تلقيت في بريدي هذا الأسبوع الرسالتين التاليتين: أكتب إليك بعد أن قرأت رسالة الزوجة التي اعتاد زوجها الإسراف والتبذير بشكل مبالغ فيه, وأري أن مشكلة الإسراف موجودة لدي النساء أكثر من الرجال, فلقد واجهت هذه المشكلة مع زوجتي، وبحت بها لبعض الأصدقاء المقربين, أملا في أن أجد حلا لها, فاكتشفت أن الكثيرين منهم يعانون نفس المشكلة التي اعانيها مع زوجتي, وإن اختلفت الأسباب, فصديقي المقرب تستنزف زوجته كل أمواله, وتخترع الحجج وأبرزها لوازم البيت حتي وإن كانت غير ضرورية لكي تأخذ النقود باستمرار, والسبب في ذلك أنها غير واثقة في نفسها وتخاف دائما أن يتزوج عليها, وتظن أن استنزاف أمواله لن يبقي لديه من المال ما يكفيه للزواج بأخري, أما زوجتي فهي مصابة بمرض «المنظرة», وأهم شيء لديها أن تلبس علي الموضة، وأن تجدد مجوهراتها كل فترة, وأن تشتري أحدث أجهزة التليفون المحمول, وكل شيء يمكن أن تتفاخر به امام الناس وتدعي به الثراء, وعلي النقيض يسير حال البيت, فمقابل ذلك الاسراف غير المبرر في الملبس والمظاهر الخادعة والكاذبة أصبح من الطبيعي ألا تتوافر مواد غذائية أو أطعمة تكفينا حتي نهاية الشهر حتي انني أستدين أحيانا ما نكمل به احتياجاتنا، أما العجيب فهو أن راتبي كبير, ونقيم في شقة تمليك، لكن دخلى كله يذهب إلي أشياء عديمة الفائدة وفي غير محلها, وقد حاولت بدل المرة عشرا أن أصلحها ولكن دون فائدة, فالوسط الذي تختلط زوجتي به هو السبب فيما وصلت إليه, وقد اكتشفت بمحض الصدفة من أزواج صديقاتها ممن تربطني بهم علاقة وثيقة أن جميعهن يتظاهرن بالغني ويصرفن مقابل ذلك آلاف الجنيهات في أشياء لا طائل منها, والهدف هو المنظرة ولا شيء غيرها ولا أدري كيف أعالج زوجتي من هذا المرض الذي سوف يجعلنا في وقت قريب علي البلاطة؟! .................. رسالتي إليك عن الفشخرة, وأرجو أن تعذرني علي هذا التعبير الغريب فهو يعبر عن حالة المباهاة الممزوجة بالاسراف والمنظرة وانفاق المال في غير محله فجميع هذه الأشياء تندرج تحت مسمي «الفشخرة», وهي عادة دخيلة علي مجتمعنا, وقد يتبادر إلي الأذهان أن الأغنياء هم المسرفون وحدهم، ولكني درست هذه الظاهرة بتمعن فاكتشفت شيئا غريبا, وهو أن نسبة الفقراء المسرفين قريبة جدا من نسبة الأغنياء, انظر حولك وأنت تسير في أي حي شعبي أو عشوائي, فستجد أن أغلبية الشباب في هذه المناطق يحملون أغلي أجهزة «الموبايل» التي تتمتع بمواصفات ومميزات ليسوا في حاجة إليها كالكاميرات المتعددة والدخول إلي الإنترنت وغيرها, المهم لديهم اقتناؤها وانفاق الأموال لشرائها من أجل الفشخرة، وأعتقد أن اصلاح هذا العيب في مجتمعنا يجب أن يبدأ من الكبار ثم الشباب, فالوزارات مثلا تنصح الموظفين بعدم الاسراف، بينما تنفق هي نفسها الأموال لنشر التهاني وإقامة الحفلات بلا مبرر, وكذلك الأب الذي يقوم بأفعال المباهاة والمفاخرة يجب أن يمتنع عن ذلك حتي لا يقلده أطفاله, والخطير في هذا الموضوع والذي لم يلتفت إليه أحد, هو أن الذين يحبون الفشخرة لو لم تتوافر لديهم الأموال حتي يكملوا الواجهة الاجتماعية الزائفة التي يعيشون فيها, قد يسرقون أو يرتكبون أي جريمة من أجل الحصول علي الأموال لتغطية أوضاعهم وصورتهم أمام المجتمع وأمام الناس الذين يظهرون لهم بمظهر مخالف لمستوي معيشتهم, أما الزوجات اللاتي اعتدن الاسراف، واستنزاف جيوب أزواجهن علي حساب البيت والأبناء فأذكرهن بقول الله تعالي: «ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا»، وقول الرسول صلي الله عليه وسلم: «كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة». ................... وتعليقا على هذه القضية أقول: ليت المبذرين والمبذرات يدركون أن الوسطية في كل شيء، هي أعظم المناهج للنجاح في الحياة، والتغلب علي العقبات, ومواجهة الأعاصير والرياح, فالتبذير يؤدي بصاحبه إلي المهالك, والبخل يجعل الحياة ضنكا.. وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي: «ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك, ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا». وما أكثر الرسائل التي يروي كاتبوها لي فيها قصصهم مع التبذير, وكيف أنهم وجدوا أنفسهم فجأة أمام اختبار من اختبارات الحياة, فإذا هم يتخبطون ولا يعرفون كيف يتصرفون فلجأوا إلي الاستدانة وكتابة ايصالات أمانة علي أنفسهم وكان مصيرهم السجن, مع أنهم لو اتبعوا منهج الوسطية لما وصلوا إلي ما هم فيه، وهذه هى الحقيقة الغائبة عنهم. أيتها الزوجة المسرفة: «اعملي حساب اليوم الذي سوف تحتاجين فيه إلي كل مليم تصرفينه في غير محله, فليس بالمظاهر يحيا الإنسان» وإنما بالتفكير العقلاني وبترتيب أمور البيت والمعيشة، ويا كل المسرفين: اعتدلوا في مصاريفكم, ولا تكونوا إخوان الشياطين.