النجاح الأساسى لمؤتمر إعمار غزة أكبر من مبلغ ال5.4 مليار دولار التى وعدت الدول المجتمعة بها، والتى نرجو أن تلتزم بسدادها. النجاح الأساسى هو سيادة الرؤية التى عرضها فى بداية المؤتمر رئيسان، السيسى وأبو مازن، من أن القضية ليست أن يجتمع العالم كل سنتين لكى يبحث فى إعمار ما دمَّرته إسرائيل، ثم تستمر الحال على ما هى عليه انتظارًا لعدوان جديد، وإعمار مطلوب!! وإنما القضية هى احتلال إسرائيلى لا بد أن يرحل، وشعب فلسطينى لا بد أن تعود له حقوقه وأن يقيم دولته، وشرعية دولية ما زالت عاجزة عن إنهاء هذه الجريمة ضد الإنسانية حتى الآن. فى السنوات الأخيرة كانت القضية الفلسطينية قد شهدت تراجعًا، بسبب الانقسام الفلسطينى المدمّر والانفصال بين غزة تحت حكم «حماس» والضفة تحت حكم السلطة الفلسطينية، وبسبب الضعف العربى منذ تدمير العراق، وصولًا إلى هجمة الإرهاب ومخططات بالتقسيم ومحاولات إجهاض الثورات العربية أو حصارها، وإغراق المنطقة فى حروب الطوائف والصراعات المذهبية. وسوف يذكر التاريخ أن ما قام به شعب مصر فى 30 يونيو، لم يكن فقط إنقاذًا لمصر من حكم فاشى متخلّف، وإنما كان أيضًا إجهاضًا لمخطط تركيع العالم العربى وتصفية القضية الفلسطينية وفقًا للتصوُّر الإسرائيلى - الأمريكى الذى قام عليه التحالف مع الإخوان، والذى كان يعتمد على خلق إمارة غزة مع ضم شريط من سيناء إليها، ثم التوسع فى الضفة مع إدخال ما تبقَّى منها فى اتحاد مع الأردن.. لتصبح «فلسطين» مجرد ذكرى فى التاريخ!! أيضًا كان 30 يونيو موعدًا مع استعادة مصر لقرارها المستقل من ناحية، ومع عودتها لدورها العربى والإقليمى من ناحية أخرى. وبهذا استطاعت أن توقف العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة، وأن تؤكّد رؤيتها أن وقف العدوان ينبغى أن لا يكون نهاية الطريق، بل أن يكون مدخلًا للحل الذى لا حل سواه: إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. وفى الطريق إلى مؤتمر إعمار غزة كانت هناك خطوتان مهمتان: الأولى إعلان السويد عزمها على الاعتراف بدولة فلسطين، ووضع الأمر نفسه على طاولة البحث لدى حكومتى بريطانيا وفرنسا. وهى إشارة مهمة إلى أن العالم بدأ يدرك خطورة السير وراء السياسة الأمريكية فى الانحياز لإسرائيل، وبدأ يفهم أنه لن يكون هناك استقرار فى المنطقة دون حل عادل للقضية الفلسطينية، وأن إسرائيل وممارساتها النازية واحتلالها المرفوض.. لا يستدعى فقط المقاومة الشرعية، ولكنه يستدعى أيضًا مَن يتخذ فلسطين شعارًا للاستبداد أو للإرهاب.. كما رأينا من أنظمة رفعت شعار تحرير فلسطين لتحكم شعوبها بالحديد والنار، وكما نرى الآن مَن يدعمون أنهم ذاهبون لإنقاذ القدس، فإذا بهم لا يفعلون إلا أنهم يذبحون العرب ويتحالفون مع الصهاينة لتدمير بلادنا، ويعيثون فى الأرض العربية والإسلامية فسادًا.. وسيناء حتى ليبيا، ومن العراق وسوريا حتى صنعاء.. دون أن يقدموا لنا إجابة واحدة على سؤال يقول: لماذا لم تقدم «القاعدة» ولا «داعش» على مس إسرائيلى واحد حتى الآن؟ ولماذا توجّه عصابة مثل «أنصار بيت المقدس» رصاصاتها نحو أبناء مصر الذين قدموا لفلسطينوالقدس أكثر من مئة ألف شهيد حتى الآن؟! الخطوة الثانية المهمة فى الطريق لمؤتمر إعمار غزة، كانت تحقيق المصالحة الفلسطينية واستقبال غزة لحكومة الوفاق الوطنى وهى تعقد اجتماعها الأول هناك والمعنى رمزى حتى الآن، ولكننا نثق فى أن الجميع يدرك حجم التحديات، وأن تجربة السنوات العجاف بالنسبة إلى الفلسطينيين كافية لتقنع الكل بأن لا دولة ولا استقلال ولا تقدم إلا بالوحدة الوطنية، وأن الثمن الذى دفعه الشعب الفلسطينى فى لعبة الانقسام كان فادحًا، وأن وضع القضية الفلسطينية رهينة الصراعات الإقليمية أو محاولات الصغار لكى يلعبوا أدوارًا مشبوهة كان كارثة حقيقية آن لها أن تنتهى. أهم ما فى «مؤتمر إعمار غزة» أنه لم يكن فقط لإعمار غزة، بل كان لاستعادة الوعى بأن القضية هى فلسطين، والطريق هو إنهاء الاحتلال، وأن العالم قد عاد لمصر لأن مصر قد عادت لنفسها.. ولدورها الذى لا بديل عنه مهما كانت التحديات.