الإخوة المواطنون .. "أتحدث إليكم فى بداية عام هجرى وميلادى جديد .. أتوجه إليكم جميعاً بتهنئتى وتمنياتى، أتوجه بها للمصريين والمصريات على امتداد محافظات الوطن ولأبناء مصر المغتربين فى الخارج وعائلاتهم". نقبل على العام الجديد متطلعين لأن يكون عام خير على مصر وشعبها، نستقبله وأمامنا تحديات جديدة تطرحها أزمة الاقتصاد العالمى الراهنة واثقين فى قدرتنا على تجاوزها كما تجاوزنا تحديات عديدة من قبل. نستقبله وإخوتنا فى غزة يتعرضون لعدوان إسرائيلى غاشم يمنحه المتاجرون بالدم الفلسطينى الحجج والذرائع ويتحمل آلامه ومعاناته أبناء فلسطين. نستقبله مدركين ما تواجهه الساحة الفلسطينية من تشرذم وانقسامات، وما تشهده المنطقة العربية من مزايدات ومحاور ومحاولات للعب الأدوار وبسط النفوذ. نقول لإسرائيل إن اعتداءاتها مرفوضة ومدانة، ولابد أن تتوقف على الفور .. نقول لقادتها إنكم تتحملون مسئولية عدوانكم الوحشى فى حق الفلسطينيين، أياً كان ما تتذرعون به من مبررات .. ونقول لهم إن أيديكم الملطخة بالدماء تؤجج مشاعر غضب عارم وتبدد الأمل فى السلام. نقول للأخوة الفلسطينيين "وحدوا صفوفكم وانبذوا خلافاتكم"، نقول لهم "لقد حذرناكم مراراً من أن رفض التهدئة سيدفع إسرائيل للعدوان على غزة" .. وأكدنا لكم أن إعاقة الجهد المصرى لتمديد التهدئة هى دعوة مفتوحة لإسرائيل لهذا العدوان. نقول لكل من يسعى لتحقيق مكاسب سياسية على حساب شعب فلسطين، "إن الدم الفلسطينى ليس رخيصاً أو مستباحاً" .. نقول بصوت قوى واضح إن مصر تترفع عن الصغائر ولن تسمح لأحد بمحاولة تحقيق مصالحه وبسط نفوذه على حسابها بالمزايدة عليها والمتاجرة بدماء الفلسطينيين، ونقول للجميع إن "مواقفنا الداعمة للقضية الفلسطينية لا تقبل التشكيك والمهاترات". لقد بذلت مصر جهوداً مضنية على مدار الستة أشهر الماضية لتثبيت التهدئة فى غزة وسعت، دون كلل، لتمديدها ولتحقيق الوفاق الوطنى الفلسطينى، كما تتابعت قوافل المساعدات المصرية بالغذاء والدواء لأهالى القطاع وتواصلت إمدادات الكهرباء إليهم. كان موقفنا واضحاً منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى، بعيداً عن الخطب والشعارات، ونمضى فى تحرك يسعى لوقف العدوان فوراً دون قيد أو شرط، يضع إسرائيل أمام مسئوليتها القانونية والسياسية كقوة احتلال ويقف إلى جانب الفلسطينيين فى محنتهم. لقد قامت مصر منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية بدفع المزيد من مساعدات الإغاثة إلى غزة، وسنواصل ذلك، كما أننى أصدرت التعليمات بفتح معبر رفح أمام الجرحى ضحايا العدوان الإسرائيلى واستقبالهم بمستشفيات سيناء والإسماعيلية والقاهرة وإحاطتهم بأقصى قدر من الرعاية. إن رؤية مصر لاحتواء الوضع الخطر الراهن تستهدف وقف العدوان الإسرائيلى بما يتيح العودة للتهدئة، حقناً لدماء الشعب الفلسطينى، وإعادة فتح المعابر تخفيفاً لمعاناته، سوف تطرح مصر هذه الرؤية خلال الاجتماع المقبل للمجلس الوزارى للجامعة العربية، وسنواصل تحركنا بدور فاعل ونشط مع الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى ومع أشقائنا العرب وشركائنا الدوليين من أجل تحقيقها. تأتى هذه الرؤية فى سياق رؤية مصرية أشمل للقضية الفلسطينية، رؤية ترفض مخطط إسرائيل للفصل بين الضفة والقطاع والتنصل من مسئوليتها عن غزة وتحميل مصر بتبعاتها، إن هذا المخطط يستدعى إلى الذاكرة الترويج منذ الثمانينات لمقولة (غزة أولاً) بالنسبة للقطاع و(الخيار الأردنى) فيما يتصل بالضفة الغربية، إن مصر لن تقع فى هذا الفخ الإسرائيلى، ولن تشارك فى تكريس هذا الفصل بين الضفة والقطاع، فهما بالنسبة لنا أراض محتلة تقوم عليها الدولة الفلسطينية المستقلة. كما أن الوضع القائم فى غزة منذ صيف العام الماضى يشهد انقساما فلسطينيا بين السلطة الوطنية وحماس، يفتح الباب أمام إسرائيل للمضى فى مخططها لفصل الضفة والقطاع، ونحن فى مصر لن نساهم فى تكريس هذا الانقسام وهذا الانفصال بفتح معبر رفح فى غياب السلطة ومراقبى الاتحاد الأوروبى وبالمخالفة لاتفاق عام 2005، وبرغم ذلك فقد بادرت مصر، ولا تزال، بفتح المعبر أمام الحالات الإنسانية كما بذلت، ولا تزال، جهوداً متواصلة مع إسرائيل لفتح باقى المعابر الستة من وإلى القطاع. إن الوضع القائم فى غزة يحمل فى طياته مخاطر عديدة وحقائق غائبة تلقى بتداعياتها على الشعب الفلسطينى وقضيته، وأقول بكل الصدق والاقتناع أن الحق فى مقاومة الاحتلال حق ثابت ومشروع، ولكن المقاومة تبقى مسئولة أمام شعوبها تحكم لها أو عليها بقدر ما تحققه من مكاسب لقضاياها أو تجلبه من خراب ودمار وإهدار لأرواح الشهداء. ستواصل مصر وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطينى بصدق وتجرد، تعلى مصالحه فوق مصالح الفصائل، تعى أن قضيته هى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وتبذل أقصى الجهد لإنهاء معاناته وتحقيق تطلعاته المشروعة. الإخوة المواطنون: تستقبل مصر العام الجديد بمجتمع قوى متماسك بمسلميه وأقباطه، بفلاحيه وعماله، بمفكريه ومثقفيه، وطبقته الوسطى ورجال أعماله، وشبابه وشاباته. نستقبل العام الجديد موقنين بالله واثقين فى أنفسنا مقتنعين أننا على الطريق الصحيح مدركين ما نواجهه من صعاب وتحديات لا نفرط فى التزامنا تجاه شعب فلسطين وقضيته، نقول لقادة إسرائيل أوقفوا عدوانكم على هذا الشعب كفاكم استخفافاً بمقدراته وأرواح أبنائه، إن الاحتلال مصيره إلى زوال والقضية الفلسطينية أبدا لن تموت، ستظل مصر فخراً لأبنائها وسنداً لأمتها، ندافع عن أرضها وسيادتها، نحمى أمنها القومى ولا ننجرف لما يهدده، نضع مصالحها وقضاياها فوق أى اعتبار، نمضى فى طريقنا بعزم ويقين، ننشد الخير لبلدنا وشعبنا، والسلام لمنطقتنا وللعالم، ونستقبل العام الجديد بثقة وأمل. وكل عام وأنتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.