مدبولي: 12 جامعة أهلية جديدة تدخل الخدمة قريباً    مدبولي: الاقتصاد المصري يتجه نحو التحسن رغم التحديات    برلمانيون: سياسة مصر الخارجية القوية أحد أعمدة الجمهورية الجديدة | تقرير    التعادل يحسم الشوط الأول من مباراة الجونة أمام مودرن بالدوري    تقرير: دي ليخت يقترب من الغياب أمام أتليتك بلباو    الأرصاد: غدًا طقس حار نهارًا معتدل ليلًا على أغلب الأنحاء    محافظ القليوبية يُسلِم ملابس الإحرام لحجاج الجمعيات الأهلية    أبطال «نجوم الساحل» يكشفون كواليس العمل مع منى الشاذلي..غدا    ميرتس وماكرون يدعوان الهند وباكستان إلى التهدئة    «ضربوه لأن رجله بتوجعه ومقدرش يجري».. القبض على والدَي تلميذ اعتديا على زميل ابنهما داخل ملعب المرج    رسميا.. اعتماد جداول امتحانات النقل والشهادة الإعدادية للفصل الدراسي الثاني 2025 ببني سويف    آيساب روكي يكشف سبب حمل ريهانا المتكرر    محافظ أسوان ينيب السكرتير العام لحضور ختام فعاليات مهرجان أفلام المرأة    إنقاذ حياة طفل.. فريق جراحى بأورام المنوفية ينجح فى إجراء عملية استئصال ورم ضخم    رأس المال السوقي يخسر 25 مليار جنيه.. مؤشرات البورصة تهبط بختام جلسة اليوم    رئيس مسار بعد التتويج بدوري السيدات: هدفنا المساهمة في تطوير كرة القدم المصرية    جوندوجان يحلم بأن يكون مساعدًا ل "الفيلسوف"    بالصور.. ملك أحمد زاهر تتألق في أحدث ظهور لها    ضبط 3507 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    "الشباب في قلب المشهد السياسي".. ندوة تثقيفية بالهيئة الوطنية للانتخابات | صور    بينها «أخبار اليوم» .. تكريم رموز الصحافة والإعلام في عيد العمال    "التعليم" تعلن إطلاق مسابقة للمواهب في مدارس التعليم الفني    5 أبراج تُعرف بالكسل وتفضّل الراحة في الصيف.. هل أنت منهم؟    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    الهلال الأحمر المصري يشارك في النسخة الرابعة من منتدى «اسمع واتكلم»    جوتي ساخرًا من برشلونة: أبتلعوا الأهداف مثل كل عام    البابا تواضروس يستقبل وكيل أبروشية الأرثوذكس الرومانيين في صربيا    محافظ الدقهلية يلتقي المزارعين بحقول القمح ويؤكد توفير كل أوجه الدعم للفلاحين    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    عمر طلعت مصطفى: العمل الاحترافي يجذب 400 ألف سائح جولف لمصر سنويًا    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    قطاع الفنون التشكيلية يعلن أسماء المشاركين في المعرض العام في دورته 45    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    فيديو.. خالد أبو بكر للحكومة: مفيش فسخ لعقود الإيجار القديم.. بتقلقوا الناس ليه؟!    مدبولي يُكلف الوزراء المعنيين بتنفيذ توجيهات الرئيس خلال احتفالية عيد العمال    وكالة الأنباء الفلسطينية: ارتفاع حصيلة القصف الإسرائيلي لمدرستين في مخيم البريج ومدينة غزة إلى 49 قتيلا    هل انكشاف أسفل الظهر وجزء من العورة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    زيادة قدرتها الاستيعابية.. رئيس "صرف الإسكندرية يتفقد محطة العامرية- صور    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شمعة «نور» على شاشات الإبداع

لم يكن يخطر فى بالي أبدا أنه سيأتي يوم أكتب فيه عن رحيل صديق العمر الفنان الذي لا عوض عنه نور الشريف. ربما كان السبب الذي ملأني بهذا الإحساس لأنني أكبر منه بسبع سنوات وأنني أيضا كنت دائما أراه أمامي شابا يمتلئ حيوية ونضارة حتي عندما اشتعل رأسه شيبا. فعندما كان يتحدث كنت أحب أن أسمع حديثه الذي يبدو دائما متحمسا متوهج الفكر، كانت الابتسامة قلما تفارق شفتيه، حاضر البديهة في دعابته، محبا للحياة، واثق النفس ويتطلع دوما إلي الغد حيث يأتي الجديد. ولكن الإنسان يقف عاجزا أمام القدر الغاشم عندما يداهم ضحيته فجأة بالمرض اللعين فلا يملك أمام وحشيته سوي الاستسلام لقضاء الله.
