وزير التنمية المحلية يهنئ رئيس مجلس الوزراء بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    رضا حجازي: مدارس التعليم الفنى تمثل أحد أهم سبل دعم الاقتصاد    إهداء درع جامعة القناة ل سهير أبو عيشة لبلوغها سن التقاعد    رئيس تضامن النواب: مصر في عهد السيسي دولة حقوقية من الطراز الأول    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروعَي مراكز القيادة التعبوي التكتيكي- فيديو    توريد 285 ألف طن من القمح لمواقع التخزين بالشرقية    550 ألف جنيه انخفاضًا بأسعار سيارات كيا الجديدة في مصر    رئيس وزراء بيلاروسيا: زيارتي لمصر خطوة جادة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية    مي عبدالحميد: ارتفاع سعر الوحدة السكنية أهم المعوقات التي نواجهها    رئيس اقتصادية قناة السويس يشهد وضع حجر أساس مصنع "شين شينج" لمواسير حديد الدكتايل    مصر وبيلاروسيا توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز مشاركة المستثمرين في سوق الأوراق المالية    وزير أوروبي يزور سوريا لأول مرة منذ 2011    طوكيو: لا مؤشرات على حدوث تسونامي بسبب ثوران بركان إندونيسيا    استشهاد فلسطينيين بقصف إسرائيلى لحى الشجاعية    مقتل 4 ضباط شرطة في مطاردة بولاية نورث كارولينا الأمريكية (فيديو)    تعرف على أكبر نتيجة في مباريات الأهلي والإسماعيلي    ليفاندوفسكي يرفض الاستسلام أمام لقب البتشيتشي    الإسماعيلي يعد بمفاجأة للاعبيه حال الفوز على الأهلي    "لا نملك وقتا للمران".. عدلي القيعي يطلب تعديل المسابقات المحلية وينتقد المنتخب    الحبس سنة لعامل بتهمة الاتجار بالمخدرات في القليوبية    إصابة شخص في انقلاب سيارة ملاكي أمام جامعة المنصورة الأهلية بجمصة    المشدد 5 سنوات للمتهم بإطلاق أعيرة نارية وإصابة طفل بالقليوبية    ضبط 2.5 طن دقيق بلدي مدعم قبل تهريبه بالسوق السوداء في الشرقية    حجازي: مدارس التعليم الفني تمثل أحد أهم سبل دعم الاقتصاد    رانيا يوسف: امتلاء قاعة عروض إسكندرية للأفلام القصيرة بالشباب شيء يفرح l خاص    مكتبة الإسكندرية تستقبل سفير فنلندا في مصر (صور)    أهدت ثوبًا للبابا يوحنا، وفاة أشهر مصممة لفساتين الزفاف في اليابان    رامي جمال بتصدر قوائم الأغاني الأكثر رواجا ومروان بابلو يتراجع    أحمد السقا يروج لفيلم السرب قبل طرحه في دور العرض غدا    استحقاق البنات في ذهب الأم المتوفاة.. الإفتاء توضح    أمينة الفتوى: "اربطيه بالعيال" مثل شعبي مخالف للشرع    استشاري الطب الوقائي: المنظمات الدولية تشيد بحملة 100 مليون صحة فى القضاء على فيروس c    أطعمة تساعد على النوم الهادئ وتقضي على الأرق    مدبولي: العلاقات الوثيقة بين مصر وبيلاروسيا تمتد في جميع المجالات    تدوير 4 معتقلين بالشرقية وتجديد حبس أحمد عرابي ومروة عرفة ومحمد سعد وعمر الدهمة    القيعي: يجب تعديل نظام المسابقات.. وعبارة "مصلحة المنتخب" حق يراد به أمور أخرى    عضو إدارة الأهلي: دوري الأبطال ليس هدفنا الوحيد.. ونفقد الكثير من قوتنا بدون جمهورنا    مساعد وزير الخارجية الأسبق: الجهد المصري لا يتوقف لتهدئة الأوضاع في غزة    البورصة تخسر، مؤشرات EGX تفقد 400 نقطة ببداية جلسة اليوم الثلاثاء    التضامن والنيابة العامة تنظمان الدورة التدريبية الأولى في أعمال الضبطية القضائية لموظفي الوزارة    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    أول بيان من «الداخلية» عن أكاذيب الإخوان بشأن «انتهاكات سجن القناطر»    وفد شركات السياحة المصرية بالسعودية يكشف تفاصيل الاستعداد لموسم الحج    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    