ملامح التعديل الوزاري المرتقب .. آمال وتحديات    الحق اشتري.. انخفاض 110 ألف جنيه في سعر سيارة شهيرة    رئيس الإكوادور يعلن حالة الطوارئ بسبب أزمة انقطاع الكهرباء ويتخذ قرارا عاجلا    ترتيب هدافي الدوري الإيطالي قبل مباريات اليوم السبت 20- 4- 2024    ترتيب الدوري الإسباني قبل مباريات اليوم السبت 20- 4- 2024    عقوبة صارمة.. احذر التلاعب فى لوحات سيارتك    حبس المتهم بقتل سيدة لسرقتها بالبساتين    مشتت وفاصل ..نصائح لتحسين التركيز والانتباه في العمل    تشكيل تشيلسي المتوقع أمام مانشستر سيتي بكأس الاتحاد    بايدن: إنتاج أول 90 كجم من اليورانيوم المخصب في الولايات المتحدة    عيار 21 يسجل الآن رقمًا جديدًا.. أسعار الذهب والسبائك اليوم السبت بعد الارتفاع بالصاغة    7 أيام في مايو مدفوعة الأجر.. هل عيد القيامة المجيد 2024 إجازة رسمية للموظفين في مصر؟    فودة وجمعة يهنئان أسقف جنوب سيناء بسلامة الوصول بعد رحلة علاج بالخارج    الإفتاء: التجار الذين يحتكرون السلع و يبيعونها بأكثر من سعرها آثمون شرعًا    شعبة المخابز: مقترح بيع الخبز بالكيلو يحل أزمة نقص الوزن    بيان عاجل من الجيش الأمريكي بشأن قصف قاعدة عسكرية في العراق    تراجع سعر الفراخ البيضاء واستقرار البيض بالأسواق اليوم السبت 20 أبريل 2024    اندلاع مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال في بلدة بيت فوريك شرق نابلس    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    الوزيرة فايزة أبوالنجا    سفيرة البحرين بالقاهرة: زيارة الملك حمد لمصر تأكيد على التكامل الإستراتيجي ووحدة الصف بين البلدين    داعية إسلامي: خدمة الزوج والأولاد ليست واجبة على الزوجة    ميدو يكشف احتياجات الزمالك في الميركاتو الصيفي    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي    هل يتم استثناء العاصمة الإدارية من تخفيف الأحمال.. الحكومة توضح    GranCabrio Spyder| سيارة رياضية فاخرة من Maserati    رسميا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 إبريل 2024 بعد الانخفاض الأخير    نشرة منتصف الليل| الأرصاد تكشف موعد الموجة الحارة.. وهذه ملامح حركة المحافظين المرتقبة    بركات: مازيمبي لديه ثقة مبالغ فيها قبل مواجهة الأهلي وعلى لاعبي الأحمر القيام بهذه الخطوة    ملف رياضة مصراوي.. إغماء لاعب المقاولون.. رسالة شوبير.. وتشكيل الأهلي المتوقع    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    كرة يد.. تعليمات فنية مطولة للاعبي الزمالك قبل مواجهه الترجي التونسي    بصور قديمة.. شيريهان تنعي الفنان الراحل صلاح السعدني    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    "شقهُ نصُين".. تشييع جثة طفل لقي مصرعه على يد جاره بشبرا الخيمة (صور)    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    ضبط نصف طن لحوم فاسدة قبل استعمالها بأحد المطاعم فى دمياط    9 مصابين في انقلاب سيارة ربع نقل في بني سويف    "محكمة ميتا" تنظر في قضيتين بشأن صور إباحية مزيفة لنساء مشهورات    تجليس نيافة الأنبا توماس على دير "العذراء" بالبهنسا.. صور    بجوائز 2 مليون جنيه.. إطلاق مسابقة " الخطيب المفوه " للشباب والنشء    حدث بالفن| وفاة صلاح السعدني وبكاء غادة عبد الرازق وعمرو دياب يشعل زفاف نجل فؤاد    إياد نصار: لا أحب مسلسلات «البان آراب».. وسعيد بنجاح "صلة رحم"    نسرين أسامة أنور عكاشة: كان هناك توافق بين والدى والراحل صلاح السعدني    يسرا: فرحانة إني عملت «شقو».. ودوري مليان شر| فيديو    انطلاق حفل الفرقة الألمانية keinemusik بأهرامات الجيزة    بعد اتهامه بالكفر.. خالد منتصر يكشف حقيقة تصريحاته حول منع شرب ماء زمزم    3 إعفاءات للأشخاص ذوي الإعاقة في القانون، تعرف عليها    انفجار في قاعدة كالسوم في بابل العراقية تسبب في قتل شخص وإصابة آخرين    أعظم الذكر أجرًا.. احرص عليه في هذه الأوقات المحددة    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    العميد سمير راغب: اقتحام إسرائيل لرفح أصبح حتميًا    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    باحث عن اعترافات متحدث الإخوان باستخدام العنف: «ليست جديدة»    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    متلازمة القولون العصبي: الأسباب والوقاية منه    «هترجع زي الأول».. حسام موافي يكشف عن حل سحري للتخلص من البطن السفلية    نصبت الموازين ونشرت الدواوين.. خطيب المسجد الحرام: عبادة الله حق واجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد أفندي رفعنا العلم يكشف ل "التغيير" أسرار تآمر مبارك على جيش مصر
في ذكرى نصر العاشر من رمضان.. أول من رفع العلم على الضفة الشرقية
نشر في التغيير يوم 29 - 07 - 2012

** يجلس ويتكلم بعفوية وتجرد رجل لا يكترث بكونه أحد صناع التاريخ وملهمي كتاب الدراما وتيمة أساسية على أغلفة الكتب الدراسية .. حرص قبل بدء الحوار الذي أجرته معه " التغيير" بمناسبة ذكرى حرب العاشر من رمضان، على تأكيد أنه يتحدث فقط ليحكي تاريخ مصر كما رآه على أطهر أرض .. أرض المعركة الكبرى في تاريخنا المعاصر .. يقص ما حدث بخشوع وتبتل ويذكر اسم مصر بعشق ويترحم على القادة العظام وشهداء العبور ويذكر زملاء السلاح بانتماء وحنين .. يكره " المخلوع " ويكشف لنا أسرارا تنشر لأول مرة عن تدميره لمصر إنسانيا وعسكريا .. درس أحكام تلاوة القرآن وقام بتدريسها .. هو حدوتة مصرية عنوانها "محمد أفندي رفعنا العلم ".. أول جندي مصري رفع علمنا على الضفة الشرقية لقناة السويس في حرب أكتوبر
ماذا عن حياتك قبل استدعائك لأداء الخدمة العسكرية قبل أيام قليلة من هزيمة يونيو 1967 ؟
* اسمي محمد محمد عبد السلام العباسي ، فلاح ومواطن مصري ، من مدينة القرين بمحافظة الشرقية.. مولود في 21 فبراير 1947 ، قبل تجنيدي في صفوف جيشنا العظيم ، حصلت على الإعدادية ، بعدها عملت في الزراعة مع والدي ، ثم افتتحت محل بقالة ، ومن الله علي وكنت موفقا في ذلك العمل.
ثم استدعيت للتجنيد ...
* تم تجنيدي في أول يونيو 1967 ..و بعد أقل من 4 أيام وقعت نكسة يونيو 1967 .. تم نقلنا في قطار مظلم من الهيكستب إلى منطقة الحلمية بالقاهرة ..كنا خليطا من مصريين متنوعي الفئات والمستويات المادية .. منا المتعلم والأمي .. الموظف والفلاح ..بمجرد تجنيدنا دخلنا في تدريبات شديدة استثنائية بحكم ظروف النكسة ..تدربنا مباشرة على حمل السلاح وضرب النار ..كان التدريب ليل نهار.. وكنت في سلاح المشاة.. ومع بداية 1968 تم نقلنا إلى الجبهة لنكون وجها لوجه مع العدو الصهيوني .. وهي اللحظة التى كنا نتمناها وننتظرها لأننا كنا مأخوذين بالرغبة في الانتقام من الصهاينة ورد كرامة البلد ..فور وصولنا قناة السويس شاهدنا عمليات إنشاء خط بارليف ..وهنا لا بد أن نتذكر قول الله عز وجل عن اليهود " لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ..بأسهم بينهم شديد ..تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى " .. فيما بعد ، بعد الانتصار شاهدنا كيف كانت الدشمة من الدشم المكونة لخط بارليف كالقرية بها مخبأ ومكان للمعيشة وطرقة ووسائل ترفيه .
وقتها كانت قناة السويس مغلقة أمام الملاحة ..وكنا مزودين بأسلحة تقليدية تتمثل في الرشاش الآلي و30 طلقة ..وكانت الأوامر الصادرة تقضي بعدم ضرب النار مهما بلغ استفزاز الصهاينة لنا ..حتى لو رأيناهم يسبحون في القناة .. وكنا نشاهد البلدوزرات الضخمة وهي تبني خط بارليف وكلنا حزن وغضب ومرارة خصوصا ونحن نراهم يستخدمون عربات قطارات السكة الحديد التى كانت تستخدم في الخط المصري الواصل لسيناء في بناء الدشم ..كانوا يرصون تلك العربات ثم يضعون فوقها شكائر الرمل والزلط والطوب ثم يرفعون فوقها العلم الصهيوني .. وكان الجنود الإسرائيليون يحرصون على استفزاز مشاعرنا بالبذاءات والممارسات الفاحشة ..كان الخط الأول من دشم خط بارليف يضم 32 دشمة بين كل واحدة وأخرى من 2 إلى 3 كيلو مترات..ومن أكثر ما كان يؤلمنا في ذلك الوقت أن الصهاينة كانوا يكتبون بالحجارة على السواتر الترابية بين الدشم عبارة " ستظل مصر جثة هامدة " .. وكان الطعام الذي يصرف لنا ضئيلا ..ووقتها كان اقتصاد مصر موجها لخدمة المجهود الحربي وكان ذلك يزيدنا حماسة لاسترداد الكرامة وانتظار حلم العبور ومحو العار..
وماذا عن الأجواء والتفاصيل الإنسانية بين المصريين كما كنتم تشاهدونها عندما كنتم تنزلون إجازات لزيارة الأهل؟
* بصراحة كانت أوقاتا صعبة للغاية .. كنا خارجين من نكسة وكان الواحد منا يحرج ويخجل من المشي وسط الناس بالزي العسكري لأنه كان يمطر بسيل من السخرية والاتهامات بالتسبب في عار الهزيمة..كنا على الجبهة نقف طوابير طويلة للحصول فقط على رغيفين وقليل من الأرز نأكلهم ونحن سائرون ..لكن كل ذلك يتضاءل أمام استفزاز مشاعرنا الذي كان يمارسه الصهاينة على الضفة الأخرى من القناة .. وأذكر أنه ذات ليلة بينما كنت ساهرا في نوبة الحراسة فوجئت بالجندي الصهيوني الواقف قبالتي على الناحية المواجهة من القناة ينادي : يا محمد ..وكانوا يحرصون على النداء بصورة عشوائية مستخدمين الأسماء التى يعلمون بانتشارها بين المصريين خصوصا الأسماء التى لها علاقة بالنبي صلى الله عليه وسلم مثل محمد وأحمد ومحمود ومصطفى وهكذا ..ناداني ذلك الجندي وقال لي : تحب تسمع عبد الحليم حافظ ؟ تحب تسمع أم كلثوم .. والكثير من الاستفزازات الأخرى.
هل هناك عمليات عسكرية تذكرها من التى وقعت بالقرب من موقعك في تلك الفترة؟
*هناك العديد من العمليات البطولية العظيمة التى قام بها ضباطنا وجنودنا الأبطال .. أذكر مثلا أن ضابطا اسمه محمد القصاص اصطحب اثنين من القناصة وصعد بهما فوق مستشفى هيئة قناة السويس ، وقال لهما أنهم بانتظار اصطياد صيد صهيوني ثمين ، وبالفعل انتظروا فوق مبنى المستشفى حتى جاء على الناحية المقابلة ضابط إسرائيلي كبير استهدفه القناصان فأردياه قتيلا ، كان هذا الصيد الثمين هو قائد القطاع الشمالي في جيش العدو الصهيوني ، هذه العملية العظيمة كان لها أثر بالغ في رفع روحنا المعنوية وقد كافأت القيادة كلا من القناصين بمكافأة قدرها 50 جنيها كانت وقتها مبلغا ضخما خاصة وأن راتب المجند وقتها كان 243 قرشا ..بعد هذه العملية نشط القناصة المصريون على طول القناة في استهداف أفراد جيش العدو .
