«العنوسة» هو تعبير عام يستخدم لوصف الأشخاص الذين تعدوا سن الزواج المتعارف عليه فى كل بلد، وبعض الناس يظنون أن هذا المصطلح يطلق على الإناث دون الرجال. وقد ارتفعت نسبة العنوسة فى دول الوطن العربي، ففى مصر يبلغ عدد العوانس 8 ملايين أى 40% من مجموع الفتيات فى سن الزواج، وهذا الرقم مرشح للارتفاع بسبب الأزمة الاقتصادية، وسجلت نسب العنوسة فى الدول العربية ارتفاعا مستمرا بسبب تغير البنية الاجتماعية والأزمة التى تعيشها المنطقة، وجاء العدد فى الجزائر (خمسة ملايين) والمغرب (أربعة ملايين)، تونس (مليونين)، وليبيا «300 ألف» و«لبنان» بلغ 15% فقط، ثم جاءت السوريات بنسبة 70%، وكذلك العراق، بسبب الأوضاع السياسية، أما فلسطين فإنها الدولة الوحيدة التى لديها استثناء فى العالم العربى رغم ظروف الاحتلال، لأنهم يعتبرون مؤسسة الزواج والإنجاب ضرورة لإثبات حق بقاء المواطن الفلسطينى على الأرض، وفى جانب آخر، بلغت نسبة العوانس بدول الخليج أرقاما كبيرة، ففى الإمارات 75% والسعودية 45%، أما أدناها فى البحرين بنسبة 25% لقد ارتفع سن الزواج فى مصر بعد أن اتسعت متطلبات الحياة العصرية، وأصبح فى حاجة إلى نفقات مالية باهظة مما أصاب جيل الشباب بالخوف من حمل أعباء الحياة الزوجية، وبما أن الزواج هو الوسيلة الوحيدة لبقاء النوع الإنسانى واستمراره وأنه الوسيلة العظمى للاستقرار النفسى والطبيعى والاجتماعى للإنسان فإن العنوسة تخلف مشكلات خطيرة وتحث التعاليم الإسلامية على الزواج المبكر، والاختيار على أساس الدين، وتيسير مؤونة الزواج، وتنهى عن المغالاة فى المهور، وهى تمثل مرجعية أساسية لمواجهة هذه الظاهرة والقضاء على أسبابها.. لقد عكف كثيرون من خبراء الاجتماع على معرفة أسباب تفاقمها وكيفية مواجهتها، وجاء ضيق ذات اليد وارتفاع تكاليف الزواج، وصعوبة الحصول على مسكن، وإصرار معظم الأسر على اختيار العريس الجاهز، غير عابئة بالقيم الدينية، بالإضافة إلى بعض القيم الاجتماعية الضاغطة فى الأسرة والتى تتمثل فى التباهى بقيمة الشبكة، والمؤخر والجهاز وإقامة الأفراح فى فنادق فخمة. وكان الأوائل قديما مستعدين لمساعدة غير القادرين ودعمهم على مواجهة الحياة الصعبة، فالعرائس الفقيرات اللائى يعجزن عن مجاراة العرائس المترفات فى تجهيز أنفسهن عند الزفاف أوقف عليهن ما يتمتعن به خلال أيام العرس من ألبسة حريرية رفيعة وحلي، ما لا يفرق به بين المترفة والمحتاجة، فما على العروس إلا أن تخبر دار الوقف بيوم زفافها، فتستجيب لها من غير من ولا أذي، كما كان لعرس الفقراء دور موقوفة على حفلات أعراسهم يزفون منها بكل ما يحتاج إليه العريس والعروس من كسوة وطيب وحلى ونفقات لأيام العرس كاملة، فأرسوا بذلك قواعد للتكافل الاجتماعي. من هذا المنطلق أدعو وزارة التضامن الاجتماعى ورجال الأعمال والقادرين إلى إنشاء ودعم صندوق تكافل يعتمد على التبرعات، والدعوة إلى تشجيع فكرة إقامة حفلات الزواج الجماعية، لدعم زواج غير القادرين أسوة بما كان قائما فى عصور الإسلام المزدهرة، مما سيكون له أكبر الأثر للتقليل من هذه الظاهرة، ويحضرنى هنا قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير» (رواه الترمذي). د. حامد عبد الرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة