وكأنه أهم حدث جرى في تاريخ مصر، أسهبت وسائل إعلام أجنبية مرموقة في استعراض مضمون التقرير الأخير «المشوه» الصادر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش» حول مزاعم التعذيب في السجون المصرية! حيث أفردت وكالتا «رويترز» و»أسوشييتدبرس» للأنباء وشبكة سي.إن.إن الإخبارية الأمريكية وهيئة الإذاعة البريطانية «بي.بي.سي.» تفاصيل هذا التقرير، وأفرطت في عرض ما جاء به من اتهامات ضد القيادة الساسية في مصر بدعوى تأييدها هذه الممارسات، كما تجاهلت بصورة واضحة منح المسئولين المصريين الفرصة الكاملة للرد على مزاعم المنظمة. وظهر واضحا من خلال استعراض وسائل الإعلام الأجنبية، خاصة الوسائل الأربع المشار إليها، لتقرير هيومان رايتس ووتش وجود تعمد وإصرار على عرض وجهة نظر واحدة فقط، على عكس المبادئ المهنية التي اعتادتها هذه المؤسسات الإعلامية والتي تتبعها بالفعل عند تناولها كثيرا من التقارير والاتهامات المماثلة لأي دولة أخرى، كتركيا مثلا أو قطر. وأفردت هذه الوسائل الإعلامية مساحات وسطورا واسعة، بل وهائلة، لسرد تفاصيل التقرير، والمعلومات المغلوطة التي تدعمه، واكتفت بسطر في نهاية كل تقرير يقول على مضض إن الحكومة المصرية من جانبها تنفي هذه الاتهامات! ومن ذلك ما ذكرته «رويترز» في تقريرها يوم 8 سبتمبر 2017 بعنوان «مصر تحجب الموقع الإلكتروني لمنظمة هيومان رايتس ووتش وسط حصار إعلامي واسع النطاق»، حيث نقلت عن جو ستورك مدير شئون الشرق الأوسط في المنظمة قوله «تصر السلطات المصرية على أن أي حوادث تعذيب هي جرائم منعزلة يقوم بها ضباط سيئون يتصرفون من تلقاء أنفسهم، إلا أن تقرير هيومان رايتس ووتش يثبت عكس ذلك»، وكأن «رويترز» تصر على تثبيت وجهة النظر الأحادية فقط، دون أن تمنح الطرف الآخر ولو حتى حق النفي، ولكنها تعطي الفرصة أكثر لنفي النفي، فأي حيادية وأي موضوعية هذه؟! والأسوأ من ذلك، وفي إطار حرص هذه الوسائل الإعلامية على عدم إعطاء أي فرصة مصرية للرد على ما جاء في التقرير، وتجاهل كل ما عرضته الحكومة المصرية من ردود أو بيانات أو تفنيدات في هذا الصدد، نقلت «سي.إن.إن» عن حافظ أبو سعدة عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان قوله في تقرير بثته يوم 8 سبتمبر 2017 إنه ينتقد رد الخارجية المصرية على التقرير ويرفض الغضب الرسمي المصري إزاءه! أما «بي.بي.سي»، فقد استخدمت أسلوب الاستمالات العاطفية في عرض تقرير هيومان رايتس ووتش عن مصر، عبر شرح كثير من التفاصيل المؤلمة والبشعة التي وردت على لسان بعض المستجوبين في التقرير، بغض النظر عن صحتها من عدمها. ومعروف أن «بي.بي.سي.» بالذات تسخر تغطيتها عن الشأن المصري لكل ما هو ضد الدول المصرية، بدليل حوارها مع حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق الذي تضمن عبارات غير موفقة تماما، وكأن صباحي هو الوحيد على الساحة السياسية المصرية، وبدليل عرضها أيضا مقالا لإعلامي من دولة عربية شقيقة يوم 7 سبتمبر يعتبر فيه أن الدفاع عما يجري في مصر سقوط، زاعما أن قطر لا تمول هيومان رايتس ووتش، دون أن تعطينا بي.بي.سي. أي مبرر لإصرارها على عدم عرض أي وجهة نظر أخرى غير الآراء والمواقف الشديدة العداء للدولة المصرية، وكأنها تقدم للعالم كله درسا في إعلام الاتجاه الواحد! ومن الأمثلة التي تسير في الاتجاه نفسه ما بثته وكالة أسوشييتدبرس يوم 9 سبتمبر 2017 بعنوان «منظمة مراسلون بلا حدود: مصر تمارس سيطرة متزايدة على وسائل الإعلام المحلية»، عن هيمنة مسئولي الدولة ورجال الأعمال المرتبطين بالحكومة على وسائل الإعلام الخاصة، وأشارت إلى مؤسسات إعلامية مصرية بارزة بالاسم، وصفتها بأنها مؤيدة للحكومة، أو تؤيد موقف الدولة، ولا تقدم وجهة نظر المعارضة، وكأن الإعلام المهني القويم هو معاداة الدولة وعرض وجهات نظر المعارضة، علما بأن مفهوم أسوشييتدبرس عن «المعارضة» مختلف عن مفهومنا نحن عنها! .. قليل من الحيادية والموضوعية والنزاهة يا دعاة المهنية!