من زمان.... زمان قوي.. بيعيش إسكافي طيب عنده محل صغير جدا قد رجل الطفل إللي لسه ما داس ع الدنيا.. كل يوم الصبح يروح الدكان يكنس.. يرش المية قدام الباب ويبدأ يدق في الجزم.. في يوم هي دخلت عليه.. ست الحسن يمكن, ليلي يمكن, عبلة يمكن, ويمكن تكون قطر الندي... حس إن الدنيا داخلة معاها عليه.. فتح دراعاته وحضن الدنيا. - اتفضلي... قعدت.. مدت الرجل.. مرمر يمكن, لؤلؤ يمكن, مرجان يمكن, ويمكن تكون مجرد لحم. - أمرك؟ - جزمة. - أي نوع؟.. أي شكل؟.. أي لون؟ شاورت... مد إيده... رفع الجزمة.... لبستها.. ماس يمكن, بلور يمكن, قزاز يمكن.. لكن أكيد مش جلد... اتمشت.... - مناسبة؟ - مناسبة.. عايزة جزمة نفس الشكل, نفس النوع, لكن مش نفس اللون.... - بكرة تكون جاهزة. خرجت.... خرجت الدنيا معاها.. حس ان صدره فاضي, شرب بق المية وسأل نفسه... ياتري دي مين؟. طول الليل سهران.. دق أول مسمار في النعل.. شد أول خيط.. عمل أول عقدة ربطت بين النعل وبين الجلد وسرح... نفسي.... ونسي نفسه ف إيه.. لكن لما عدي أول واحد ورمي عليه السلام.. كان لسه طرف الخيط مشدودا في أول عقدة.. سابه ووقف علي الباب مستني... ع الظهر هلت عليه.. ضوء يمكن, نور يمكن, نار يمكن, ويمكن تكون برق.. سألته... - خلاص؟. مد إيده سلم.. رجع صوتها ف حلقه.. صدم صورتها بعينه وساب الإيد... - معلش بكرة بإذن الله. خرجت.. لقي الكرسي وراه وإلا كان مات واقفا.. طول اليوم إبرته في إيده لكن لاشاف وش ولا لمس نعلا, لا دق مسمارا ولا ربط خيطا.. بالليل خدته أحلام اليقظة لشوارع المدينة وحواريها.. لف كتير.. دخل بيوتا كثيرة لحد ما عثر عليها... وهم يمكن, سراب يمكن, حلم يمكن, ويمكن كمان حقيقة.. لأنه لما أول واحد رمي ف وشه السلام لقي الحال غير الحال و الهدوم غير الهدوم.. بص لنفسه في مرايته ومد إيده, حاول يخلص جزمتها لكن ما قدرش... جسمه يمكن, عقله يمكن, قلبه يمكن, ويمكن كمان روحه... ع الظهر.. مد إيده وسلم وطول السلام... - شاي؟ - شكرا. - استريحي. - شكرا. خلاص؟ - معلش, إحنا عايزين نعمل حاجة تستاهل الرجل دي.. بكرة وعليك خير... خرجت... قلبه اللي شافه لسه راجع... خرج تاني. ماحاولش يجري وراه ولا يعرف طريقه لأنه متأكد انه هيرجع, لأنه ماسكه من رجله... كام سنة.. مية... ألف... مليون... عدت؟.. ماحسبتش. ولا هو حسب ولا هي حسبت.. لكن في يوم بعد حلم الليل وسلام النهار هو شد الكرسي ولضم الإبرة وربط الفتلة وشد الجلد ع النعل وخزق الجلد بإبرته وعمل أول غرزة اللي جرت الثانية و الثالثة و الرابعة.. ع الظهر قطع الخيط.. كان الجلد وكان النعل اصبحا جزمة... عدت. - خلاص؟ - خلاص. - سلام عليكم. - هنشوفكوا؟ - لما ربنا يريد. ومشيت.. ليل يمكن, حريق يمكن, خراب يمكن, ويمكن كمان يكون موت. لما جه الليل.. اللي عمره ما جاب له معاه نوم... خدته أحلامه لشوارع المدينة وحواريها.. لف كتير.. شوارع وحواري.. دكاكين وبيوت.. أسواق.. زحام.. كثير.. كثير... لكن مالقهاش أبدا في أي مكان م اللي كل يوم بالليل كان في حلمه بيقابلها فيه... بكي يمكن, صرخ يمكن, شد الشعر يمكن, ويمكن كمان قطع الهدوم ونام بردان... سنة ولا مية ولا ألف ولا مليون... برضه ماحسبناش, لكن عمرها ما عدت وعمره ما نسي.... فتح محله يمكن, اشتغل يمكن, خرج جزما من تحت إيده يمكن, ويمكن كمان دخل الليل من غير ما يلف شوارع المدينة وحواريها.. لكن أكيد مانسيهاش.. ولسه جواه بحر ندم يمكن, حزن يمكن, ألم يمكن.. ويمكن كمان غضب.. بيخرجه من عينيه دموع كل ما سن إبرته يلمس جلد جزمة.. عارفين... غريبة قوي الدنيا دي. بقي لما الواحد يعمل اللي عليه تسيبه وتمشي وترفض حتي إنها تديله قلبه, اللي أكيد مايساويش عندها فردة جزمة...