ترجع معرفتي الوثيقة بمحمد جابر محمد عبدالله وشهرته نور الشريف إلي أكثر من أربعين عاما من منتصف الستينيات تقريبا حيث كان يسكن بالقرب مني عندما كنت أقيم مع عائلتي في بركة الفيل في السيدة زينب. وفي الحقيقة بدأت هذه الجيرة قبل ذلك عندما كان يسكن محمد جابر أو نور الشريف في شارع جامع أزبك وكنت أسكن أنا الآخر في أول هذا الشارع من ناحية بركة الفيل ، أذكر أن والده أو عمه لا أتذكر بالضبط كان يملك داكاناً صغيراً لبيع الجاز وبعض أصناف البقالة. وبعد وفاة أبيه ثم عمه انتقل ليعيش مع شقيقته في عمارة صغيرة بيضاء اللون مازالت موجودة حتي الآن خلف دار عرض سينما الهلال الصيفية في حي السيدة زينب. ثم انتقلت أنا أيضا مع عائلتي إلي عمارة تتوسط حي بركة الفيل حيث كان يسكن بالقرب منى النجوم عبدالمنعم إبراهيم وعزت العلايلى وفريد شوقي وعبدالحليم حافظ والدكتور فوزي فهمي.
كان أخي الأصغر طالبا في معهد الفنون المسرحية بقسم النقد في الوقت الذي كان نور الشريف يسبقه بعام وفي السنة النهائية بالمعهد وهو لم يكن يبلغ العشرين من عمره.. وكان نور صديقا للمخرج عبداللطيف زكي الذي كان هو الآخر في ذلك الوقت طالبا في معهد السينما وكان نور الشريف يتردد علي عبداللطيف زكي الذي كان يسكن في الشقة المجاورة لشقتنا.
ومن هنا كنت أقابله أحيانا. كان نور الشريف يحرص علي الحديث معي، حيث كنت أعمل في ذلك الوقت في الشركة المصرية العامة للإنتاج السينمائي في قسم القراءة والسيناريو وكان المخرج الكبير صلاح أبو سيف رئيسا لتلك الشركة. كان الشاب القصير الضامر الجسد المتألق العينين يحاول أن يتقرب إلي صحبتي من أجل أن يعرف أخبار الأفلام التي تقوم الشركة بإنتاجها وأخبار النجوم.
وكانت مفاجأة وفرحة لي عندما اشترك نور الشريف في أحد الأفلام المهمة التي أنتجتها الشركة وهي فيلم (قصر الشوق) من إخراج حسن الإمام في دور كمال في الجزء الثاني من ثلاثية نجيب محفوظ.
وربما كانت هذه البداية هي التي جعلته يهتم بأدب نجيب محفوظ ويحرص على قراءة كل ما كتب إلا أنني اكتشفت أثناء مخالطتي له في بداية صداقتنا شغفه الكبير بالقراءة حتي أنني عندما كنت أسأل عن بعض الكتب التي كنت قرأتها وهل قرأها فأجده قد التهم أكثرها فأناقشه فيها ويناقشني هو الآخر فيها.
وقد لفت نور الشريف أنظار المخرج محمد فاضل والكاتبين عاصم توفيق ومصطفي كامل عندما كانوا يعدون لمسلسل (القاهرة والناس) فأسندوا دور (عادل) إلي نور الشريف وهو أحد الأدوار المهمة، فكان في كل حلقة يلفت النظر بموهبته وأدائه المتميز، وأصبح نور الشريف من خلال هذا المسلسل نجما صغيرا يحيطه الناس بلهفتهم علي مشاهدته وحبهم الشديد لما يقوم به.
ظل نور الشريف يداوم علي القراءة وطرح القضايا الفنية والسياسية وإيمانه الشديد بعبدالناصر، ورغم معرفته بكراهيتي لعبدالناصر إلا أن ذلك لم يبعد ما بينى وبينه في يوم من الأيام. كان يجيد الاستماع ويتروى في التفكير وكانت ثقافته تساعده علي توضيح رأيه. ولم أجد هذا النوع من الممثلين طوال حياتى في الوسط الفني سوي مع محمود مرسي الذي كان يتمتع هو الآخر بثقافة عالية شاملة.
ظل نور الشريف يعمل في السينما في بداية حياته لمدة عشر سنوات ، ولكني لم أكن معجبا بما كان يقدمه في ذلك الوقت إلا بالقليل من هذه الأفلام مثل (بئر الحرمان) و(السراب) و(زوجتي والكلب) و(دمي ودموعي وابتسامتي). وربما كان هذا العدد الكبير من الأفلام متوسطة أو قليلة القيمة رغبة منه في الانتشار أو يعمل في أفلام مهمة رغم أن أدواره فيها صغيرة وتبتعد عن البطولة، ولكنه وفقا لذكائه الفني وثقافته كان يدرك أهمية أفلام مثل فيلم (زوجتي والكلب) وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج (سعيد مرزوق) وفيلم (دمي ودموعي وابتسامتي) للمخرج حسين كمال الذي كان نور الشريف يعشقه ويتمني العمل معه دائما حتي أنه أنتج له فيلم (حبيبي دائما) وهو فيلم مأخوذ عن الفيلم الأمريكي الشهير (قصة حب).
كانت بداية نور الشريف للعمل في فيلم قمت بكتابته هو فيلم (مع سبق الإصرار) من إخراج اشرف فهمي في عام 7891 ، كان المرشح في البداية هو فريد شوقي في دور الرجل الريفي الذي خانته زوجته مع صديقه أو بمعني أدق مع واحد من أصدقائه فأخذ يبحث عن هذا الصديق وعندما تأكد أنه هو أخذ يطارده من أجل أن يعترف له بالحقيقة. كان هذا الدور يستغرق ستة وثلاثين مشهدا من السيناريو الذي يبلغ مائة وعشرين مشهدا ويقوم محمود يس بتمثيل الجزء الأكبر منها. وحيث كانت زوجة مصيلحي شابة صغيرة فكان أن اخترنا فريد شوقي للقيام بهذا الدور ولم نكن قد اتصلنا به. واستولت علي فكرة أو اقتراح أو ترشيح آخر وهو أن يقدم نور الشريف هذا الدور. وبرقت عينا اشرف فهمي وسرعان ما تحمس لهذا الاقتراح ، ولكن ما لبث أن ساورني القلق لصغر الدور، وكان نور الشريف في ذلك الوقت يقوم ببطولة الأفلام بمفرده ، ولكن أشرف فهمي صمم علي المحاولة وقام بإرسال السيناريو إلي نور الشريف. وفي اليوم التالي علي الفور أخبرنا نور الشريف بموافقته علي القيام بدور مصيلحي وأنه لا يمانع إذا ما أضفنا مشاهد أخري لدور محمود يس ولكن بشرط ألا نقترب من الست والثلاثين مشهداً المكتوبين لدوره. وفي الحقيقة لم نكن في حاجة إلي إضافة أي شيء أو حذف أي شيء.
فوجئ محمود يس بنور الشريف في دور مصيلحي وذلك في أول يوم للتصوير بعد أن كان يظن أنه فريد شوقي. وكاد أن يتراجع محمود يس عن العمل في الفيلم ، ولكن المخرج أشرف فهمي استطاع أن يقنعه بالعدول عن ذلك ولست أعلم حتي الآن ما الذي دار بين أشرف فهمي ومحمود يس.
حصل نور الشريف في فيلم (مع سبق الإصرار) علي جميع الجوائز السينمائية التي كانت تمنح في ذلك الوقت وكذلك حصلت أنا علي كل جوائز السيناريو. وسافر الفيلم للاشتراك في مهرجان مونتريال بكندا وأثناء وجودنا هناك قام الملحق الثقافي في سفارتنا في واشنطن محمد غنيم بالاتصال بنا حيث أخبرنا بأن السفير محمد شفيق غربال يدعونا للسفر إلي واشنطن لعرض الفيلم هناك وبالفعل سافرنا وتم عرض الفيلم في أكبر قاعة عرض رسمية في واشنطن وذلك للمصريين وكثير من الأمريكيين، وأبدي الجميع إعجابهم بعبقرية تمثيل نور الشريف لدور مصيلحي.
كان الفيلم الثاني الذي قمت بكتابته لنور الشريف هو فيلم (الحب وحده لا يكفي) وكان علي ما أظن باكورة إنتاج (شركة فينوس) التي يمتلكها المنتج الصديق محسن علم الدين.
كتب هذا الفيلم في البداية عن رواية للصديق الأديب أحمد فريد السيناريست أحمد عبدالوهاب.
ولكن نورالشريف لم يعجبه السيناريو واشترط لكي يعمل في هذا الفيلم أن أقوم بكتابة السيناريو والحوار ولم أوافق في البداية ، ولكن محسن علم الدين والمخرج علي عبدالخالق أخبراني بألا أقف في طريق إنتاج هذا الفيلم وأنهما سوف يستأذنان من السيناريست أحمد عبدالوهاب ودفع مستحقاته المادية فاضطررت أن أوافق وقمت بإعادة كتابة السيناريو وقابل الفيلم نجاحا كبيرا علي المستوي الجماهيري والنقدي وجري ترشيحه لمهرجان طشقند.
توالت كتابتى بعد ذلك لعدد كبير من الأفلام التي قام ببطولتها نور الشريف أذكر منها أهل القمة وعندما يبكي الرجال ويا رب توبة وانحراف والسكاكيني وصمة عار(وهو إعادة لفيلم الطريق) والوحل وعنبر الموت وغيرها من الأفلام التي لقيت نجاحاً كبيراً.
يتميز نور الشريف بدراسته لكل مدارس التمثيل ولكنه ابتعد عن مدرسة الاندماج وقد أيدني في إحدي المناقشات بأن الاندماج جنون.. فقد مارس منهج الاحتراف الذي يري بأن علي الممثل أن يكون واعيا لكل ما يفعله أثناء أداء الدور ويستطيع أن يقيس الانفعال ويحدد مداه وذلك اثناء البروفات وذلك بعد دراسة أبعاد الشخصية دراسة دقيقة وإضافة اللوازم في الحركة والكلام بحيث.
