يمتلك المطرب عمرو دياب قدرة كبيرة على الذكاء والتسويق والترويج لفنه، وهذه الأسباب كانت وراء نجاح ألبومه الجديد «معدى الناس»، وتحقيقه لأرقام مبيعات جيدة، فقد سخر الهجوم والشائعات التى ظهرت ضده فى الفترة الأخيرة لمصلحة عمله، فالجدل والظاهرة الإعلانية التى سبقت الألبوم هى من ساهمت فى حدوث صدى له. حيث ربط الجمهور أغنيته الجديدة « أجمل عيون» التى تتحدث عن «برج الحوت» بما تردد عن علاقة حب بينه وبين إحدى الفنانات، واستغل «عمرو» ظهوره فى الحفل الترويجى الأول لألبومه الذى أقيم منذ أيام فى الساحل الشمالى ومازح جمهوره وقال» ببراءة شديدة وخبث « : « قعدتوا تعملوا أفلام وهتودونا فى داهية». ....................................... وأكد أن كل ما أثير حول الأغنية شائعات لا أساس لها من الصحة، وإنه لا يؤمن بالأبراج، وسخر من المقطع المثير للجدل «والله لاحبك موت وأحب برج الحوت»، وقام بغنائه بعد تعديله ليناسب عددا آخر من الأبراج. وهنا يتضح قوة ذكاء « عمرو دياب»، حيث ابتعد بالجمهور عن قيمة العمل الفنى دون الحديث عن الألبوم وأغانيه، ودخل فى الأمور الشخصية وإثارة الجدل والتكهنات، فالألبوم رغم تنوعه، لكنه لا يمثل إضافة لرصيد المطرب، ولا يعتبرمحطة رئيسية فى حياته، ولا نقلة فى الموسيقى التى يقدمها، لكن الألبوم يعد تأكيدا لتواجده على الساحة الغنائية، وأنه مازال متواجدًا فى ظل أنه أفضل من الألبوم السابق « أحلى وأحلي» الذى طرح ولم يحقق النجاح المطلوب . والحقيقة أن من يسمع أغنيات ألبوم « معدى الناس» يجد أن شخصية عمرو فرضت نفسها على كل من تعاون معه، لدرجة أن كل الملحنين الذين تعاملوا معه كانوا يدورون فى فلك صوته وشخصيته الغنائية أكثر مما دار صوته فى فلك ألحانهم، كما يحصل مع كل الأصوات الغنائية الأخري. فالظاهرة التى تبدو واضحة على الألبوم أن هناك لونا «ديابيا» توظف فى خدمته عدد من الملحنيين الذين لا شك فى قيمتهم الذاتية، ولكنهم مع دياب كانوا جزءا من مدرسته أو لونه الغنائي، «فهوس» عمرو بالتجديد والإيقاعات الصاخبة بغرض التطوير ومسايرة روح العصر جعل «دياب» يفرض وجهة نظره الشخصية على الملحنين والشعراء، والدليل على ذلك إنكم لو استمعتم لهؤلاء الملحنين وأيضا الشعراء مع آخرين ستجدونهم مختلفين وأكثر جمالا وإبداعا وقوة، وعليكم مثلا الرجوع للشاعر «تامر حسين» الذى كتب له أكثر من أغنية مثل « قلبى أتمناه» « جنب حبيبي»، وتقارنوا بين ما كتبه، وآخر أغنياته « كل ما تفتكره» لأصالة، ستجده أقوى وأجمل مع أصالة، وكذلك الملحن عمرو مصطفى فى اخر ألحانه لآمال ماهر. وبعيدا عن كل هذا الجدل تعالوا معى فى رحلة نتناول معا إيجابيات وسلبيات ألبوم « معدى الناس»، ويارب اجعل كلامنا خفيف على ألترس الهضبة!. قلبى أتمناه بدأ الألبوم بأغنية « قلبى اتمناه» كلمات تامر حسين، ألحان عمرو مصطفي، العائد للتعاون مع الهضبة بعد سنوات من الابتعاد، توزيع أسامة الهندي، وجاءت الأغنية خفيفة بسيطة الكلمات، وكأن