«الوطنية للانتخابات» تعلن جاهزية اللجان الانتخابية لاستقبال الناخبين    محافظ البحيرة تتفقد مدرسة STEM.. أول صرح تعليمي متخصص لدعم المتفوقين    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    «القومي للمرأة»: تشكيل غرفة عمليات استعدادا لانتخابات مجلس النواب    موفدو الأوقاف بالخارج يدلون بأصواتهم في انتخابات مجلس النواب بمقار السفارات والقنصليات المصرية (صور)    «العمل» تعلن اختبارات منح التدريب المجانية بالمعهد الإيطالي لتأهيل الشباب    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    «المشاط» تتلقى تقريرًا حول تطور العلاقات المصرية الألمانية واستعدادات انعقاد المفاوضات الحكومية    ارتفاع حصيلة العدوان على قطاع غزة إلى 69.176 شهيدا و170.690 مصابا    ضبط زوجين إيرانيين يحملان جوازي سفر إسرائيليين مزورين بدولة إفريقية    بعد فيديو الشرع وكرة السلة.. ما الهوايات المفضلة لرؤساء العالم؟    المجلس التشريعي الفلسطيني: إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة المدى بالضفة لتهجير شعبنا    تحسين الأسطل : الأوضاع في قطاع غزة ما زالت تشهد خروقات متكررة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    توروب يعلن تشكيل الأهلي لمباراة الزمالك    ياناس يا ناس زمالك عايز الكاس .. كيف حفز الأبيض لاعبيه قبل مواجهة الأهلى بالسوبر ؟    «الداخلية» تكشف حقيقة فيديو دهس مواطن بالإسكندرية    ضبط 69 مخالفة تموينية متنوعة في 7 إدارات بالقليوبية    فضيحة داخل المستشفى.. ننفرد بنشر قائمة العقاقير المخدرة بمستشفى تخصصي بشبرا    أثناء سيره في الشارع.. مصرع شاب طعنًا في قنا    أشرف العشماوي ناعيا الروائي مصطفى نصر: ظل مخلصا لمكانه وفنه حتى النهاية    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    «تنتظره على أحر من الجمر».. 3 أبراج تقع في غرام الشتاء    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    مرفت عمر بلجنة تحكيم مهرجان ZIFFA في السنغال    على مدار 6 ايام متواصلة.. قوافل طبية وتوعوية تقدم خدماتها ل 8984 مستفيد بأسيوط    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    صينية القرنبيط بالفرن مع الجبن والبهارات، أكلة اقتصادية ومغذية    توقيع مذكرة تفاهم بين التعليم العالي والتضامن ومستشفى شفاء الأورمان لتعزيز التعاون في صعيد مصر    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    ما حكم الخروج من الصلاة للذهاب إلى الحمام؟ (الإفتاء تفسر)    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    استخرج تصاريح العمل خلال 60 دقيقة عبر "VIP إكسبريس".. انفوجراف    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    التنسيقية: إقبال كثيف في دول الخليج العربي على التصويت في النواب    صرف تكافل وكرامة لشهر نوفمبر 2025.. اعرف هتقبض امتى    القاهرة تحتضن منتدى مصر للإعلام بمشاركة نخبة من الخبراء    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    تأجيل محاكمة 10 متهمين بخلية التجمع لجلسة 29 ديسمبر    «كفاية كوباية قهوة وشاي واحدة».. مشروبات ممنوعة لمرضى ضغط الدم    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    جاهزية 56 لجنة ومركز انتخابي موزعة على دائرتين و 375543 لهم حق التوصيت بمطروح    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسجد نيويورك والموجة الجديدة للعداء للإسلام في أميركا / علاء بيومي
نشر في محيط يوم 21 - 08 - 2010

مسجد نيويورك
والموجة الجديدة للعداء للإسلام في أميركا


* علاء بيومي

علاء بيومي عضو مؤسسة كير
في اعتقادي أن قضية مسجد نيويورك وما يثار حولها من جدل في الآونة الأخيرة هي مؤشر على موجة جديدة وخطيرة من موجات العداء للإسلام – أو الإسلاموفوبيا – في أميركا، موجة ظن المتابعون - قبل سنوات قليلة - أنها بعيدة عن شواطئ القارة الأميركية

