لعبد الرحيم كمال اسم كبير بين كتاب الدراما المصرية، فخلال 7 سنوات قدم عددا من الاعمال المهمة والمتميزة، ومنها الرحايا ثم «شيخ العرب همام» و«الخواجة عبد القادر» «دهشة» «ونوس» و«يونس ولد فضة»، أما سينمائيا فله تجربة مبكرة بعنوان «على جنب يا اسطي». فى هذا الحوار أردت أن أوثق معه تجربته السينمائية الكبيرة فنيا وانتاجيا، ففيلم «الكنز» ربما يكون أول فيلم عربى يصور منه جزأين فى الوقت نفسه، كما انه واحد من الأفلام القليلة الذى يضم كل هذا الحشد من النجوم اضافة إلى انه الفيلم الأول الذى يتناول فترات تاريخية كبيرة عن مصر فى ذروة مجدها فترات كثيرة ومرات أخرى عن انكساراتها. فى هذا الحوار تحدثنا حول كواليس فيلم «الكنز» الذى يبدأ عرضه خلال الساعات المقبلة وكيف التقى شريف عرفة وذكريات اول يوم تصوير وكيف شاهد أوراقه وكلماته وهى تتحول إلى مشاهد ومشاعر وبنى آدميين يجسدون الحاضر والماضى فى التاريخ المصري... والى نص الحوار. العمل مع مخرج فى قيمة شريف عرفة ليس كمثله من الاعمال كيف حدث اللقاء؟ كانت البداية مع المخرج شريف عرفة عام 2010 كنت على البحر مع بناتى فى إجازة صيفية وجاءتنى المكالمة منه لاول مرة لتبدأ الرحلة التى استمرت سبع سنوات انتقلنا فيها من فكرة الى أخرى ومن سيناريو كامل إلى آخر، وكنت اكتب مسلسلا وهويخرج فيلما ونلتقى ويبارك لى على المسلسل وأبارك له على الفيلم وما بين اكس لارج والجزيرة الجزء الثانى والخواجة عبدالقادر ودهشة وونوس تحتدم الافكار ويكون اللقاء حول فكرة تجمع بين الحب ومصر بشكل ما ويكون الكلام فى البدايات دائما بلا حسابات انتاجية واقرب الى الاحلام ويتركنى احلم بذكاء ويشاركنى الحلم بفيلم تاريخى كبير يحكى عن مصر فى فترات تاريخية مختلفة متنوعة نرى فيها مصر فى ذروتها مرة وفى انكسارها مرة اخرى واكون مغرما بحتشبسوت كنموذج متفرد للفرعون الانثى ويكون هو مغرما بعلاقة السلطة بالحب ويظل الحلم والكلام بلا جمرك فى البدايات ثم يتحول بالتدريج الى نسخة اولى ونسخة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة يترك شريف عرفة النسخة الاولى لى بذكاء وتعمد الفيلم سيحكى اربع قصص متوازية فى اربع حقبات تاريخية مرت على مصر ثم يبدأ النقاش والجدل بيننا فى النسخات التالية لنعجن سويا خبزنا فى فرن مستعرة بالافكار والمراجع والخيال نخرج من حقبة الى حقبة فى سيناريو استمرت كتابته قرابة الثلاث سنوات عبر اللقاءات المباشرة والمكالمات التليفونية والايميلات وتبادل الكتب والافلام حتى يكتمل سيناريو الكنز وانا غير واثق ان هذا العمل سيتم انتاجه ويظهر للجمهور وكنت اتعامل مع الامر على انه تجربة ثرية ومفيدة فقط فمن هو المنتج الذى سيتحمس لفيلم بهذا الحجم ،وتلك التكلفة، وهؤلاء النجوم وانا ممتن للتجربة دون أى تطلع للتنفيذ لان السوق المصرى فى الغالب يتحمس لتجارب اخرى ثم يأتى الخبر المفاجيء من شريف عرفه بانه سيشرع فى تنفيذ الفيلم وعلينا الوصول إلى النسخة السادسة أى نسخة التنفيذ الاخيرة ،والتى استمرت الكتابة فيها الى آخر يوم من أيام التصوير. لقد ادركت هنا خطورة العمل مع شريف عرفة انها ببساطة كتابة مستمرة، لقد أصبحت على يقين انى لن اتوقف ابدا عن الكتابة فى هذا الفيلم إلى الابد وكانت المفاجأة ان الفيلم الذى زمنه ساعتان ونصف الساعة على الشاشة يأخذ مجهود ثلاثة مسلسلات اى معادل ستين ساعة عرض. كان هذا هو الاختيار من البداية وتلك كانت المتعة أيضا متعة العمل مع مخرج ينجح فى ان يجعلك تعطى كل ما تملك دون ان تشكو من ارهاق الكتابة لا أدرى بعد النسخة السادسة ماذا فعلنا بالضبط كل ما ادريه الآن اننى كتبت فيلما عن مصر وعن الحب وعن السلطة فى بناء ليس سهلا، وكما يقال ليست المتعة فى الحصول على الكنز ولكن المتعة فى الرحلة. ويظل أول يوم تصوير يمثل لك فرحة خاصة بعد كل هذا الجهد من الكتابة والتفاصيل؟ جاء أول يوم تصويروقلت يبدو ان الامر سيتحقق بالفعل يبدو ان هناك منتجا حقيقيا تحمس لهذا الفيلم الكبير وشاركنا الحلم هو المنتج وليد صبرى وكان اول يوم تصوير فى مناخ سينمائى بامتياز واللوكيشن يبتسم فيه شريف عرفة لى مرحبا وكأنه يقول أننا نصور بالفعل والكاميرا ستدور بينما جلس خلف مكتب فخم رجل ضخم بملامح قاسية وطربوش وعيون متحفزة امعنت النظر فيه فاكتشفت انه محمد سعد الذى سيلعب دور «بشر» وما ادراك من «بشر» إنه شخصية تجمع بين المتناقضات فى صرامة وانضباط ... محمد سعد بكل تاريخه الكوميدى سيقدم شخصية رئيس القلم السياسى. جلست اتابع فى صمت الحياة وهى تدب فى الشخصيات على مهل.. اللقطات تصنع بتؤدة بينما ذهنى شغوف ويجرى بسرعة شديدة... تتوالى بين اللقطة والأخرى مداعبات وافيهات صناع الفيلم وتعليقاتهم على الكاتب (الكاتب يجلس مرتاحا فى التكييف ويكتب تدور معركة ونحن علينا صناعة تلك المعركة) وابتسم وانا مشغول بالشخصيات التى يجلس مشخصوها فى ترقب فى انتظار كلمة «أكشن»... لا أنكر ان مساحة الدهشة كانت تزداد داخلى مع كل خطوة من خطوات تنفيذ الفيلم العمل المكتوب على الورق اشاهده يتحرك فى (مكان التصوير) من خلال الممثلين حركة اخرى حية وفى غرفة المونتاج تحولات أخرى انا انظر للصورة المكتملة والمخرج يصنع التفاصيل والحركة بين الكتابة والتنفيذ تسير بشكل عجيب متناغم ليس دفعا للامام ولا رجوعا للخلف. القصص الاربع تتوازى وتتداخل وتتماس وتصبح فى لحظة قصة واحدة فالتاريخ يعيد السؤال والمشاعر .فى لحظة تكون واحدة على اختلاف العصور وانا ارى ارواحا تقفز حوائط الزمن بفعل الحب. إننى أعتقد اننا بلد عريق يملك تراثا عظيما من الحكى والخيال والتاريخ الحقيقى و الاسطورى مادة خصبة لصناع الفن عموما لصنع اعمال فنية كبرى تمنح المتعة والفرجة والتسلية والقيمة أيضا. الكنز اسم ومعنى يحمل الكثير من الاشارات والدلالات فى هذه الفترة التى نعيش فيها؟ اتمنى ان يكون فيلم الكنز بداية لافلام تهتم بالتاريخ والهوية لاننا فى امس الحاجة لتعريف الاجيال القادمة بتاريخ بلادهم حتى يكونوا على معرفة بماض عظيم تعيد لهم الثقة بالمستقبل.