يُعدُّ الحديث عن الإرهاب فى الوقت الراهن من أهم القضايا المطروحة على السَّاحات العربية، وهو فى بعض الدول يتقدم على التنمية أحيانا، الأمر الذى يشى بسيطرة شبه تامة للفرق والجماعات التى تسعى جاهدة إلى تعميم الخوف بشموليته لكل مجالات الحياة بهدف الوصول إلى حالٍ من الفوضى تحُول دون مواصلة الدولة ومؤسساتها أدوارها، منها بوجه خاص توفير الأمن والاستقرار، غير أن ذلك هو الظاهر، إنما الحقيقة مختلفة عن ذلك تماما، فمع أنه لا يمكن أن ننكر اتّساع دائرة الخوف داخل المجتمعات العربية، وهى نتيجة حتميّة ومنطقيَّة لما يحدث، لكن أيضا وهذا الأهم أن هناك وعياً غير مسبوق بالدور الذى تقوم به الجماعات الإرهابية لأجل تعطيل، بل وتدمير مشاريع الدولة الوطنيّة ووحدتها. الوعى بالدور الخطير للإرهاب وإن كان لا يزال فى بدايته لا يُعوّل عليه كثيرا لأسباب ثلاثة، أولها: أن هناك خلطاً واضحاُ على المستوى الرسمى فى معظم الدول العربية بين ما هو دينى محكوم بمرجعية، وما هو تديّن زائف أو حقيقي، وهنا لابد من توضيح المسألة التالية، وهي: أن مواجهة الحكومات لفعل الجماعات الإرهابية من منظور فكري، يصب أحيانا فى خانة إنعاشها، إذْ كُلَّما طوَّقت النشاط الدينى سواء لأجل تطويعه للعمل السياسى أو تأكيد التزام الدولة بطرح رؤى جديدة من ذلك تجديد الخطاب الدينى عبر مؤسساتها المختلفة وقعت فى فى إشكالية التدخل من غير ذوى الاختصاص فى قضايا ذات طابع مصيرى للشعوب. السبب الثانى: تجارب الدول التى عايشت ويلات الإرهاب فى الماضى القريب مثل الجزائر، أو التى تعاينه الآن مثل: سوريا وليبيا ومصر وتونس، تؤكد جميعها أن الشعوب العربية لم تصل بعد إلى حسم فيما يتصل بمصيرها، وليس صحيحا ما يُرّوج له فى الإعلام، من أن هناك إجماعاً على مواجهة الجماعات الإرهابية، بدليل أن معظم العمليات هى نتاج محلي، حتى لو كانت تحظى بدعم لوجستى خارجي، لذلك علينا الخروج من وَهْم أن كل الشعوب العربية معادية للإرهاب، والاكتفاء بالقول إن الغالبية منها فقط ضد الإرهاب، والقلة القليلة الباقية مؤثرة، لأنها إما تدعم تلك الجماعات لأنها جزء منها، أو تتخوَّف من رد فعلها، خاصة فى المناطق النائية على النحو الذى رأيناه فى بعض القرى والأرياف الجزائرية أيام العشرية السوداء، وفى المناطق الجبلية أيام حرب الدولة اليمنية ضد الحوثيين فى أثناء حكم على عبد الله صالح، وفى بعض المناطق فى سيناء اليوم. السبب الثالث: استمرار ترجيح كفّة المواجهة الأمنية ضمن موقف دولى يعتقد أن الحل فى استعمال العنف المنظم ضد العنف الفوضوى لم يعد كافيا، ليس فقط لأن العمليات الإرهابية آخذة فى الاتساع عموديا وأفقيا، ولكن لأن هناك قوى سلمية مؤثرة من الناحية السياسية تدفع من خلال مواقفها وأفعالها إلى التقليل من فرص نجاح العمليات الأمنية، لأنها دون قصد تدعم الجماعات الإرهابية عبر ضغط مستمرفى مختلف المجالات، ويظهر فعلها جلياًّ فى الفساد السياسى والمالي، وهو إرهاب مكمل وداعم لإرهاب الجماعات الدينية. وبعيداً عن مسألة الوعى بالإرهاب من عدمها، فإن بعض الكتاب والباحثين، يرى أن الإرهاب الحاصل فى المجتمعات العربية هو منتج ثقافى بالأساس، تراكم خلال قرون من تاريخ أمتنا، وهذا يعنى أنه يستند إلى مرجعية معرفية، ما يعنى أن مواجهته تبدأ من الثقافة أولا، وهنا يطرح السؤال التالي: عن أيِّ ثقافة نتحدث؟.. ولأنه لا يمكن التسليم بميراث العنف فى تاريخنا إلا إذا أخذنا بشمولية الثقافة، فإن الإجابة عن السؤال السابق مرهونة بقراءة كل فريق منا للثقافة العربية عبر مسيرتها التاريخية، وتفاعلها مع الثقافة العالمية فى كل مراحل الحضارة التى تفاعلت فيها سلبيا أو إيجابيا مع الآخرين فى مرحل القوة والضعف، السلم والحرب. وفى رحلة البحث عن الإجابة سيضلُّ سعيٌنا ونحن نعتقد أننا نُحْسِن صُنْعاً، ذلك لأن حركة الحياة لا تتوقف، أى أن انشغال النُّخب بالتأصيل والبحث فى جذور وخلفيّات الإرهاب، سيجعلُنا خارج المرحلة، وحين نعود مُحمَّلين بزاد معرفى يدعم مواقفنا وقراءاتنا أو بظنون وشكوك تزيد من تعميق خلافاتنا حول تجربتنا الراهنة، يكون زماننا فى بعده التاريخى قد تغير سلبيا أو إيجابيا، وسنرهق من أجل اللحاق به، وحين نصل إليه، إن تمكنّا من ذلك، سنجد كل الأمور تغيرت، وهذا يتطلب تفكيرا جديدا.. وهكذا سنُعيد الكرة فى تجربة غير مثمرة تُشْبه إلى حد ما تجارب من سبقونا، بمن فيهم الذين سجلوا لنا أساطيرهم، كما هى فى تجربة معاقبة سيزيف بحمل الصخرة فى إشارة للعذاب الأبدي، على النحو الذى سجلته الميثولوجيا الإغريقية. ما سبق ذكره يُحِيلُنا إلى النَّقاش الدائر اليوم قُطْرِياًّ وقومياًّ حول الإرهاب وعلاقته بثقافتنا العربية فى محاولة جادة من البعض لمعرفة أصوله، ولاشك أن هناك شعورا عاماً بوقوعنا فى مأزق حضارى لا يمكن الخروج منه إلا بدراسات لا تطرح خلفياته فى الماضى البعيد، وإنما تركز على أسبابه الراهنة فى الوقت الحالي، وهى تشمل كل مجالات الحياة، وخاصة السياسة والاقتصاد، وأقصر الطرق إلى تحقيق عمل جماعي، هو قيام كل فرد منا بمحاسبة نفسه يوميا، بسؤال نفسه: إن كان قد أصبح إرهابيا، أو أنه يساعد على انتشار الإرهاب؟، فكثيرون منٍّا هم جزء من المنظومة العامة للإرهاب، ولكنهم لا يعلمون. لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;