فقدت الصحافة المصرية واحدا من أكثر الرجال المحترمين بين أبناء جيله, كان سلامة أحمد سلامة من القلة النادرة من الكتاب والصحفيين الذين عرفتهم عن قرب طوال نصف قرن ممن كان لديهم حصانة ضد النفاق والانبطاح لأوامر السلطان. كان أول لقاء لي مع سلامة أحمد سلامة يوم التحاقه للعمل بالأهرام في مبناه القديم والتاريخي في شارع مظلوم بباب اللوق في عام1968 قدمه لي الأستاذ محمد حقي رئيس قسم الترجمة- قسم الأخبار الخارجية فيما بعد- كان حقي وسلامة صديقين منذ الطفولة وزميلين في فصل دراسي واحد في مدرسة المحمدية الابتدائية, ويقيمان في منزلين متجاورين بحي الحلمية الجديدة الذي يقع بين القلعة وباب الخلق, ولم يفترقا حتي تخرجهما معا في كلية آداب القاهرة عام1954, محمد حقي من قسم الأدب الانجليزي وسلامة من قسم الفلسفة.التحق سلامة بالعمل صحفيا في أخبار اليوم وخلال عامين اكتشف الاستاذ مصطفي أمين رحمه الله قدراته ومواهبه, فاختاره, مراسلا في العاصمة الألمانية- في ذلك الوقت- بون ومن هناك كان يتنقل بين العواصم الأوروبية يغطي كل أحداث القارة, ولمع اسم سلامة بسرعة من خلال رسائله الصحفية, وعاد من ألمانيا بعد عشر سوات, وكان يكتب بانتظام تعليقاته علي الأحداث العالمية. محمد حقي عمل بالأهرام وكان أول صحفي يتخصص في الشئون الافريقية, وفي عام1968 عين رئيسا لقسم التحقيقات الخارجية, ولم يجد أفضل من صديق عمره ليتعاون معه في عمله الجديد, فانتقل سلامة للعمل بالأهرام. تولي سلامة رئاسة الديسك المركزي, وفي منتصف السبعينيات اختاره الرئيس الراحل أنور السادات ليرأس تحرير جريدة حزب مصر وكان السادات يكتب بين حين وآخر مقالا علي صفحة كاملة, وفي إحدي إجازاته في قريته ميت أبو الكوم أصيب الرئيس السابق بحالة إسهال شديد, وكتب مقاله عن مرضه ومعاناته وأسهب في شرح آلام إسهاله واضطراره للذهاب عدة مرات إلي دورة المياه, وسألت سلامة بعد قراءاتي لمقال السيد الرئيس الذي أثار استفزازي: كيف تسمح بنشر مثل هذا الهراء المثير للغثيان فابتسم وأخرج لي بروفة للمقال وقد حذف منه كل العبارات البعيدة تماما عن الذوق وأصول الكتابة ولكن عندما عرضت الصفحة في شكلها النهائي ليعتمدها السادات أعاد كل العبارات التي حذفها سلامة!! ولم يستمر سلامة رئيسا لتحرير جريدة حزب مصر لأكثر من عام واستقال منها. في أول التسعينيات عين مديرا لتحرير الأهرام, وظل عشرين عاما رقم2 في الأهرام بعد رئيس التحرير ولأنه كاتب مستقلا يحترم نفسه وقلمه وصاحب رسالة في كشف فساد وعورات مبارك وعصابة حكمه, ولأنه لم يكن لديه أدني استعداد للانحناء ومسح البلاط, فقد فضل باختياره ان يظل رقم2. لكن نصف قرن من الاخلاص والأمانة والتفوق المهني ودماثة الخلق لم تكن كافية خلال حكم المخلوع وصفوت الشريف وعملائهما في الصحف القومية, للسماح للكاتب الكبير ليواصل نشر عموده اليومي من قريب في الأهرام, فالرئيس لم يعد يحتمل مزيدا من النقد, والحزب الوطني الذي يديره جمال مبارك واصدقاؤه رجال الأعمال والباحثون في العلوم السياسية كضيعة ورثها عن والده, لم يكن يرشح للمناصب القيادية في الصحف القومية سوي عملاء الحزب وخدمه. لقد دفعه رجال مبارك والشريف لأن يترك الأهرام التي قضي فيها ثلثي عمره. وتصادف خروج سلامة من الأهرام في الأسبوع نفسه مع الكاتب الكبير فهمي هويدي الذي كان هو الآخر يكتب أفضل مقال في الصحافة المصرية كل ثلاثاء علي نصف صفحة, لكن قصة خروج الكاتبين الكبيرين من أهرام مبارك لم تكن سوي انعكاس صادق لمحنة وكارثة الصحافة القومية طوال سنوات حكم المخلوع. المزيد من مقالات مصطفي سامي