عندما بدأت كتابة المسلسلات التاريخية أو بمعنى آخر مسلسلات تاريخ الإسلام اخترت الجانب الفكرى فبدأت بمسلسل «ابن سينا» الذى أخرجه سيد مرزوق لتليفزيون الكويت وقام بدور ابن سينا نجم النجوم محمود يس فأضاف الكثير للشخصية بأدائه الرائع. ثم كتبت بعد ذلك مسلسل «ابن خلدون» رائد علم الاجتماع واخترت له نور الشريف الذى تحمس كثيرا لهذا المسلسل وشكرنى لاختيارى له لأداء دور هذا المفكر العظيم. وقام بإخراجه فى البداية إبراهيم الصحن ثم اعتذر لسابق ارتباطه بمسلسل آخر فاختار نور الشريف زميله فى الدراسة فى معهد الفنون المسرحية المخرج محمد عبدالسلام، وكان نور الشريف يعلم مدى إعجابى وتقديرى لمحمود يس فى أداء شخصية ابن سينا فإذا بى أفاجأ بأداء أكثر من رائع لنور الشريف فى قيامه بشخصية ابن خلدون. ولكن هذا المسلسل لم توافق الرقابة للأسف على عرضه فى مصر لأنه ينتقد نظم الحكم وينطق أحد الآسفين على حكام مصر بأن مصر منكوبة بحكامها. والغريب أن المسلسل جرى عرضه فى كل البلدان العربية التى كانت منكوبة هى الأخرى بحكامها أكثر من مصر ولكن الرقابة الحمقاء منعت عرض المسلسل.
وفى منتصف التسعينيات تقريبا قمت بكتابة مسلسل عن قصة لإحسان عبدالقدوس بعنوان «لن أعيش فى جلباب أبى». واخترت أنا والمخرج أحمد توفيق بأن يقوم نور الشريف بدور البطولة واخترت له اسم عبدالغفور البرعى، حيث لم يذكر إحسان عبدالقدوس اسما له فى القصة واكتفى بأنه الأب. أرسلنا لنور الشريف ملخصا للقصة فإذا به يتصل بى ويخبرنى بأنه لم يجد لنفسه دورا. فطلبت منه أن ينتظر حتى أقوم بكتابة معالجة وثلاث حلقات. وبالفعل أرسلت له المعالجة وثلاث حلقات وبعد يومين قام بالاتصال بى وأخبرنى فى حماس بأنه معنا.
كان نور الشريف يقرأ بعد ذلك كل حلقة انتهى من كتابتها ومعه المخرج أحمد توفيق. وكانت الملاحظات طفيفة والإعجاب كبيرا.
اختار المخرج الممثلة عبلة كامل ولكن لم أكن متحمسا لها فلم أكن شاهدت لها حتى تلك اللحظة عملا متميزا، ولكن بعد أن شاهدتها فى الحلقات أيقنت أنها بالفعل أفضل من تقوم بهذا الدور.
كنت أعتقد بينى وبين نفسى بعد أن انتهيت من كتابة حلقات مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» أنه مسلسل عادى مثل بقية المسلسلات التى يعرضها التليفزيون. لم أكن أظنه يعتبر فتحاً جديداً فى عالم الدراما التليفزيونية ولم أعتقد أنه سوف يقلب الأمور رأسا على عقب ويزلزل عروش كتاب الدراما التليفزيونية، حيث قدم نور الشريف أداء مبهرا فى دور الحاج عبدالغفور البرعى نال إعجاب أهل مصر وأهالى الدول العربية جميعها وأثار الأحقاد والغيرة من أهل الدراما السائدة وتربع نور الشريف على عرش الدراما التليفزيونية منذ تلك الواقعة.
أيقظنى نور الشريف ليخبرنى بعد فترة قصيرة من مسلسل جلباب أبى بأنه يبحث عن موضوع جديد وطلب منى بالبدء فى الكتابة وأن أختار المنتج الذى أريده.
أعطيت الموضوع لصديقى المنتج ممدوح يوسف فتقدم على الفور بالموضوع إلى قطاع الإنتاج، حيث كان يتولى رئاسته فى ذلك الوقت مدحت زكى وعلى الفور وافق مدحت زكى على المشروع بعناصره واعترض فى بادئ الأمر على المخرج محمد النقلى الذى كنت وعدته بإخراج هذا المسلسل «عائلة الحاج متولى» فقد كان مدحت يرى أن المسلسل أكبر من النقلى ويحتاج إلى مخرج متمرس ولكنى أصريت أن يقوم محمد النقلى بالإخراج ووقف نور الشريف إلى جوارى فى هذا الأمر.
