السؤال الذى يشغل بال الكثيرين عن جماعة الإخوان، هو : هل ظاهرة العمل المسلح السرى كانت وليدة لحظة الاعتصام فى رابعة والنهضة؟ أم أنها ظاهرة لها تاريخ طويل منذ نشأة الجماعة فى عشرينيات القرن الماضي! إن اعتصام جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديهم فى ميدانى رابعة العدوية والنهضة، يمثل حقبة فارقة فى التنظيم ومؤيديه من القوى الإسلامية، بحيث يمكن أن يؤرخ سياسيًا به لما قبل وما بعد، أما فترة الاعتصام التى استمرت ما يقارب ال 41 يوما متصلة فهى تعد استمرارًا لحقبة ما قبل رابعة ولكن بوسائل أخري. بالرغم من اتجاهات العنف التى عبرت عن نفسها فى أيام الاعتصام، ما بدا خلالها من خطاب سياسى عدائى تجاه الدولة والمجتمع بعد إسقاط حكم الجماعة، إلا أن التاريخ كاشف عن أن العمل السرى المرتبط بالعنف المسلح ليس وليد لحظة الاعتصام، إنما سابق عليه بعقود زمنية طويلة. فإذا استثنينا الحقبة الناصرية، فإن تاريخ العمل السرى كما يؤكد القيادى السابق بالجماعة الإسلامية الشيخ نبيل نعيم يعود للحقبة الساداتية، فمنذ خروجها من السجون الناصرية على أيدى الرئيس الراحل أنور السادات فى سبعينيات القرن الماضي، كان لدى الجماعة تنظيم شبابى سرى يتم تجهيزه حال الصدام مع الدولة. وكان أول ظهور مسلح لهذا التنظيم فيما عرف إعلاميًا ب «ميليشيا جامعة الأزهر». أما خلال حقبة رابعة فقد ظهر حسب توصيف نعيم تنظيم »المجموعة 93» المسلحة الذى ترأسه وزير الشباب الإخوانى الدكتور أسامة ياسين، الذى ارتبط بعلاقات وثيقة ما بمجموعات القاعدة فى سوريا عبر القيادى هشام العشماوي، وكانت تلك الفترة بداية تدفق أموال الدعم القطرى للعمل المسلح ضد الدولة المصرية. وأنه بعد فض اعتصامى رابعة والنهضة، انقسم هذا التنظيم المسلح للعديد من الجماعات كان أبرزها أربع مجموعات: مجموعة حركة سواعد مصر «حسم»؛ لواء الثورة؛ الجيش المصرى الحر؛ وأخيرًا العمليات المتقدمة. وكان المسئول التنظيمى فى الخارج عن تلك المجموعات أيمن عبد العزيز زوج بنت القيادى الإخوانى خيرت الشاطر، وفى الداخل الدكتور محمد كمال الذى قتل خلال اشتباك مع الشرطة قبل شهور. إذ أنيط بالأول تنظيم عمليات التدفقات المالية وشراء السلاح والروابط مع تنظيمى القاعدة وداعش فى سوريا، بدعم قطرى كبير، أما الثانى فقد أنيط به تنظيم العمل المسلح الداخلى وخطط استهداف مؤسسات الدولة. ويؤكد نعيم أن التعاون بين جماعات الإخوان المسلحة وتنظيم ولاية سيناء من قبل تنظيم بيت المقدس، يعود للمكالمة الشهيرة التى تمت بين زعيم تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهرى ومرسى عبر هاتف مساعده فى رئاسة الجمهورية آنذاك الدكتور محمد رفاعة الطهطاوي. والهدف الذى يجمع هؤلاء محاولة إسقاط دولة 3 يوليو. بينما اعتبر نائب المصريين الأحرار ووكيل جهاز الاستخبارات الأسبق حاتم باشات أن فض اعتصامى رابعة والنهضة كان نهاية لظاهرة إرهابية أفرزت تيارات متطرفة، وإن جماعة الإخوان بحثت عن وسائل وآليات جديدة والتلون بألوان مختلفة لضمان البقاء داخل المشهد، وتنفيذ مخططاتها الإرهابية عبر أفراد وجماعات بمسميات مختلفة. وأنهم استطاعوا حسب توصيفه تجنيد عدد من جماعات التيار الإسلامى الأخرى مثل الجماعة الإسلامية والسلفية ، فضلا عن عناصر من تيارات وحركات شبابية ، بعضها يتخذ فى الظاهر الخطاب المعتدل لخداع الرأى العام والآخر لتنفيذ مخططات تخريبية. ويقدم