الكلمات وضعت على اللحن، الذى جاء خليطا من موسيقى « البوب والتكنو»، أبرز ما فيه توزيع أسامة الهندي، الذى قدم توزيعا مدهشا، ووضع «صفارة» فى الفواصل وأثناء غناء المطرب أعطت حيوية ومرونة وجاذبية للحن، وبرزت آلة الجيتارلأحمد حسين بشكل رائع، وموظف مع باقى الآلات خاصة عود ممدوح الجبالي، وإن كانت الغلبة للجيتار. وجاءت كلمات «تامر حسين» بالغة الخفة ، وقصر الأغنية ليس شرطا لخفة وسطحية كلامها والمهم فى النهاية هو الارتقاء بمهمة الأغنية، فيرتقى كلامها بالضرورة، فالأغنية التى توضع فقط للفرفشة والتنطيط غير الأغنية التى يعصر فيها الملحن والشاعر تجربة إنسانية مهما كانت بسيطة وعابرة. قمر إيه اختار المطرب أن تكون الأغنية الثانية فى الألبوم « قمر إيه» كلمات أسامة مصطفي، لحن سامر أبوطالب، توزيع أسامة الهندي، صالحة للرقص فى الديسكوهات فقدمها من نوعية موسيقي«الهاوس»، وهو نوع من الموسيقى مع « الترانس» يصر عليهما عمرو تقريبا فى ألبوماته الأخيرة لمواكبة روح العصروالموسيقى العالمية، وجاءت كلمات الشاعر أسامة مصطفى مليئة بالرومانسية المستهلكة بإستثناء جملة «عنيكى عاملة زى الشمس، تغمض دنيتى تليل، تفتح دنيتى تنور»، فهذه الجملة جديدة لكنها ضاعت فى زحمة اللحن، ولم يقف عندها المطرب كثيرا فى غنائها، وقام بخطفها على استعجال. آه حبيبي جاءت الأغنية الثالثة « آه حبيبي» كلمات هانى رجب، ألحان مديح محسن، اللذين يتعاون معهما « عمرو» لأول مرة، من اللون الطرب الشعبى « المقسوم»، وهى أغنية « إستيدج» أو مسرح، حيث نجح الملحن فى جعل الآلات تستعرض عزفها، كل آلة على حدة، وفيها وظف الموزع أسامة الهندى الوتريات والصولهات، خاصة الكمان والأوكورديون بشكل جميل جدا، وراقى، وفيه عذوبة تتناسب مع الحالة الطربية فى الأغنية، وتميز عزف فاروق محمد حسن بشكل لافت، وكذلك رق هشام العربي، وجيتارات مصطفى أصلان، وجاء أداء عمرو طربيا جميلا، وكأنه يثبت للجميع أنه قادر على غناء كافة الألوان، لكن كلمات الأغنية ليس فيها أى جديد، حيث كرر المطرب غناء كلمة « حبيبي» أكثر من 30 مرة!. أول كل حاجة قدم عمرو حالة من الدراما والرومانسية الجميلة من خلال أغنية «أول كل حاجة» كلمات أحمد المالكى الذى يتعاون معه لأول مرة، وألحانه مع الملحن سامح كريم، وفى الأغنية يتعرض المطرب لحالة من الخيانة العاطفية حيث يعتبر حبيبه كل شئ، لكن للأسف الحبيب لم يكن على نفس درجة الحب والبراءة، وتركه وراح لحال سبيله، وفى النهاية يعلن الحبيب المخلص اعتزاله للحب، وأنه لن يغلط مرتين ويحب مرة أخري، وفى الأغنية ينكسر صوت «عمرو» ويعيش الحالة الدرامية بنجاح، وقدم الموزع أسامة الهندى إطارا توزيعيا يتناسب مع هذه الحالة من خلال دويتو متميز بين الجيتار الأسبانى الذى لعبه أحمد حسين، والناي، وقدم عبدالله حلمى على الكولة أداء رائعا،وكانت الفواصل الموسيقية أكثر من مليئة بالشجن، يقول أحلى جزء فى كلمات هذه الحالة: «كنت بالنسبة لى نفسى وكنت بكره كنت عمرى بس ليك أنا كنت فترة اللى يعرف من البداية النهاية هتبقى فين مش هايغلط فى اختياره بس نعرف ده منين» أجمل عيون بعد حالة الانكسار التى عشناها مع «أول كل حاجة»، وجدنا حالة أخرى مليئة بالحب والشقاوة والبهجة من خلال أغنية «أجمل عيون»، كلمات الشاعر الخليجى «تركى آل الشيخ» الذى يتعاون معه عمرو لأول مرة، فى تجربة تحدث لأول مرة مع شاعر خليجي، والحقيقة أن الشاعر كتب حالة غنائية جميلة، لكنها ليست جديدة، فالغناء بأجمل وأحلى عيون سبق وتغنى به كل المطربين المصريين والعرب جميعا. ولايمكن أن يكون «تركى آل الشيخ» الذى ظهر فى حياتنا الغنائية فجأة كتب هذه الأغنية باللهجة المصرية، لابد إنه كتبها باللهجة الخليجية واشتغل عليها المطرب لتحويلها إلى اللهجة المصرية - ما علينا - فالأغنية ألحان عمرو مصطفى الذى استطاع أن يقدم أغنية صيفية بامتياز مليئة بالإيقاع الراقص، والحيوية والنشاط والبهجة مستغلا لهذه الحالة الجيتارات، والإيقاع اللاتينى، فكانت النتيجة جملة موسيقية رنانة سهلة الحفظ، رغم صعوبة القفزات اللحنية بها، وقام أسامة الهندى بعمل «هارمونى» متميز بالتوزيع الموسيقي، واعتمد فيه على آلة الأكورديون التى لعبها بمهارة فاروق محمد حسن، وكان أحمد حسين رائعا على الجيتارات . وقدم « دياب» هذه الأغنية بصوت مليئ بالسعادة واختار لها مقاما صوتيا يليق بها، ومحببا إليه، والذى سبق وقدمه من قبل، وقد أثارت هذه الأغنية حالة جدل كبيرة حيث اعتبرها البعض أول أغنية تتحدث عن الأبراج، وهذا ليس صحيحا، فقد سبقته المطربة «ضحى» خالة المطربة « أنغام»، التى غنت فى بداية السبعينات أغنية رائعة خفيفة الظل من كلمات حسين السيد عن الأبراج، كما قدم الثلاثى المرح أغنية أيضا فى نفس الاتجاه، وكذلك المطرب عاصى الحلاني. نغمة الحرمان تعتبر هذه الأغنية أجمل أغنية فى الألبوم وهى من كلمات الشاعر أيمن بهجت قمر، الذى يعود للتعاون مع الهضبة بعد انقطاع دام أكثر من خمس سنوات، وألحان الموهوب جدا فى هذا اللون من الموسيقى الشرقية محمد يحيي، الذى قدم حالة طربية شرقية بامتياز، فيها استمتعنا بناى رضا بدير، وأكورديون فاروق محمد حسن، وجيتاراتا لموهوب أحمد حسين، وانطلق صوت «عمرو» وكشف عن مساحات جميلة فى صوته، خاصة فى الجزء الذى يقول فى بدايته « وجعتك ده أنت توجع بلد»، فى هذه الجملة لونها عمرو بصوت فيه شقاوة وخفة دم، ووجع، وقدم أيمن بهجت قمر حالة غنائية صادمة فى تاريخ الهضبة، وكلمات غير مستهلكة، وأضاف بعودته الكثير، وعوض إلى حد ما غياب الموهوب «بهاء الدين محمد»، وستظل هذه الأغنية راسخة كثيرا فى الوجدان، وستكون من كلاسيكيات المطرب التى ستحسب فى تاريخه. حبايب إيه حالة كذب عاطفى يعانى منها المجتمع المصرى كله نجدها فى أغنية « حبايب إيه» كلمات تامر حسين، لحن مدين، توزيع أسامة الهندي، فى هذه الأغنية نجد كلمات جيدة وجميلة من الشاعر تعبر عن حالة البرود فى المشاعر العاطفية بين اثنين متزوجين من مدة وفى حالة فتور عاطفي، حيث يشعر الحبيب بعدم الراحة مع زوجته، رغم أنه يشعر بهذه الراحة عند الأغراب!، لكنه يضطر لاستكمال حياته من أجل الشكل الإجتماعى ونظرة الناس والمجتمع، لكنه فى الواقع لا يشعر بالراحة مع زوجته، ويتخذها كشكل اجتماعي، هذه الأغنية العذبة غير خادشة للحياء رغم جرأة موضوعها وتعتبرحالة مصرية خالصة، حيث يعيش معظم الرجال المصريين هذه الحالة الفاترة، والدليل على ذلك مواقع التواصل الإجتماعى المليئة بالتحرش الجنسي، باختصار هى أغنية دافئة، تصلح لموسم الشتاء أكثر، أبرز ما فيها إحساس «عمرو» الجميل، وعزف الجيتار الإليكتريك الصاخب المدمر الغاضب وسط الأغنية لأحمد حسين، والتوزيع الهادى الذى وضعه أسامة الهندى لكى يتناسب مع الحالة الغنائية. معدى الناس أغنية تحمل طابع الموسيقى اللاتينية، والإيقاع السريع الصاخب، كلمات أسامة مصطفي، لحن سامر أبوطالب، توزيع أسامة الهندي، وقد كانت أول أغنية تطرح للإعلان عن الألبوم، وفيها قدم أبوطالب جملة لحنية بسيطة وجميلة جدا، وبها نقلات كان «عمرو دياب» بعيدا عنها منذ فترة، لكن الكلام مستهلك ، ويبدو أن عمرو استمع للأغنية بكلماتها، ونال لحنها إعجابه، فتغاضى عن الكلام، ورغم عدم قوة الأغنية لكنه اختارها عنوانا لألبومه، وهذا الاختيار له دلالة للرد على الهجوم الذى تعرض له فى الأيام الماضية من قبل المطربة «شيرين عبدالوهاب»، فهو يتمتع بطريقة خاصة فى الرد على مهاجميه. أحلى حاجة مقدمة موسيقية طربية طويلة مدتها دقيقتين وخمس ثوانى تذكرنا بعصر أساطين النغم تحملها آخر أغنيات الألبوم «أحلى حاجة» كلمات الشاعر تركى آل الشيخ، ألحان عمرو دياب نفسه، توزيع أسامة الهندي، وفى هذه الأغنية يقدم لنا الملحن والمطرب حالة من الرومانسية الشديدة، مليئة بوتريات يحيى الموجى الشجية، وعود إسلام القصبجي، وناى نبيل برجاس، وأكورديون فاروق محمد حسن، وجاءت كلمات الأغنية وكأنها تؤكد حالة الحب التى يعيشها المطرب مع إحدى الفنانات، حيث يقول فى جزء من كلمات الأغنية: «سنة فى حبك سنة فى قربك / ولا أجمل ولا أغلى ولا أحلي نسيت نفسى فى دنيا كلها أمانى / رجعلى عمرى المنسى وليل الحب صحاني» الكوبليه الأخير الغناء الجيد أساسه شعر جيد، وألبوم « معدى الناس» يحتوى على تنوع شديد فى الألحان والتوزيع، رغم فقر الكلمات فى بعض الأغاني، لكنها ليست جديدة على «عمرو» حيث سبق وقدم كل هذه النماذج فى ألبوماته السابقة تحديدا فى « حبيبى يا نور العين» و» تملى معاك»، يحسب له أنه أثبت قدرته على تقديم ألوان مختلفة منها اللون الشرقى الأصيل مثل أغانى « نغمة الحرمان، أحلى حاجة، وأه حبيبى «. وعلى الهضبة أن يعاود فى الألبوم القادم التعاون مع الشعراء «بهاء الدين محمد، مدحت العدل، نادر عبدالله، هانى عبدالكريم، أمير طعيمه»، والملحنيين «محمد رحيم، وليد سعد، طارق مدكور، خالد عز، إيهاب عبدالواحد، فهد»، فطالما أنه نجح فى التنوع موسيقيا عليه أن يثبت ذلك على مستوى الكلمات أيضا.