كثيرا ما كانت هناك تساؤلات فى أمريكا نفسها وفى الدول الغربية، عما إذا كان هناك نظام حزبى حقيقى فى الولاياتالمتحدة، بالمقارنة بالأحزاب فى أوروبا التى يمثل وجودها عنصرا أساسيا لممارسات ديمقراطية حقيقية، حيث أن لكل حزب هويته المحددة وإنتماء أعضائه لحزبهم، بالإضافة وهذا هو الأهم، إلى الدور الفعال الذى يقوم به الحزب فى هذه البلاد بالوجود وسط المجتمع والاتصال المباشر بقضاياه، والقيام بدور فى حلها، بحيث يشعر الرأى العام بأن الحزب السياسى جزء من حياته اليومية. وهناك سؤال تردد بين المحللين فى الولاياتالمتحدة كثيرا، وهو هل هناك فارق حقيقى بالمفهوم الحزبى بين الحزبين الرئيسيين فى الولاياتالمتحدة، وهما الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى، اللذين يتناوبان الرئاسة والحكم دون منافس حقيقى لهما؟. أحد كبار الكتاب السياسيين فى أمريكا، وهو بول كروجمان، حاول الرد على هذه التساؤلات فى مقال، حلل فيه أساسا وضع الحزب الجمهورى ومواقفه من الرئيس دونالد ترامب. يقول كروجمان إن الحزب الديمقراطى هو عبارة عن ائتلاف جماعات مصالح، وبعض أعضائه يتفقون مع بعضهم حول أفكار معينة، لكن مع وجود الكثير من الاختلافات، ثم إن السياسيين من قيادات الحزب يدعمون مواقعهم من خلال عقد صفقات مع بعضهم، بتفادى الخلافات داخل الحزب. أما الحزب الجمهورى فعلى العكس من ذلك، يعد كتلة متناغمة وحركة تعبر عن المحافظين، الذين تجمعهم أيديولوجية متشددة ولهم آراء سياسية تركز على خفض الضرائب على الأغنياء قبل أى شىء آخر. بالنسبة للحزب الديمقراطى فإن له مواقف مناصرة لرجال الأعمال، والديمقراطيون يرون أن هناك إختلافا بينهم وبين الجمهوريين حول فلسفتهم تجاه القضايا العامة مثل الضرائب، ودور الحكومة، الذى يرى الجمهوريون تقليصه، والضمان الاجتماعى والرعاية الصحية والهجرة، وتقييد القوانين التى تسمح بحمل البنادق. وفى القضايا الإقتصادية يؤيد الديمقراطيون فرض ضرائب أعلى على أصحاب الدخول الكبيرة. وبالنسبة للإنفاق العسكرى فهم من أنصار تقليل ميزانية الإنتاج العسكرى، ويؤيد معظمهم عقوبة الإعدام، مع وجود جناح قوى فى الحزب الديمقراطى يعارضها، بعكس الجزب الجمهورى الذى يؤيد أغلب أعضائه عقوبة الإعدام, أما عن المهاجرين ففى الحزب الديمقراطى قطاع كبير يرى إعطاء الجنسية للمهاجريين غير الشرعيين، الذين عاشوا فى الولاياتالمتحدة خمس سنوات ولم يخالفوا أى قانون أو يرتكبوا أى جرائم. بينما يقف الجمهوريون عموما ضد الهجرة غير الشرعية. وهناك دراسات أجرتها مؤسسات متصلة بالحزب الديمقراطى، قالت إن الديمقراطيين يصفون آراءهم السياسية بأنها صارت ليبرالية، وأن عدد من قالوا هذا الرأى يمثلون 41 % من أعضاء الحزب، بينما قال 21% إنهم يتبنون فكرا محافظا. وبصفة عامة فإن الديمقراطية الأمريكية، بعكس معظم الديمقراطيات الأوروبية، ليست برلمانية، فالبرلمانات فى أوروبا عموما، لها اتصال مباشر وتأثير على