الظاهرة التي أتحدث عنها هي صعود اليمين الراديكالي الجديد في الولايات المتحدة - والذي بات واضحا خلال العامين الأخيرين – مما هوى بحركة العداء للإسلام في أميركا حاليا إلى مستويات غير مسبوقة تثير القلق

فمن كان يتصور قبل عامين أو ثلاثة أن تشهد المدن الأميركية مظاهرات تعج بالمتظاهرين المطالبين بوقف بناء مسجد وترفع شعارات تهاجم الإسلام ذاته وتطالب بخروجه من أميركا تحت أعين الإعلام الأميركي، بل ويخرج سياسيون كبار لدعم تلك المظاهرات ومطالبها ونشرها في ولايات مختلفة

وذلك حتى باتت قضية مسجد نيويورك – والذي يسعى بعض المسلمين الأميركيين لتأسيسه بالقرب من موقع أحداث 11-9 – قضية سياسية وطنية أميركية بامتياز استدعت تدخل الرئيس الأميركي، والذي دعم حق المسلمين الأميركيين في البناء المسجد، مما عرضه لهجوم واسع من الجمهوريين وعلى أعلى مستوي، قبل أن يتراجع باراك أوباما في اليوم التالي عن تصريحاته نسبيا، ويعلن انتقاده لفكرة بناء المسجد ذاتها كفكرة "غير حكيمة"

أكثر من ذلك باتت قضية مسجد نيويورك قضية انتخابية بامتياز حيث أعلن سياسيون جمهوريون في ولايات مختلفة عن معارضتهم لبناء مسجد نيويورك، مع أن قضية المسجد كان من المفترض أن تكون قضية محلية خاصة بولاية نيويورك ذاتها، ولا تمت بصلة لسياسي مرشح في ولاية جنوبية

كما أن مؤسس المسجد – الإمام فيصل عبد الرؤوف – سبق وإن احتفلت به وسائل الإعلام الأميركية لسنوات وقدمته على أنه مسلم "معتدل"، نظر لتوجهاته "الصوفية"، في مقابل التوجهات الإخوانية والسلفية وبعض التوجهات الإسلامية الحركية الأخرى التي عادة ما ينتقدها الإعلام الأميركي باعتبارها توجهات "متشددة"

كما بدأنا أيضا نسمع عن حملات إعلانية تحرض على "ترك الإسلام" وعن كنيسة أميركية تريد "حرق القرآن" في ذكرى 11-9، وعن تنامي متزايد لمنظمات معادية لوجود الإسلام في أميركا بشكل أساسي، وذلك على غرار منظمتي "أوقفوا أسلمة أميركا" و"ترحك من أجل أميركا"، وعن صلات تنظيمية تربط سياسيين أوربيين متطرفين – ينتمون لليمين الأوربي الراديكالي الجديد – كالسياسي الهولندي جريت ويلدرز - والمنظمات الأميركية سابقة الذكر

أكثر من ذلك خرج سياسيون أمريكيين كبار على غرار نوت جينجريتش – قائد ثورة الجمهوريين في عام 1994 والطامح للتنافس على مقعد الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة (2012) - وسارة بيلين – نائبة جون ماكين في انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة (2008) – لتأجيج الجدل الدائر حول مسجد نيويورك على الرغم مما ينطوي عليه من إساءة للإسلام

تطور حركة العداء للإسلام في أميركا

من يعتقدون أن التطورات الأخيرة عادية أو غير جديدة، وأن أنها مجرد ردة فعل لبناء مسجد بالقرب من موقع 11-9، أو أنها مجرد سوء فهم للإسلام والمسلمين، عليهم أن يعودوا بالذاكرة إلى الوراء بعض السنوات أو تحديدا لقبل أحداث 11-9

