خيط رفيع يربط أجزاء الصور العديدة فى مجتمعنا ليضع لها عنوانا واحدا هو غياب فقه الأولويات لدى مختلف طبقات المجتمع وتصنيفاته ، ولعلى لا أبالغ ّاذا قلت إن المصرى إذا وقف أمام المرآة وواجه نفسه بشجاعة واعترف أنه يعيش فوضى عدم فهم احتياجاته الأساسية وأولوياته وماذا يريد من دينه ودنياه سيتغير وجه الحياة على أرضنا الطيبة. فقه الأولويات أو فقه الموازنات هو مصطلح إسلامى حديث يعرف بفقه مراتب الأعمال حيث يفاضل بين الأعمال من حيث أيها أولى بالتقديم على غيرها ووضع كل شىء فى مرتبته فلا يؤخر ما يستحق التقديم والعكس صحيح والأمثلة من القرآن والسنة لا حصر لها على فقه الأولويات للمسلم فى دينه ودنياه، منها ما قال الله تعالى «أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد فى سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدى القوم الظالمين». العمل على إصلاح المجتمع ونفعه أولى من العمل المقصور نفعه على صاحبه فقط فمابالنا إذا طبقنا هذا الفقه على حياتنا ومجتمعنا الذى أقل ما يوصف به الآن هو «الخبطة كيانه». إذا ذكرت مظاهر هذه اللخبطة فسوف يجف المداد قبل سرد آخرها, ولكنى سأكتفى بذكر بعض الأمثلة ففى فقه الأزمة السكانية التى تعانيها مصر تضيع بعض التفاصيل المهمة التى إن بحثناها ودرسناها استطعنا الوصول لترتيب أوراقنا وأولوياتنا لحلها وإن كنت أرى شخصيا أنها ليست نقمة بقدر ما هى نعمة إن أحسناَ شكرها، ومع ذلك فعلينا بعد سنوات طويلة من حملات تنظيم النسل أن نقف أمام نقطة مفصلية فمن عليه بالضبط أن ينظم نسله هل كل طبقات المجتمع ام محدودو الدخل ومعدوموه فقط ونترك من يستطيع الصرف والتربية والتعليم الجيد وتحمل النفقات أن ينجب العدد الذى يريد ليعود التوازن الطبقى للمجتمع المصرى؟ سؤال يحتاج إلى إجابة وبحث وتدقيق لنصل لفقه الأولوية قبل وضع البرامج والخطط لخفض النسل. نويت صلاة الجمعة والاستماع إلى خطيبها ونحن على طريق السفر أنا وزوجى من الإسكندرية إلى القاهرة فتحكم التوقيت فى اختيار المكان فكان هناك مسجد على أطراف مدينة النوبارية توسمت أن أجد فيه مصلى للسيدات ودخلت فإذا بى داخل غرفة ليس لها سقف مجرد حوائط تخرج منها رائحة الرطوبة وسجاد فوقه كومة من القمامة من كل لون وصنف وذباب ونمل وأشياء أخرى غريبة ،كنت قد منيت نفسى بسماع خطبة تجلى ما ران على النفس خلال أسبوع، فجثم على قلبى ما رأيته وشممته فصليت على عجل وخرجت مسرعة وإذا بخطيب الجمعة قد غاب عن خطبته فقه الموازنات وشرد بفقهه عن أولويات ما كان يجب أن تتسرب من بين يديه، فهو يخطب فى الناس عن علم الجينوم والعلماء الأجانب الذين أسلموا من قراءة آيات العلم فى القرآن الكريم واستفاض فى شرح النظريات العلمية الحديثة التى تحدث عنها القرآن من قرن ونصف القرن هذا وسط جمهور تحيطه القذارة من كل جانب. ملايين الفقراء فى مصر ينفقون الملايين على مكالمات المحمول ثم تراهم يشكون غلاء المعيشة، وكثير من الأمهات الشابات الفقيرات لديهن إصرار على إلباس أطفالهن الحفاضات رغم ارتفاع سعرها وتشكو من ارتفاع ثمن علبة اللبن وفى المقابل لديها استعداد بالتضحية بعلبة اللبن ولا يمكنها التضحية بالحفاضة لأنها كسولة لاتريد أن تتعب فى غسيل الحفاضات القماش الذى تربى معظم جيلنا وهو يلبسها. هكذا الأمثلة على ضياع الخطوة الأولى من طريقنا والتى ستؤدى إلى الخطوة العشرين فى نجاحنا ألا يكون هناك فاقد أو عادم أو َضائع فى أى شىء وكل شىء. لن تهب رياح التغيير على مجتمعنا إلا إذا بحث كل فرد فينا عن أولوياته فى الحياة. لمزيد من مقالات سهيلة نظمى;