناعة المعجزات في وقت يمثل مفاجأة للجميع .. كيف نظرت إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير ؟ وهل ترى أن هناك تشابها بين الروح التى سادت بين المتظاهرين في ميدان التحرير ، والروح التى سادت بين المقاتلين في حرب أكتوبر؟
*طبعا ..ثوار يناير صنعوا معجزة لا تقل عن الحرب بل ربما تفوقها ..فأثناء الاستعداد لحرب اكتوبر كانت البلد كلها موحدة خلف هدف استرداد الكرامة وتحرير الأرض ، وكانت كل طاقات الدولة موجهة لذلك الهدف ، كما أن العدو كان واضحا وخارجيا ..لكن في حالة الثورة فقد قام بها المتظاهرون ضد نظام يمتلك آلة أمنية ضخمة سخرها ضدهم وهم عزل من السلاح لا يملكون إلا الهتاف .. كما أن أجهزة الدولة بما فيها الإعلام كانت مسخرة لتشويه الثورة ..ثورة يناير مفخرة لمصر كلها حررتها من رئيس خائن وقيادة خانت البلد ودمرتها وأهانت المواطن ..وأنا أؤمن أن وجود مبارك خلف القفص في المحكمة هو آية من آيات الله تعالى تماما مثلما حدث مع فرعون حيث يقول القرآن الكريم " اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية "..كيف يعقل أن خيرات مصر كانت مجتمعة في يد بضعة أشخاص هم المقربون من مبارك؟ وقد بلغ به الأمر أن كان يحض الناس على عدم الإنجاب كلما طالبوه في المؤتمرات ب"المنحة " أو زيادة الرواتب حيث كان يقول لهم دائما " أجيب لكم منين " وكأنه هو الذي يرزقهم ؟.
كجندي عرفت معنى البطولة والشرف والتضحية ..كيف كنت تنظر لحكم الرئيس المخلوع مبارك؟
* كنت غاضبا وساخطا على الأوضاع كغيري من المصريين..مبارك كان يحكم بغطرسة ولم يكن يقدر أحدا ..كما كان حريصا على القضاء على روح أكتوبر ..كان يحكم البلد بجيش من المخبرين ورجال الأمن والبلطجية .. وأذكر هنا أمرا هاما حدث مع بدايات عصر مبارك ، فبعد إحدى زياراته لأمريكا قام بتسريح عدد ضخم من ضباط الصف بالجيش المصري ..وهو قرار غريب لا تفسير له إلا أنه كان يهدف للقضاء على أحد مرتكزات القوة العسكرية المصرية ..
لا حظت أنك عندما تستشهد بآيات من القرآن الكريم تقرأها سليمة منضبطة بأحكام التلاوة ..هل درست التجويد ؟
* قبل دخولي الجيش كنت حريصا على قراءة القرآن لكني كنت أقرأوه بصورة عادية لكن بعد انتهائي من الخدمة العسكرية توجهت إلى أحد المشايخ الكرام وتعلمت أحكام التلاوة على يديه وأكرمني الله تعالى وحفظت القرآن كاملا ..وقد تعودت على تلاوة جزء من الكتاب الكريم بصورة يومية عقب صلاة الفجر وكنت لفترة أقوم بتدريس أحكام التجويد في حلقة بالمسجد لكن بعد إصابتي ببعض المتاعب الصحية صرت أقرأ الجزء في المنزل بعد عودتي من صلاة الفجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.