فمن خلال متابعتنا لظاهرة العداء للإسلام في أميركا على مدى أكثر من عقد، نعتقد أن تلك الظاهرة تنمو بمعدلات سريعة ومفاجئة – وربما صادمة

معدلات كان يصعب التنبؤ به في الماضي، مما يجعلنا نشعر بقلق جديد تجاه المستقبل

فقبل 11-9 لم تكن هناك "حركة" معادية للإسلام، ولم تكن هناك "إسلاموفوبيا"، فمستوى العداء للإسلام في تلك الفترة كان يدور حول مفاهيم وظواهر مختلفة تماما

كان الحديث في أوساط المنظمات المسلمة الأميركية المعنية والإعلام والأكاديميين عن بعض "الخبراء المتشددين" المعنيين بقضايا "الإرهاب" على غرار ستيفين إمرسون ودانيال بايبس والمرتبطين بأجندات خارجية واضحة، هذا بالإضافة إلى الحديث عن "صدام الحضارات" و"الخطر الأخضر" و"اندماج المسلمين الأميركيين" وربما "الإستشراق"

كان الأمر مختلفا تماما، ففي عقد التسعينيات كانت أميركا في زهو انتصارها في الحرب الباردة والقطبية الأحادية وثورة التكنولوجيا، كانت أميركا قوية لا تخشى أحدا

وعندما وقعت أحداث الهجوم على برج التجارة العالمي في 1993 وأوكلاهوما في 1995، توجه البعض للهجوم على الإسلام والمسلمين، وعكف البعض كإمرسون وبايبس على مهاجمة مسلمي أميركا ومنظماتهم ومحاولة ربطهم بقضايا السياسة الخارجية الأميركية كصراع الشرق الأوسط

ولكن ظل الجو العام هادئا و"تحت السيطرة"، وظل الإسلام والمسلمون في أميركا ظاهرة هادئة بعيدة عن دائرة الضوء، ظاهرة يقترب منها الخطاب السياسي الأميركي العام ببطء وتأني

فبعض المنظمات الحكومية والمدنية فتحت أبوابها أمام المسلمين وبعضها أغلقتها، لكن لم تكن قضية "وجود الإسلام والمسلمين في أميركا" قضية رأي عام أميركي، فوجودها الرئيسي كان بدوائر محدودة مهتمة ومدفوعة بأجندة خاصة سلبية أو إيجابية

قضية رأي عام

بعد 11-9 تغيرت الأمور كثيرا فقد تحولت قضية "العلاقة بين الإسلام وأميركا" إلى قضية "رأي عام أميركية" باقتدار

كما تبلور في الجدل الواسع الذي دائر بعد 11-9 تحت عنوان "لماذا يكرهوننا؟"، فهجمات 11-9 - والتي مثلت الهجوم الأكبر على الأراضي الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية - دفعت الأميركيين إلى التساؤل عن أسبابه

وبالطبع لم يكن المسلمون داخل أميركا أو خارجها مستعدين أو حتى مؤهلين بشكل كافي للارتقاء إلى مستوى الحدث أو للإجابة على هذا السؤال إجابة صحيحة وواسعة وحاسمة داخل أميركا وبلغة يفهمها الأميركيون

وحتى الآن يمكن القول أن المسلمين لم يجيبوا على السؤال السابق، فكل ما نشاهده هي محاولات محدودة – حتى لو كانت كبيرة نسبيا – لتوعية الأميركيين بموقف الإسلام والمسلمين من أحدث 11-9

بمعنى أخر فتحت أحداث 11-9 الباب على مصراعيه لكل من لديه أجندة معادية للإسلام والمسلمين لكي يروجها مستغلا جهل الأميركيين بالإسلام، وتهور قادتهم السياسيين (كما ظهر في حربي أفغانستان والعراق)، وضعف قدرة المسلمين على الرد والتعامل مع الرأي العام الأميركي

إرهاصات الإسلاموفوبيا الأميركية

في ذلك الوقت بدأت إرهاصات ظاهرة العداء للإسلام والمسلمين في الظهور، وبدأت البيئة الأميركية تتشكل لاستقبال تلك الظاهرة ورعايتها