المصل واللقاح عن "استرازينيكا": لا يوجد سبب يدعو للتخوف أو التوتر    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    وزير الإسكان: نعمل على الاستثمار في العامل البشري والكوادر الشبابية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    اليوم.. "الصحفيين" تفتتح مركز التدريب بعد تطويره    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    خليل شمام: نهائى أفريقيا خارج التوقعات.. والأهلى لديه أفضلية صغيرة عن الترجى    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التَّأسيس المعرفي للمثقَّف العربى
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 08 - 2017

لا تزال المدرسة العراقيّة فى مجال الدراسات النقديّة والفكريَّة والفلسفيّة غزيرة العطاء، مُتعمِّقة فى طرح الإشكاليَّات المعرفيَّة، مُتَخطية الواقع المأسوي، مُنْتجة فى كل الأزمنة، أزمنة السلم والحرب والفتن، مُنْطلقة من تراثها المعرفي، ولذلك تشكل عناصر النخبة العراقية فى جميع مجالات الفكر فى الداخل والخارج مرجعيَّات علينا أن نشدّ الرّحال إليها، بكل وسائل العصر بما فى ذلك الشَّبكة العنكبوتية، إذا كُنَّا نبغى التأسيس المعرفى لكل قضايانا، ومن عناصر النخبة العراقية يظهر مفكر بكل ما تعنيه الكلمة من معان مُستعملا أدوات العصر فى المجال البحثي، متواضعا حين يتعلق الأمر بمتابعة المنتج الإبداعى للشباب.. إنه الدكتور رسول محمد رسول.
لًسْتُ هنا بصدد سرد جوانب من ترجمة حياة الكاتب، وإن كان ذلك مهما للقارئ العربي، وإنما أسعى لإشراك القراء فى متعة الاطلاع على كتابه الأخير الذى صدر فى مايو الماضى عن مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام، وحمل عنوان «المُثقَّفُون فى القرن الأول الهجري»، وهو قفزة نوعية للمركز فى عالم النشر، حيث التركيز على النوعية أصبح الهدف الأساس للمشرفين على إدارة هذا المركز فى الفترة الأخيرة، ذلك أن الكتاب يُمثِّل تأسيساً معرفياًّ، على مستوى المصطلح وما يتبعه من دلالات مفاهيميَّة ومفهوماتيَّة وتطبيقات عملية، وفيه واصل رسول محمد رسول منهجيته وسعيه وهدفه فى البحث، التى تميزت بها كل كُتُبه الإبداعية منها والنقدية، الأدبية منها والفلسفيَّة.
وعلى ما فى عنوان الكتاب من جاذبيّة، إلا أنه فى حقيقة الأمر يحمل نوعاً من التواضع المعرفي، ف«رسول» لم يكتف بتصنيف المٌثقف من النَّاحية الزمنيّة، كما يتبادر إلى الذهن عند سماع العنوان أو قراءته بشكل عابر، إنما تخطَّاه إلى ما قبل الإسلام من جهة، وعَمَّقه بالصيغ المختلفة لمفهموم الثقافة واشتقاقتها كما فى القرآن والسنة النبوية، ووظَّف مقولات معاصرة الثقاقة، ونظريات غربية كما سنرى لاحقا للتدليل التعريفى للمثقف العربى المسلم تحديدا ودوره.
لا تكمن أهمية الكتاب فى طرح مسألة المثقف العربى ودوره للبحث، عبر زمن محدد، ولا تأريخية المفهوم، أو المفاهيم المتعلقة به فحسب، ولا حتى فى التحضير الفكرى لدراسة المثقف والثقافة عبر دراسات أمبيريقية مستقبيلية لمن أراد مزيدا من التعمق فى هذا الموضوع، وإنما فى مسالة أراها فى غاية الأهمية، وهي: استعادة الحق الضائع فى البحث من طرف المفكرين والفلاسفة للقضايا الكلية بطرحها أو إخفائها من طرف الدراسات الكلاسيكية الموسومة بالنقل على حساب العقل فى تاريخنا العربى الإسلامي، وكأن المؤلف رسول محمد رسول يدفعنا إلى مواجهة الواقع عبر قراءة واعية، ترفض أو تُصحِّح الأساليب القديمة للبحث، والتى انتهت بنا إلى التأسيس للفعل الدموى بتغييب العقل من جهة، وبالاستناد والاستعانة برؤى وأطروحات خاصة بعصور ما بعد تحريف الدين، وتطويقه بالسياسية وإخضاعه لها.
فى تفصيل القضايا عبر خمسة فصول، يذهب الكاتب إلى تسليط الحق عن الباطل، بما يقتضى ذلك من حجج دامغة، مُتقِصِّياً الحقائق أينما ووجدت، ومُتَقَفياًّ الأثر الإبداعى للشعراء والكتاب والأدباء فى فترة الجاهلية وإلى غاية نهاية القرن الأول الهجري.. هنا يتم الكشف عن جذور مصطلح «المثقف» فى المجتنع العربي، فهو: «صانع السيوف، صانع الأفكار، العالم الثَّقِف»، اما المثقفون العرب قبل الإسلام، فهم: «المعلمون، الشعراء، الكتاب، والخطباء»، والمثقفون فى القرآن، هم :«أًولُو العلم، العَالِمُون، الرَّاسخون فى العلم، الطائِفة المُثقَّفة، العلماء، أُوتُوا العلم».
من ناحية أخرى يذهب محمد رسول إلى تبيان الدور النبوى فى بناء النخب المثقفة عبر: «معلمى المجتمع الجديد، المسجد وما فيه من مجالس القرَّاء الُفقَهاء، العَالِم والعلم، الكتابة والكُتَّاب»، وهو أمر يتطلّب مزيداً من البحث، غير أن الكاتب، وهو يستعين بنظريات البحث الحديثة، ومن ذلك نظرية «انطونيو غرامشي«، للتدليل على ظهور المثقف العضوى فى المجتمع الإسلامي، يحاول دون قصد إصباغ رؤية معاصرة على وقائع سابقة عن النظرية، سواء تعلّق ذلك بالانتماء القبلي، أو بالانتماء الدينى والأيديولوجى على النحو الذى ذكره فى تصنيف المثقفين العضويين فى المجتمع الإسلامى من مثل:« فقهاء الصَّحابة، فُقَهاء التَّابعين، الحُفاظ، القُراء، الشُّعراء».
غير أن أهم قضية طرحها رسول محمد رسول فى نظرى هى تلك المتعلقة بالجمع بين الدين من حيث هو وحى وتنزيل وقواعد تحدد مسار حركة الفرد والمجتمع والأمة، وبين الثقافة من حيث هى حركة حياة، يحركها الدنيوى على حساب الديني، وقد فسرها من خلال تعريفه ما سماه بالمثقف الديني، حيث عرفه بالآتي: «المثقف الدينى هو الإنسان الذى يُعيد بناء المعرفة الدينية المنظمة بالانطلاق من منظومتها المرجعية، ويتوسل منهجها الإيمانى والعقلى والتجريبى لتوصيل خطاب الله والرسول (صلى الله عليه وسلم)، إلى الأمة أوالمجتمع الذى يعيش وينخرط فى مجالاته الممكنة أو المتاحة، لذلك يمكن القول إن كل المشتغلين فى الحقل الدينى من الذين ينتجون المعارف الدينية المنظمة هم مثقفون دينيون».
ورغم أهمية هذا التعريف، إلا أنه يصطدم بثلاثة أمور، أولها: ان الإسلام لا يؤمن باحتكار الإيمان، وما يتبعه من منتج ثقافي، أى أنه لا وجود لنخبة خاصة مهمتها إنجاز ثقافة دينية، ذلك لأنه ضمن قواعد ضابطة يتحدد السلوك، بما فى ذلك الفعل الثقافي، وثانيها: أن هناك توظيفاً خاطئاً للدين لجهة توصيل الخطاب للمؤمنين، حيث هناك خطاب واحد هو الخطاب الإلهي، والرسول مكلف بتوصيله فقط، وهذه نقطة خلاف جوهرية بين المدارس الإسلامية للدعوة وللفقه، وحتى للثقافة، وثالثها: أن المتشغلين فى المجالات الحياتية الأخرى، لا يعدون مثقفين دينيين، والحقيقة الإيمانية غير هذا، وهى تَنُصًّ فى فهمى على أن رسول محمد رسول يعدُّ مثقفاً دينياً بتأليفه لهذا الكتاب، وحتى عندما ألّف رواية: «يحدث فى بغداد»، أو حين قدَّم دراسات نقديَّة لعدد من الروايات.
لمزيد من مقالات خالد عمر بن ققه;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.