ذهبت أنا ونور الشريف وممدوح يوسف ومدحت زكى وقابلنا صفوت الشريف وزير الإعلام فى ذلك الوقت وعرضنا عليه المشروع فوافق الرجل على الفور وتمنى له التوفيق.
بصراحة شديدة كنت أظن أننى لن أكتب مسلسلا آخر سوف يلقى نجاحا مثل الذى لقيه مسلسل لن أعيش فى جلباب أبى، فقد حقق لى هذا المسلسل شهرة لم أكن أحلم بها ولم أكن أتوقع لمسلسل «عائلة الحاج متولى» سوى نجاحا معقولا، خاصة أنه لم يتعبنى فى كتابته أو ربما متعة كتابته هونت على نفسى التعب. ولكن ما حدث خلال وبعد عرض المسلسل يفوق كل توقع من جانبى ومن جانب نور الشريف ولم نكن نتخيل أبدا أن يحقق نصف هذا النجاح وأقل ما يقال عن نجاح هذا المسلسل أنه أقام الدنيا ولم يقعدها حتى الآن وقضى على شهرة أى مسلسل منذ بداية المسلسلات التليفزيونية حتى وقتنا هذا فكان بل ومازال يمثل عصا موسى التى ألقاها فابتلعت جميع الحيات.
وكان المسلسل الرابع الذى كتبته لنور الشريف هو مسلسل «العطار والسبع بنات» حيث يقوم فيه بدورين مختلفين وهما دور الأب التاجر المتصوف ودور الابن وهو مسلسل فى رأيى أكبر قيمة من مسلسل «عائلة الحاج متولى» ثم أعقبته بمسلسل «عيش أيامك» الذى يعالج قضية مهمة وهى الفتور الذى يعترى الزوج بعد سن الخمسين ويصل إلى مرحلة مراهقة متأخرة. والغريب فى الأمر أننى فوجئت بعد عرض المسلسل بفيلم أمريكى بعنوان «كل سنرقص» من بطولة ريتشارد جير يعالج نفس الموضوع قريب منه جدا فأدركت أن توارد الخواطر بين المؤلفين حقيقة لاتقبل الشك.
قام نور الشريف بطل هذه الشخصيات المتنوعة فى الخمسة مسلسلات التى كتبتها له باقتدار لايفوقه أى اقتدار وأصبح أداؤه لها بمثابة دروس مهمة فى فن التمثيل يجب تدريسه فى المعاهد الفنية.
كان الاتفاق بينى وبين نور الشريف على أن أكتب له مسلسلا مأخوذا من رواية «الإخوة كرامازوف» للكاتب الروسى العظيم دوستويفسكى وتحمس المنتج محمد فوزى لذلك. وبالفعل تعاقدنا وقمت بالكتابة واخترت للمسلسل عنوان «أولاد منصور التهامى» وفى أثناء الكتابة تسلل المرض اللعين إلى جسد نور الشريف، ولكن هذا لم يمنعه من مواصلة الجلسات بيننا ومناقشة الحلقات وإصراره على أن أنتهى من الحلقات. وبالفعل انتهيت من كتابة الحلقات والأمل يحدونى على أن يتغلب نور على محنته ويقهر المرض ولكنى كنت أراه يزوى أمامى وبدأت صورته التى كانت تتمثل أمامى دائما تتغير فبعد أن كنت أراه شابا يمتلئ حيوية ونضارة حتى عندما اشتعل رأسه شيبا فإذا بالمرض اللعين يتوغل فى افتراسه ولم يتركه سوى حطاما، ولكن الغريب أننى رغم كل هذا كنت أحب أن أسمع حديثه الذى يبدو دائما متوهج الفكر ويشير إلى حبه للحياة والتطلع دائما إلى الغد، حيث يأتى الجديد. ولكن ماذا نقول وإرادة الله فوق فى كل شىء.
رحل عنا نور الشريف بجسده ولكنه ترك لنا ما سوف يذكرنا به دائما وجعله شمعة تضىء من التمثيل فى السينما والمسرح والدراما التليفزيونية.∎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.