الحياة الحزبية، والحزب أمامه مجال متسع من الحركة فى كافة مجالات الحياة. أما الحزبان، الجمهورى والديمقراطى فى أمريكا، فلهما سيطرة على السلطة السياسية. والنظام الحزبى فى بعض دول أوروبا عميق الجذور، وبريطانيا على سبيل المثال لها تاريخ عريق فى سجل الأحزاب السياسية التى كان بداية ظهورها عام 1649. وتطورت الأحزاب من صورتها الأولية لتصل إلى وجود حزبين رئيسيين هما حزب المحافظين وحزب العمال، بالإضافة إلى أحزاب صغيرة. وحزب العمال منقسم بين تيار متشدد ووسط معتدل ملتزم بالرعاية الإجتماعية، خاصة بالنسبة للطبقات الأقل دخلا، وتؤيده نقابات العمال والمنظمات الإجتماعية الأخرى. وعلى الرغم من أن حزب المحافظين يعتبر الممثل الأبرز للفكر اليمينى المحافظ، فإن أفكاره شهدت تطورا فى السنوات القليلة الماضية، نتيجة للأزمة المالية العالمية عام 2008، ونجاح تجارب دول صاعدة فى آسيا وأمريكا اللاتينية، ومع معاناة المواطنين فى بريطانيا من ارتفاع تكاليف المعيشة، وضغوط نظام إقتصاديات السوق قرر حزب المحافظين الاتجاه إلى التخفيف من قيود الفكر المحافظ فى المؤتمر السنوى للحزب عام 2010، وتبنى أفكار تؤيد إمكانية تدخل الدولة فى السوق، وحماية قضايا الرعاية الإجتماعية. وبالنسبة لبقية دول أوروبا، فقد بدأت تظهر تغييرات فى تشكيل النظام الحزبى التقليدى، مما أوجد تنوعا فى داخلها، وبالتالى صارت الأحزاب تضم توجهات متنوعة، من يمين إلى يسار ووسط، مما جعل بعضها أشبه بمن يضم فى داخله إئتلافا وليس الامتزاج الفكرى التقليدى بين الأعضاء فى كل حزب. وإذا رجعنا إلى النظام الحزبى فى أمريكا، يرى بعض المحللين أن الانقسام الذى ظهر داخل الحزبين أثناء إنتخابات الرئاسة الأخيرة، يمهد لتشكيل تحالفات جديدة داخل كل حزب، وتحول البعض من حزبهم إلى الحزب الآخر المنافس. وحاليا يتوقع عدد من المحليين تغييرا فى نظام الحزبين المستمر من عشرات السنين، واحتمال إنقسام الحزب الجمهورى ذاته، وظهور حزب ثالث للتعبير عن موقف جماهيرى، بعد أن أظهرت أن الإنتخابات الأخيرة تضاؤل ثقة الناخبين فى النخبة وفى الأحزاب ذاتها. ثم إن اختلاف النظام الحزبى فى أمريكا عن مثيله فى أوروبا، يظهره أيضا وجود تيارات من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، لكنها تلتقى معا حول اعتناق مواقف سياسية واحدة خاصة فى السياسة الخارجية، وهو ما جعل البعض يرى أن الحزبين فى أمريكا عبارة عن تجمعات للمصالح أكثر منها تعبير عن إنتماء سياسى وحزبى. وأكبر مثال على ذلك كان غزو العراق عام 2003، ممثلة فى الحزب الجمهورى الحاكم وقت الغزو، فقد أعلنت شخصيات سياسية كبيرة فى الحزب الديمقراطى تأييدها لقرار غزو العراق، بالرغم من أن هذا القرار نابع من أفكار الحزب الجمهورى نفسه، واعتراض قيادات فى نفس الوقت داخل الحزبين على قرار الغزو، وهو ما يؤكد عدم وجود موقف سياسى واحد، ولكن مواقف فردية تعبر عن مصالح بعيدا عن رأى الحزب أو أعضائه.