انتظرت طويلا أن تصدر جامعة الدول العربية بيانا تحتج فيه علي الأقل علي مهاجمة الطائرة التركية للأجواء الإقليمية السورية, خصوصا بعد أن اعترف جول رئيس تركيا بذلك.. لكن للأسف لم يحدث.. ثم تذكرت أن الجامعة تأتمر بأمر غيرها من القوي الاستعمارية الكبري, وبالتالي فإن الاعتداء علي سوريا هو أمر تتمناه جامعة الدول العربية منذ زمن.. برغم أن ذلك لا ينص عليه ميثاق الجامعة التي تعتبر سوريا عضوا مؤسسا فيه.. والحق يقال إن الجامعة أصبحت مع الأمانة الحالية وربما الماضية أيضا, جامعة معارضة وليست جامعة دول أو نظم أو شعوب!! والدليل علي ذلك احتضان الجامعة لمؤتمر المعارضة السورية, وتلاسن البعض وتشاجر البعض الآخر.. والجامعة في شغل عن ذلك.. المهم أن نقول للسيد الأمريكي لقد نفذت ما أمرت به.. كما نقول لبعض دول الخليج لقد نفذت المخطط الأمريكي وبصفتكم تعملون عمل أمريكا بالنيابة أو الوكالة.. فأرجو أن تحاطوا علما! وهكذا تتحول جامعة الدول العربية الي سوط عذاب علي سوريا التي تتمني إسرائيل وأمريكا بالطبع أن تزال من علي الخريطة ولا يصبح لها وجود, لأنها لم تصادق إسرائيل وترفع عاليا صوتها تجأر بالشكوي لصالح الحق العربي الفلسطيني.. وتدافع عن هذا الحق بقوتها اذا لزم الأمر, المهم لقد وجدت أمريكا والقوي الغربية ضالتها المنشودة في المسماة: المعارضة السورية التي توظفها والحال هكذا كمخلب القط برغم أنها غير متجانسة ويتصور بعض معارضي الخارج أنهم سيصبحون رؤساء في سوريا كحال الرئيس التونسي الذي كان يجلس مع بعضهم علي تيراس المقاهي الباريسية يوما ما.. وقبل أن يتهمني البعض منهم والاتهام سهل علي ألسنتهم بأنني موال للنظام السوري, أقول موضحا عدة حقائق: أولا: أن النظام في سوريا مثل بقية النظم في الدول العربية لا يخلو من استبداد.. والمؤسف أن المعارضة اياها تعتمد علي استبداد لكي تكافح استبدادا. ثانيا: إنني كعربي أدين العنف والقتل بالعشرات الذي يحدث في سوريا ولا أوافق عليه, وأري أن حياة الشعب السوري أغلي من أي نظام حكم آني ومستقبلي! ثالثا: أن آلة القتل لا تقتصر علي الجيش النظامي السوري فحسب, وانما تشترك معه المعارضة في الداخل والخارج وتتورط بعض النظم العربية بالتسليح تارة أو بدفع الأموال تارة أخري, أو بالاثنين معا, كما أن بقاء النظام في سوريا لمدة عام ونصف العام يؤكد أن غالبية الشعب السوري معه ويؤمن تماما بالمؤامرة التي تحيكها القوي الغربية وتنفذها المعارضة وبعض الدول العربية. رابعا: إن حالة السيولة التي تعيشها مصر وانشغال القوي السياسية فيها بالشأن الداخلي المصري, والوقيعة التي حدثت بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية جعلت المعارضة السورية تملأ الإعلام المصري وتتحدث وكأن مصر توافق علي مقولاتها التي تظهر الحق وتبطن الغدر! لكن هيهات أن يستمر هذا الأمر طويلا, فإسرائيل أعدي الينا من النظام السوري المفتري عليه.. وسوريا تقف حجر عثرة في طريق حلم إسرائيل من النيل الي الفرات! وأمريكا لا تعادي سوريا إلا لأنها أي سوريا لم تحاول أن تكسب ود إسرائيل وتضمن لها الأمن القومي الذي تريد.. كما تري أمريكا أن سوريا ولا أحد غيرها هي التي تقف في طريق تحقيق حلم الشرق الأوسط الكبير.. فاختلقت ما يسمي بقانون