على المستوى السياسي شنت الإدارة الأميركية حربين خارجيتين على أفغانستان والعراق مما ضمن استمرار المواجهة الدامية بين أميركا ودول عربية ومسلمة لسنوات مقبلة

كما شن بوش ووزيره عدله جون أشكروفت سلسلة حملات للتضييق على منظمات إغاثة مسلمة أميركية وبعض منظمات المسلمين الأميركيين، مما أسس لظاهرة "الخوف من الإسلام الداخلي" أو "الطابور الخامس" كما يحلو للبعض تسميتها

على المستوى الأكاديمي نشر برنارد لويس مقاله "لماذا يكرهوننا" ليؤسس لموجة أبحاث أكاديمية تنشر فكرة أن الخلاف بين أميركا والعالم الإسلامي قيمي ذا جذور بعيد وراسخة

كما انتعشت صناعة "خبراء الإرهاب" وباتت كتابات إمرسون وبايبس وغيرهم تدرس وتنشر على أوسع نطاق، وبالطبع تم ذلك برعاية المحافظين الجدد وبعض قيادات المسيحيين الصهاينة المقربين لبوش

مرحلة الإسلام الفاشي

في مرحلة تالية بدأت تحالف نخبوي يتشكل في واشنطن ويساهم في نشر ثقافة الخوف من الإسلام على أوسع نطاق دون أن يروج لها علانية ودون أن يتحول إلى حركة سياسية واضحة المعالم في الشارع الأميركي

هذا التحالف تكون من بعض كتاب المحافظين الجدد المشغولين بتبرير الحروب القائمة والمزيد منها، والمسيحيين الصهاينة المنتقدين للإسلام والداعين لسياسة أكثر تشددا في الشرق الأوسط، وخبراء الإرهاب الذي توغلوا وتوغلت كتاباتهم في المؤسسات الأمنية والسياسية الأميركية، وبعض قادة الحزب الجمهوري المنتمين للجناح الأكثر يمينية من الحزب

لذا طلت بعض التصريحات المسيئة للإسلام في خطابات الإدارة الأميركية مثل مصطلح "الإسلام الفاشي" و"الإسلام الراديكالي"

وكان ذلك إذانا بتوغل أفكار قطاع متشدد من "خبراء الإرهاب" و"المحافظين الجدد" والباحثين اليمنيين في الخطاب الرسمي للدولة

الجدل حول إسلام أوباما

يمكن القول أن أخطاء الإدارة الأميركية في العراق وداخل أميركا والتي صعدت على السطح بقوة - خلال الفترة من 2005 وحتى 2007 - غطت على خطاب الفريق السابق خلال الفترة ذاتها، حيث تراجعت الإدارة الأميركية للدفاع عن نفسها وتراجع معها أصوات اليمين الأميركي الأكثر راديكالية

ولكن خلال حملة انتخابات 2008 صعدت ظاهرة العداء للإسلام بقوة وتحولت لأول مرة لقضية رأي عام أميركي، وذلك من خلال الهجوم على جذور أوباما الإسلامية بسبب أبوه المسلم ونشأته في بلد مسلم (إندونيسيا)

حيث جعل تحالف الإسلاموفوبيا من خلفية أوباما الإسلامية هدفا لحملاته، والتي تعرضت للإسلام وجعلت منه "تهمة" تتطلب التنصل منها، كما تمكنت ظاهرة الإسلاموفوبيا ومفاهيمها من الدخول في الخطاب السياسي الأميركي على أعلى مستوى دون اعتذار أو تخفي

وبهذا أصبحنا أمام أزمة حقيقية جديدة تتمثل في تراجع ما يسميه الأميركيون بظاهرة "المقبول سياسيا"، وهي ظاهرة تحدد ما هو مقبول أو غير مقبول على مستوى الخطاب السياسي الأميركي

فنقد الإسلام بعد 11-9 كان يمثل ظاهرة "غير مقبولة" سياسيا لأنها تعرض صاحبها لنقد شديد من قبل السياسيين والإعلام ومنظمات المجتمع المدني في أميركا