القيادى السابق بالجماعة الإسلامية الدكتور ناجح إبراهيم تصوره لطبيعة الهياكل التنظيمية لتلك التنظيمات المسلحة بقوله: كل تنظيم من تلك التنظيمات عبارة عن مجموعة تسمى العنف الفردى العشوائي، وهى ليست مسجلة فى قوائم الأمن، فضلا عن أنها تستخدم الإمكانيات المحلية ولم تعد بحاجة إلى المزيد من الأموال لتنفيذ العمليات كما كان الحال من قبل وبعد فض اعتصامى رابعة النهضة، كما يوجد فى كل مجموعة منها خبير واحد هو من يقود 5 أفراد، وإذا ما تم القبض على مجموعة فمن الصعب أن ترشد عن المجموعات الأخري، فضلا عن أنها فصائل عنقودية وتضم شبابا لديه ثأر لمشاركته بالاعتصامين، حيث إن خطابها كان مأساة، فخطابها كان تكفيريًا حربيًا استعلائيًا . ولذا ينظر لتلك التنظيمات مجتمعة بوصفها المسئول الأول عن العنف المسلح الذى ساد مصر بعد 14 أغسطس 2013. وتكونت تلك التنظيمات أساسًا من شباب الجماعة حسب توصيفه الدكتور ناجح إبراهيم بعد الصراع الذى نشأ بينهم وبين شيوخ الجماعة الذين رفضوا فكرة العنف المسلح، إلا أن القبض عليهم وسلسلة الأحكام التى صدرت بحقهم جميعًا أضعفت من نفوذها وسيطرتهم على شباب الجماعة. ويؤكد الشيخ نبيل نعيم أن عناصر تلك المجموعات تلقوا تدريبات مكثفة عسكرية واستخباراتية داخل معسكرات فى ليبيا وسوريا تحديدًا، ولا يقتصر الإعداد على العمل المسلح فحسب، وإنما يشمل أيضًا كل المقومات النفسية والبدنية، ما يفسر عمليات دعم واستمرار التعبئة للعمل المسلح المستمرة حتى الآن دون انقطاع. وفقًا للعديد من المصادر فإن أبرز رموز العمل المسلح فى تلك التنظيمات الأربعة الموجودة الآن خارج مصر: يحيى السيد موسي، ومحمود محمد فتحى بدر، وأحمد عبد الهادي، وعلى بطيخ، ومحمد جمال حشمت صلاح الدين، وخالد صلاح الدين فطين. أما فى الداخل فأبرزهم: محمد رفيق مناع، وحمدى طه العبثي، والهلال عمر نصر، بالإضافة إلى أحمد عمر دراج، ومحمد على إسماعيل بشر. وتدار معظم عمليات العنف المسلح من تركيا وقطر عبر غرف عمليات تتسم بقدر عال من الحركة والحيوية. واعتبر باشات أنه بالرغم من وجود قيادات الجماعة بالخارج بعدد من الدول ، وعلى رأسها تركيا وقطر إلا أن أتباعها فى مصر لا يزالون موجودين لتنفيذ المخطط الذى تعتقد الجماعة أنه قد يعيدها لسدة الحكم مرة أخرى ، موضحا أن العمليات الإرهابية التى حدثت فى مصر طوال الفترة الماضية أثبتت بالدليل القاطع ضلوع هذه الجماعة فيها ، ووجود تنظيمات وحركات أخرى تحمل مسميات مختلفة. وأن تلك التنظيمات المسلحة وغيرها مسميات ما هى إلا كيان واحد له أهداف واحدة، كشفته الأحداث الماضية، موضحا أن الأجهزة الأمنية بجميع أقسامها أحبطت تلك المخططات، وثبت للرأى العام من يقف وراءها. وبينما يقدم اللواء فؤاد علام الخبير الأمنى ووكيل مباحث جهاز أمن الدولة الأسبق وعضو اللجنة القومية لمواجهة الإرهاب وجهة نظر مخالفة، بقوله إن جماعة الإخوان الإرهابية لا تأثير لهم حاليا، فقد فقدوا شعبيتهم بسبب منهجهم الذى يعتمد على العنف والإرهاب وسفك الدماء فهم لا وجود لهم الآن إلا فى السجون والقيادات الهاربة بقطر وتركيا وليبيا التى تريد بكل الطرق نشر الفوضى بمصر. وأشار إلى أن الإخوان فقدوا حتى المتعاطفين معهم بسبب أعمالهم الإجرامية فى حق الوطن والمواطنين، فهم دائما يفكرون فى كيفية فشل الدولة المصرية سياسيا واقتصاديا ،ويرتبطون بتنظيمات خارجية كل هدفها زعزعة الاستقرار فى البلاد.