أقر البرلمان المجري قانونا يقضي بتشديد الرقابة على التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني، في توقيت جاء مواكبا لتصعيد ضغوط الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة على المجر. كان فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية اتهم «المنظمات غير الحكومية» التي يجرى تمويلها من مصادر خارجية، بالتدخل في الشئون الداخلية للمجر، وخص بالذكر المياردير الأمريكي، المجرى الاصل جورج سوروس بالوقوف وراء هذه المنظمات وتمويل نشاطها الذي وصفه بالتخريبي. وقال اوربان «ان سياسات سوروس تتسم بطابع غير ديمقراطي»، في الوقت الذي نعت فيه هذه المنظمات بأنها «تفتقد الشرف وتخضع لسيطرة المافيا». ومضى أوربان ليكيل انتقاداته ل «مؤسسة المجتمع المفتوح» التي أسسها سوروس في المجر، بسبب تدخلها في السياسة الداخلية للبلاد، وهو ما يعيد الى الاذهان ما سبق توجيهه من اتهامات محلية ودولية، الى «صندوق سوروس» بوقوفه وراء تدبير مخططات الاطاحة بالسلطات الشرعية في العديد من بلدان شرق اوروبا وتمويل ما اندلع من حركات و«ثورات ملونة»، على غرار «ثورة الورود» في جورجيا، وبعدها «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا في عام 2004، وهو ما تداولته الكثير من الدوائر السياسية والاعلامية، ولم ينفه الملياردير المجرى الاصل في حينه. وعلى صعيد ردود الفعل، نقلت وكالة «د ب ا» الالمانية عن سوروس اتهاماته لرئيس الحكومة المجرية بانه يريد تصوير سياساته كصراع شخصي بينهما، بينما أشارت الى تأليبه الجماهير من اجل «النهوض دفاعا عن الديمقراطية من الداخل»، ما دفع الحكومة المجرية الى توجيه الاتهام لسوروس بمسئوليته تجاه تفاقم الكثير من قضايا الداخل. بل ومضى بال فيرنر وزير العدل في حكومة اوربان الى ما هو أبعد باتهامه بالوقوف وراء الضغوط التي يمارسها الاتحاد الاوروبي ضد بلاده لإرغامها على قبول سياسة «المحاصصة» التي تفرض على المجر وأعضاء مجموعة «فيشجراد» قبول «النِسَب» التي أقرها الاتحاد الاوروبي دون موافقة بلدان المجموعة، من المهاجرين الذين كانوا تدفقوا على أوروبا واستقر معظمهم في ألمانيا وايطاليا. ومن موقعه كرئيس للدورة الحالية لبلدان مجموعة «فيشجراد» التي تأسست في مطلع تسعينيات القرن الماضي وتضم كلا من المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا، أعلن فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية عن وقوفه الى جانب الحكومة البولندية في حال فرض الاتحاد الاوروبي عليها عقوباته بسبب ما اتخذته من مواقف في اطار «الاصلاحات القضائية» التي تقضي بإعادة تنظيم المحكمة العليا وفرض تبعيتها للحكومة البولندية. كان أوربان اتخذ موقفا مماثلا، حين أعلن انحيازه لما اتخذته سلوفاكيا من مواقف تجاه رفض حصص الهجرة التي أقرها الاتحاد الأوروبي. وفي اطار مبررات ما اتخذه من مواقف، ربط أوربان بين هذه المشكلة وتعاظم أخطار الارهاب الدولي مؤكدا ضرورة البحث عن جذور هذه المشكلة من خلال حل الكثير من القضايا الاقليمية والدولية، وتكثيف التعاون مع بلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وفي هذا الصدد يذكر المراقبون في بودابست ما خلص اليه اجتماع رؤساء بلدان مجموعة «فيشجراد» مع الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته الاخيرة للمجر، من توصيات تقول بضرورة التعاون مع مصر وبقية بلدان منطقة الشرق الاوسط في مختلف المجالات بما فيها مشاكل الهجرة والارهاب الدولي، وهو ما علق عليه السفير محمود المغربي سفير مصر في بودابست في تصريحاته الى «الاهرام» بقوله :» ان رؤساء وزراء الدول الأربع أعضاء مجموعة «فيشجراد» اشادوا من جانبهم بدور مصر السياسي والأمني الحكيم في المنطقة، وهو موضوع كان على قائمة المباحثات الجماعية، كونه يمس المصالح الأوروبية». واضاف السفير المصري في المجر ان « بعض دول الاتحاد الأوروبي تعرضت لهجمات إرهابية ارتبطت في بعض منها، بتدفقات الهجرة غير المشروعة وغير المُنظمة على مدى العامين الماضيين». وأشار السفير الى «اشادة بلدان «فيشجراد» بما حققته مصر من نجاح في وقف الهجرة غير المشروعة انطلاقًا من حدودها البحرية وتفعيل قانون مكافحة الاتجار في البشر بنهاية عام 2016 والذي أوقف تمامًا الهجرة من السواحل المصرية». وقال ان «القيادة المجرية ادركت أن نتائج الزيارة وما يرتبط بها من مباحثات حول قضايا إقليمية وأخرى ذات صلة بأول قمة لمجموعة الفيشجراد تحت الرئاسة المجرية والثالثة مع دولة من خارج النطاق الأوروبي بعد اليابان والمانيا وكوريا الجنوبية، ستسمح للمجر ولدول وسط أوروبا بالاشتباك في قضايا أبعد من المحيط الأوروبي، بل ومع قضايا تمس الأمن المباشر للاتحاد الأوروبي ذاته، وهي قضايا الإرهاب والهجرة غير المشروعة». وتأتي أهمية تصريحات السفير المصري في بودابست من كونها إيضاحا مباشرا لما جرى التوصل اليه بين مصر والمجر من تفاهمات واتفاقات، قبل وصول بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية الى المجر في زيارة هي الاولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق وانتهاء التبعية للمعسكر الاشتراكي. وكانت هذه الزيارة التى جرت في يوليو الماضي أسفرت عن تأسيس مجموعة مشتركة لمكافحة الارهاب بين اسرائيل وبلدان مجموعة «فيشجراد. وطرح نيتانياهو الكثير من مجالات التعاون مع بلدان مجموعة الاربعة والاستفادة من «الامكانات الهائلة» لاسرائيل، ولا سيما في مجال الامن أو التكنولوجيا الحديثة. ومن اللافت في هذا الشأن ما جرى الاعلان عنه في ختام زيارة نيتانياهو لبودابست حول «عقد اللقاء المقبل مع رؤساء حكومات وبلدان مجموعة فيشجراد في العام المقبل 2018 في القدس»!.