هناك عملية أخرى أذكرها كلفنا فيها بالتسلل للضفة المقابلة واصطياد أسير من جنود العدو ، كانت مجموعتنا المكلفة بالعملية 12 جنديا ، وكان الهدف في المنطقة الواقعة بين " الكاب " و " التينة " في بورسعيد ، بالفعل عبرنا إلى الضفة المقابلة في الساعة 12 ليلا وظللنا متربصين خلف الحجارة حتى الرابعة من عصر اليوم التالي وكل منا يعرف مهمته جيدا ، كان الهدف دورية صهيونية وعندما اقتربت تم التعامل معها واقتحام مدرعاتها ، وأكرمنا الله بتدمير كل مدرعات الدورية وأسر 3 ضباط صهاينة وعدنا حاملين الأسرى سباحة إلى الضفة الأخرى.
من القادة الذين تذكرهم بإكبار وتقدير وكانوا يزورونكم باستمرار في الجبهة ؟
* أذكر بكل التقدير كل قادتنا العظام مثل المشير الجمسي والشهيد الفريق عبد المنعم رياض الذي استشهد في الموقع الذي كنت فيه .
ما هي قصة استشهاده؟
* بعد العملية الناجحة التى قادها الضابط محمد القصاص قرر الصهاينة الانتقام ، بعدها بأيام كان الشهيد يزور الجبهة وكان مقررا أن يزور وحدتي ، علم الصهاينة بموعد الزيارة من القوات الدولية التى كانت موجودة لمراقبة وقف إطلاق النار ، وبالفعل عندما وصل انطلق صاروخ من الجانب المحتل سقط على المكان الموجود به الشهيد الفريق عبد المنعم رياض فاستشهد على الفور ومعه آخرون من الأبطال وأصيب العديد من جنودنا وضباطنا.
متى بدأتم تشعرون أن موعد الحسم قد اقترب وأن حرب التحرير باتت وشيكة ؟
* في سبتمبر 1973 تم تنظيم " مشروع حرب " بالذخيرة الحية شاركت فيه كل الأسلحة ، وكان التدريب على العبور يتم في ترعة الاسماعيلية ، وامتدت عمليات المشروع من منطقة القصاصين إلى أبو صوير حتى وصلنا إلى القنطرة، بعدما رجعنا إلى الوحدة خطب فينا قائد كتيبتنا المقدم ناجي الجندي وقال ضمن الخطبة أن المشروع القادم بإذن الله سيكون حربا حقيقية ، وعندها تعالت صيحاتنا وهتافاتنا وملأ الحماس المكان خاصة وأننا استشعرنا في كلامه أن شيئا ما سيحدث قريبا ، بعدها لم يعد هناك حساب على عدد الطلقات التى نستخدمها في التدريب بل طلب منا أن كل من لديه مشكلة في سلاحه أو قناعه الواقي عليه أن يتقدم لحلها على الفور وبدأوا في إحضار القوراب المطاطية الجديدة للوحدات ، فزاد هذا من شعورنا أن المعركة التى ننتظرها جميعا أصبحت قريبة ، لكن في الوقت نفسه كان تخطة خداع العدو مستمرة ومنها عمليات تقدم ثم انسحاب للقوات على الجبهة ، وإعطاء إجازات للجنود .
ماذا عن يوم 5 أكتوبر ؟
* كان يوم جمعة ، وكنا تعودنا أن يخطب الجمعة شيخ من التوجيه المعنوي عن القتال وكرامة الشهيد وفضله وغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ، في هذا اليوم كانت الخطبة عن غزوة بدر ، وقد تم وضع العلم وصلينا عليه ، وفور انتهاء الصلاة حاول كل منا الحصول عليه لكن قائد الكتيبة المقدم ناجي الجندي احتفظ به .بعد المغرب عقد المقدم ناجي اجتماعا لقادة الفصائل فرضت عليه السرية عرفنا بسببه أن الحرب ستبدأ لأننا علمنا أننا سنفطر في اليوم التالي حيث كنا في شهر رمضان.
وجاء صباح السادس من أكتوبر ...
* بتأثر شديد : كنا سعداء جدا ..استيقظنا وبعد قليل جاءت وجبة الإفطار فأفطرنا ، وتلقى كل منا تعيين يومين ( طعام يومين ) وكان عبارة عن زمزمية ماء ووجبة ليومين..في هذه الأثناء كتبت وصيتي ووضعتها في جيبي وطلبت من زملائي أن يحملوها إلى أسرتي إذا مت أثناء القتال ..وما زلت احتفظ بهذه الوصية حتى الآن ..وقد كنت متزوجا ولدي أبناء من قبل أن يتم تجنيدي..
قبل العبور بقليل كنا قد بلغنا ذروة الحماس والشوق للمعركة لدرجة جعلتنا نظن أن عقارب الساعة لا تتحرك ..وفي الموعد المحدد بدأ قصف المدفعية لخمس دقائق ، ثم عبر الطيران على ارتفاع منخفض ..هنا رأيت بعيني السحب على صفحة السماء تكتب " الله أكبر " وأخذنا ننادي بعضنا بفرحة لنشاهد هذه الآية الربانية ، ثم حملنا القوارب المطاطية وعبرنا القناة وسط أصوات التكبير ، وكنا مستعدين للشهادة لأن القادة أخبرونا أن أول دفعتين ستعبران ستستشهدان تمهيدا للدفعة الثالثة التى ستقوم بالسيطرة على الجبهة .كانت خطة الهجوم أن تقوم وحدات المهندسين بفتح الثغرات في الساتر الترابي تمهيدا لاقتحام خط بارليف ، وهنا أذكر أننا كنا أثناء التدريب نتدرب على التعامل مع الموقف في حال لم يتمكن المهندسون من إتمام مهمتهم لأي سبب طارىء ، فقد كانت التعليمات تقضي بأن تقوم مجموعة منا بعملية استشهادية وتقفز بأجسادها على حقول الألغام المحيطة بالدشم لتفجيرها بمايعني أنها ستموت ، وأن تفرش بأجسادها طريقا فوق الألغام يعبر عليه باقي الجنود .
وما قصة قيامك برفع أول علم مصري على الضفة الشرقية لقناة السويس؟
* عندما عبرنا كان علينا أن ننتظر حتى تقوم وحدات المهندسين بفتح ثغرات في الساتر الترابي وبين الدشم وتدمر حقول الألغام حتى نتمكن من أداء مهمة الاقتحام ، وكانت مجموعتي مكونة من 120 فردا يقودها المقدم ناجي الجندي ، وبالمناسبة فإنه أثناء المعركة لا ننادي بعضنا بالرتب وإنما بالأسماء المجردة ، وحدث في تلك الأثناء أن أخطأ أحد الجنود فألقى قنبلة دفاعية على الدشمة التى كنا سنقتحمها بدلا من أن يلقي قنبلة هجومية ، والفرق بين الاثنتين هو أن القنبلة الهجومية تنفجر بمجرد ملامسة الأرض بينما الدفاعية تنفجر بعد توقيت محدد ، لذا فقد تدحرجت القنبلة التى ألقاها زميلي حتى عادت لنا فأيقنا جميعا بأننا سنستشهد ، لكن ما حدث هو أنني قمت بسرعة بالقفز فوق الأسلاك الشائكة مستخدما السونكي في تدمير الألغام ، وكنت أضع قدمي في الموضع الذي يخلو من الألغام حتى صنعت طريقا لزملائي فأمرهم الضابط بالسير ورائي ، حدث ذلك قبل أن تكون الثغرة المطلوبة لعبورنا لداخل الدشمة قد فتحت ، وبعد قليل كنت أقف على قمة الدشمة ، وسيطرنا عليها في دقائق معدودة مما جعل فرحتنا غامرة ، وتبادلنا التهاني على النجاح في المهمة ، وعندما قلت للمقدم قائد المجموعة " مبروك يا ناجي " قال لي " مبروك يا عباسي " ثم ناولني العلم فقمت بإنزال العلم الصهيوني ودسته بقدمي ومزقته ورفعت علم مصر وسط تكبير زملائي وهتافهم وكنا لا نكاد نصدق ما حدث ، بعدها قمنا بتطويق الدشمة لقتل كل من يخرج منها من جنود العدو. .
أنت شاهد على قدرة الإنسان المصري على صناعة المعجزات في وقت يمثل مفاجأة للجميع .. كيف نظرت إلى ثورة الخامس والعشرين من يناير ؟ وهل ترى أن هناك تشابها بين الروح التى سادت بين المتظاهرين في ميدان التحرير ، والروح التى سادت بين المقاتلين في حرب أكتوبر؟
*طبعا ..ثوار يناير صنعوا معجزة لا تقل عن الحرب بل ربما تفوقها ..فأثناء الاستعداد لحرب اكتوبر كانت البلد كلها موحدة خلف هدف استرداد الكرامة وتحرير الأرض ، وكانت كل طاقات الدولة موجهة لذلك الهدف ، كما أن العدو كان واضحا وخارجيا ..لكن في حالة الثورة فقد قام بها المتظاهرون ضد نظام يمتلك آلة أمنية ضخمة سخرها ضدهم وهم عزل من السلاح لا يملكون إلا الهتاف .. كما أن أجهزة الدولة بما فيها الإعلام كانت مسخرة لتشويه الثورة ..ثورة يناير مفخرة لمصر كلها حررتها من رئيس خائن وقيادة خانت البلد ودمرتها وأهانت المواطن ..وأنا أؤمن أن وجود مبارك خلف القفص في المحكمة هو آية من آيات الله تعالى تماما مثلما حدث مع فرعون حيث يقول القرآن الكريم " اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية "..كيف يعقل أن خيرات مصر كانت مجتمعة في يد بضعة أشخاص هم المقربون من مبارك؟ وقد بلغ به الأمر أن كان يحض الناس على عدم الإنجاب كلما طالبوه في المؤتمرات ب"المنحة " أو زيادة الرواتب حيث كان يقول لهم دائما " أجيب لكم منين " وكأنه هو الذي يرزقهم ؟.
كجندي عرفت معنى البطولة والشرف والتضحية ..كيف كنت تنظر لحكم الرئيس المخلوع مبارك؟
* كنت غاضبا وساخطا على الأوضاع كغيري من المصريين..مبارك كان يحكم بغطرسة ولم يكن يقدر أحدا ..كما كان حريصا على القضاء على روح أكتوبر ..كان يحكم البلد بجيش من المخبرين ورجال الأمن والبلطجية .. وأذكر هنا أمرا هاما حدث مع بدايات عصر مبارك ، فبعد إحدى زياراته لأمريكا قام بتسريح عدد ضخم من ضباط الصف بالجيش المصري ..وهو قرار غريب لا تفسير له إلا أنه كان يهدف للقضاء على أحد مرتكزات القوة العسكرية المصرية ..
لا حظت أنك عندما تستشهد بآيات من القرآن الكريم تقرأها سليمة منضبطة بأحكام التلاوة ..هل درست التجويد ؟
* قبل دخولي الجيش كنت حريصا على قراءة القرآن لكني كنت أقرأوه بصورة عادية لكن بعد انتهائي من الخدمة العسكرية توجهت إلى أحد المشايخ الكرام وتعلمت أحكام التلاوة على يديه وأكرمني الله تعالى وحفظت القرآن كاملا ..وقد تعودت على تلاوة جزء من الكتاب الكريم بصورة يومية عقب صلاة الفجر وكنت لفترة أقوم بتدريس أحكام التجويد في حلقة بالمسجد لكن بعد إصابتي ببعض المتاعب الصحية صرت أقرأ الجزء في المنزل بعد عودتي من صلاة الفجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.