معاقبة سوريا وحظرت الأجواء الأمريكية علي بعض الدبلوماسيين السوريين, وجمدت أموال البعض من قبيل التضييق علي النظام السوري لكي يرضخ! خامسا: استخدمت أمريكا نفرا من المعارضة السورية, وأجبرت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية لكي تبرز أخبارها.. ووزعت عليهم أسماء مثل التنسيقيات, والجيش الحر, والمرصد, وكلها أسماء لا أساس لها.. وكثفت الحديث عنها في وسائل الاعلام الدولية بحيث لا تفتح أي فضائية إلا وتجد أخبار المعارضة وكأن الدنيا قد أعقمت وليس فيها سوي أنباء المعارضة السورية! وقد قال لي أحد أقطاب المعارضة اياها في مصر إن له حسابا شخصيا مع النظام السوري الذي سجنه وسجن ابنه, وبالتالي لقد انضم الي جماعات المعارضة لكي ينتقم لنفسه! الشيء نفسه سمعته من قطب معارضة بارز في باريس عندما قال إنه حصل علي درجة الدكتوراه ثم عاد ليجد نفسه مدرسا في المرحلة الابتدائية.. ولما رفض النظام تصعيده عاد الي العاصمة الفرنسية ثم تحين الفرصة وقاد المعارضة ضد النظام انتقاما لنفسه.. المؤسف أنني لم أسمع من أي منهما أي حديث عن الشعب السوري الذي يتباكون عليه اليوم في الليل ويقتلون منه العشرات في النهار! سادسا: وهذا سؤال أسوقه لجماعات المعارضة جميعا كيف تريدونني أن أصدقكم وأنتم تنادون بالتدخل الأجنبي العسكري في سوريا.. ما معني يا قوم المناداة والاستغاثة بالبند السابع في مجلس الأمن غير أن تستباح سوريا ويموت فيها الآلاف بدلا من العشرات.. وبماذا يا قوم تشتهون وماذا تريدون لسوريا غير الدمار.. ألم يتدخل الغرب في العراق.. فما هي أخبار العنف الذي يضرب أطناب المجتمع هناك.. والضحايا الذين يتساقطون كالذباب. سابعا: كيف تريدونني أن أصدق أمريكا والقوي الغربية الأخري.. ألم تتدخل أمريكا في العراق بحجة أن هناك أسلحة دمار شامل!! أم نسيتم هذا وتظنون أن أمريكا لم تصدق في العراق وسوف تصدق معكم؟! كما أنكم يا قوم تبيعون كل شيء من أجل حفنة مطامع وعدد من الكراسي تطمحون الي الجلوس عليها لكن يجب أن تتحصنوا ببلدكم سوريا, وليس بالجنسيات الأجنبية التي تحملونها وتكفوا عن لعبة الاستقواء بالخارج التي لعبها آخرون في زمن مضي.. وكانت النتيجة أن احترقوا. لقد خلطت جماعات المعارضة السورية الأوراق وظنت أن المسمي بالربيع العربي الذي نجح في دول عربية مثل تونس ومصر وليبيا واليمن سوف ينجح في سوريا.. لكن هيهات.. فأمريكا سوف تدفع لكم وسوف تقنع ذيولها في الدول العربية لكي تقوم بتسليحكم لكن اذا بقي النظام في سوريا ستكون هي أول المعترفين به.. ولكم يا قوم في تاريخ الأكراد درس وعظة! ألم تسألوا أنفسكم لماذا يتحدث الغرب عن جماعات المعارضة في سوريا وينسي أن يتحدث عن المعارضة في البحرين!! أو لعله يتناسي ارضاء للبحرين ودول أخري في المنطقة.. ونكاية في دول أخري! لا أحد يلوم الغرب اذا كانت له اجندات, فالسياسة الدولية علمتنا أن العلاقات الدولية تبني علي المصالح المشتركة.. لكن اللوم عليكم أنتم لأن الحكومات في سوريا زائلة لكن سوريا باقية.. وأنتم قد رضيتم الاستقواء بالخارج وبعتم الغالي والنفيس من أجل حفنة من الوعود.. كيف تريدون بعد كل ذلك أن أصدق أنكم تعملون من أجل الشعب السوري!! المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي