استكمالا للحديث حول أهمية نقد الثورة ومراجعة مسيرتها من أرضية الفهم الصحيح لجميع الظروف التي أحاطت بها وأسهمت في تقدمها للأمام معظم الأحيان وتراجعها للخلف في بعض الأحيان أذكر أنني قرأت للأستاذ محمد حسنين هيكل- ولا يملك أحد أن يشكك في حبه لعبد الناصر وحماسه لثورة يوليو- أن عبد الناصر كانت لديه حساسية مبكرة من تعبيرات الزلفي والتملق التي بدأت تطفو علي السطح في منتصف السينيات لكي تختصر ثورة يوليو في مصطلحات تحمل اسم الناصرية والناصريين وأن جمال عبد الناصر- علي حسب كلام هيكل في حديث مع صلاح عيسي نشرته صحيفة الموقف العربي في7 أكتوبر عام1984- كان كثيرا ما يقول: إن مشكلتي الكبيرة هي في الذين يختارون علمي ورايتي... وكان يقول أيضا: إنني أستطيع أن أختار أفكاري لكنني لا أختار أنصاري ومن ينسبون أنفسهم إلي.. هناك كثيرون يقفون تحت سارية العلم الذي رفعته لكنهم ليسوا بالضرورة جميعا شيئا واحدا. وإذن فإن من الظلم لثورة يوليو أن يتم اختصارها في شخص عبدالناصر وحده لكي تتحول عملية تقويم ونقد الثورة نقدا موضوعيا إلي ساحة للتراشق بين الناقمين علي شخص عبدالناصر بحق أو بغير حق ومن يتوهمون أنهم وحدهم أصحاب الحق التاريخي في الدفاع عن الثورة باستبدال قميص عبدالناصر بعباءة الثورة. نعم إن عبدالناصر هو مفجر الثورة وقائدها ولكننا نظلمه ونظلم تاريخنا عندما نترك أنفسنا أسري لجدل سخيف بين من لا يرون في ثورة يوليو إلا إنجازات عبدالناصر وحده, وبين أولئك الذين لا يرون في ثورة يوليو إلا أخطاء عبدالناصر وحده. وأظن أن الجدل المثار- بغير مبرر- حول القائد الحقيقي للثورة وهل هو محمد نجيب أو جمال عبد الناصر أو أنور السادات?! إنما يمثل غيابا مهينا لمنهج الحوار الموضوعي بعد أن تحولت حجج المؤيدين والمعارضين لدور عبد الناصر إلي صراع بين المتحمسين للثورة كحق خالص لعبد الناصر وحده وبين الناقمين عليها الذين وجدوا في قميص محمد نجيب أو قميص أنور السادات فرصة لاختصار كل تجاوزات وسلبيات الثورة في شخص ناصر وحده. .. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: الشجاعة في الامتناع عن ارتكاب الخطأ قبل فوات الأوان! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله