عقد من الزمن، استغرقه الانقسام الفلسطينى الفلسطينى، وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه الفترة تبدو ضئيلة، إذا ما قورنت بعمر القضية الفلسطينية، الذى تجاوز المائة عام، إذا ما أخذنا فى الاعتبار بدء حركة الاستيطان اليهودى فى فلسطين فى نهاية القرن التاسع عشر وبعد مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897، هذا المنظور الذى يقلل من أهمية فترة الانقسام ربما يرتكز فى الوعى أو اللا وعى على القاعدة شبه الراسخة فى وعى وضمير الكثيرين من أعضاء النخب الفلسطينية والعربية من كل التيارات، ألا وهى أن الزمن عموما لصالح القضية الفلسطينية، نظرا لعدالتها وطبيعتها الأخلاقية والحقوق التى رافقتها، ويستند هذا المنظور إلى بعض الوقائع التاريخية خاصة احتلال الصليبيين لبيت المقدس الذى طال أمده ولكنه انتهى إلى زوال. يتجاهل هذا المنظور جانبين على درجة كبيرة من الأهمية، أولهما أن الزمن فى حد ذاته مفهوم مجرد لا ينحاز إلى طرف دون آخر، فقط الإرادة والقوة والاستعداد والتخطيط هى من يرجح كفة الزمن لصالح طرف دون آخر، أما الركون إلى الزمن والعدالة والحق البين والاكتفاء بذلك فلا يفعل سوى ترسيخ الأمر الواقع وازدياد صعوبات تغييره، أما الجانب الثانى فإن عقد الانقسام خلق مسالك وقنوات جديدة لاستنفاد طاقة النضال الفلسطينى وحرفها عن اتجاهها الأصيل ضد المستعمر الإسرائيلى ومن أجل الهدف الأسمى والأعلى ألا وهو التحرير والدولة والكرامة. مثل إعلان حماس من القاهرة بحل اللجنة الإدارية التى تدير قطاع غزة وقبولها قدوم حكومة الوفاق الوطنى لتسلم مهامها فى القطاع، نقلة نوعية فى طريق إنهاء الانقسام والخروج من ذلك النفق المظلم الذى دخلت فيه القضية الفلسطينية، واستجابة لنداء الشعب الفلسطينى عندما رفع شعار «الشعب يريد إنهاء الانقسام» منذ عدة سنوات على غرار شعارات الانتفاضات العربية، من المؤكد أن هذه الخطوة جاءت متأخرة ولكن أن تأتى متأخرة، خير من ألا تأتى أبدا كما تقول الحكمة المعروفة. جهود مصر فى الوصول إلى هذه النقطة واضحة للعيان، حيث وضعت القاهرة نصب أعينها مهمة إنهاء الانقسام وجسر الهوة بين الفريقين الفلسطينيين، وأن إنجاز هذه المهمة هو حجر الزاوية فى اتجاه استئناف عملية السلام وفق مرجعياتها الدولية، حرصت مصر خلال العامين الماضيين على التواصل والحوار مع كل الأطراف مثقفين وإعلاميين ورجال أعمال فلسطينيين من غزة ومن خارجها بهدف تمهيد الأرض للانطلاق نحو المصالحة. وعزز من ذلك اكتشاف حماس لطبيعة الدور المصرى ورد الاعتبار لهذا الدور، لأن الأطراف الإقليمية الأخرى سواء تعلق الأمر بقطر أو بإيران أو بتركيا، لا تعدو القضية الفلسطينية فى نظرها بالرغم من الشعارات البراقة أن تكون مجرد ورقة لتعزيز النفوذ الإقليمى والاستحواذ على القبول العربى والشعبى، ومن ثم فهذه الأدوار المرتبطة بهذه الأطراف أدوار تكتيكية وبراجماتية ونفعية، بعكس الدور المصرى المرتكز على المبادئ والأخلاق والتقدير السليم لآمال وتطلعات الشعب الفلسطينى، فالقضية الفلسطينية بالنسبة لمصر هى قضية ترتبط بالأمن القومى والجغرافيا والتاريخ وفى صلب التوجهات المصرية الخارجية، كما أنها -أى هذه القضية - ليست مجرد ورقة تفاوضية أو تكتيكية بل تمثل توجها استراتيجيا وتاريخيا لا يمكن التخلى عنه فى كل الظروف حتى ولو كانت صعبة. بيد أن إعلان القاهرة لا يعدو أن يكون أول نقطة فى طريق طويل لإنهاء الانقسام، حيث لا يكفى الإعلان بل ينبغى أن يترجم إلى مواقف عملية تتميز بالحكمة والقدرة على استيعاب الدروس التاريخية والنظرة المستقبلية للمصلحة الوطنية الفلسطينية العليا فى التحرير والدولة. الاتفاقيات التى عقدت بين الطرفين عديدة، ولكنها جميعا تضمنت ملامح الطريق الذى ينبغى أن تسلكه جميع الأطراف لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإعادة اللحمة الوطنية إلى طبيعتها وفاعليتها الأولى ولكنها توقفت ولم تتحول إلى مواقف عملية ملموسة. ولا شك أن القدرة على تحقيق الأهداف والشعارات المضمونة يتطلب روحية جديدة وبناءة وتقليص الروح الإيديولوجية التى تغلف المواقف وتغليب الانتماء الوطنى وتعبر عن المعاناة اليومية فى ظل الاحتلال للشعب الفلسطينى بكل فئاته. عديدة هى المشكلات التى تعترض طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية ولكنها على أهميتها لا تستعصى على الحل إذا ما توافرت النوايا الحسنة والصادقة واستعداد جميع الأطراف لتحمل مسئولياتها التاريخية فى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ القضية الفلسطينية. ففى مقدمة هذه المشكلات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والاتفاق على برنامج عملها، وهل هذا البرنامج سوف يكون برنامج منظمة التحرير الفلسطينية أو ينبغى تعديله وهى نقطة حاسمة، لأن الضغوط الإسرائيلية طوال الفترة الماضية وصعود اليمين القومى والمتطرف والدينى فى إسرائيل جعل حصيلة كل الخيارات الفلسطينية سواء المفاوضات أو المقاومة صفرا ودفع الشعب الفلسطينى ثمن تعثر هذه الخيارات والسؤال الآن ما العمل؟ ومن بين الإجابات الممكنة لهذا السؤال ربما يكون إعادة هيكلة المشروع الوطنى الفلسطينى وتشكيل المؤسسات ووضع استراتيجية عمل جديدة تتحدد ملامحها على ضوء الدراسة المستفيضة للواقع الفلسطينى والظروف الإقليمية والدولة والمتغيرات والمعطيات الجديدة والمهم فى ذلك أن تكون هذه الاستراتيجية موضع إجماع وطنى من كل الفصائل الفاعلة فى المشهد الفلسطينى والاتفاق حول أهدافها ووسائلها وغاياتها بحيث تكون شاملة توجه كل الفاعليات الفلسطينية. فى ذات السياق فإن مشكلة توحيد الأجهزة الأمنية فى إطار منظومة أمنية متكاملة فى الضفة الغربيةوغزة تبدو على درجة كبيرة من الأهمية للانقسام، كذلك دمج الموظفين الذين قامت سلطة حماس بتعيينهم وعددهم يقارب الأربعين ألفا فى إطار القانون والنظام المعمول به فى الضفة الغربية يعتبر مشكلة ولكن من الممكن حلها فى إطار القانون والمعايير المتفق عليها. باختصار فإن الطريق إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية لا يزال طويلا ولكنه مفتوح للسير فيه بجهود كل الأطراف الفلسطينية والجهود المصرية. لمزيد من مقالات د. عبد العليم محمد;