لذا عندما اعترض أحد القساوسة المقربين لبوش على وصفه الإسلام بأنه "دين سلام" بعد 11-9، كان من السهل انتقاد القس وتصريحاته لأنه الخطاب السياسي الأميركي في تلك الفترة كان يرى أن وصف الإسلام وهو دين بهذه الطريقة هو "أمر غير مقبول سياسيا"

ويجب هنا الإشارة إلى أن تشكيل ما هو "مقبول" أو "غير مقبول" في الخطاب السياسي في دولة كبيرة كأميركا هو أمر في غاية الصعوبة يتطلب سنوات وربما عقود من العمل السياسي والإعلامي المنظم وعلى كافة المستويات

فالتغير في الخطاب السياسي الأميركي تجاه الأفارقة الأميركيين – على سبيل المثال – احتاج لقرون لكي تحسن

اليمين الراديكالي الجديد

كان من المفترض أن يساهم فوز أوباما بالرئاسة الأميركية في تراجع ظاهرة الإسلاموفوبيا داخل أميركا بسبب تصريحات أوباما الإيجابية في حق الإسلام كدين وفي حق الشعوب الإسلامية

ولكن يبدو أن خطاب الإسلاموفوبيا ونخبه والقوى السياسية الداعمة له وجدت حليفا جديدا دفع بالإسلاموفوبيا إلى أفاق بعيدة أو هوة ساحقة كان يصعب تخليها من قبل

فقد حظرت منظمات حقوقية مختلفة من صعود جماعات "كراهية تعد أكثر تطرفا من يمين الحزب الجمهوري

الجماعات السابقة تضاعفت خلال العقد الأخير وانتشرت بقوة في العامين الأخيرين بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة بأميركا ومعدلات البطالة المرتفعة (حوالي 10%)، وهزائم أميركا في حروبها الخارجية، وتصاعد المنافسة الدولية لأميركا من الصين، وتراجع المكانة الأميركية في العام بشكل عام، وهي عوامل انعكست على ثقة الأميركيين في أنفسهم

ويبدو أن الأزمات السابقة أخلت بتوازن أميركا والمواطن الأميركي، لذا وقع بعضهم فريسة "لجماعات الكراهية" والتي تتشابه كثيرا مع ما "جماعات اليمين الراديكالي الأوربية"

الجماعات الأوربية انتشرت بوضوح في أوربا في أوائل العقد الحالي، وهي أحزاب تمثل امتداد للأحزاب العنصرية والفاشية والنازية الأوربية التي انتشرت في فترة ما بين الحربين العالميتين

الجماعات الأوربية الجديدة تبنت شعارات يمينية وطنية متطرفة معادية للأجانب، ولكنها رفعت في نفس الوقت شعارات الديمقراطية وحرية الرأي وحقها في تمثيل نفسها

بمعني أخر طالبت أحزاب اليمين الراديكالي الأوربي الجديد بحقها في النزول إلى الشارع وتمثيل أنفسها والعمل على السطح وخوض الانتخابات وفقا لمبادئ الديمقراطية

فلم ترفض الأحزاب الجديدة الديمقراطية أو تحاول الانقلاب عليها بل طالبت الديمقراطية الأوربية بأن تضمن لها حقها في العمل على السطح وتنظيم المظاهرات وتعبئة الناخبين لأجنداتها المتطرفة

أميركا ليست كفرنسا

الأميركيون كانوا ينظرون إلى تلك الجماعات على أنها بعيدة عن شواطئ أميركا، لذا عندما فرضت فرنسا قوانين تحد من حق مسلمات فرنسا في ارتداء الحجاب في المدارس العامة في عام 2004 كان رد الفعل الأميركي الرسمي والعام بالتندر والسخرية

بل عقد الأميركيون مئات المقارنات في وسائل الإعلام، وأرسلوا مسلمون أميركيون إلى أوربا ليشرحوا لمسلمي أوربا والعالم كيف أن أميركا لا تقبل بهذا التمييز ولا تعرف علمانية كعلمانية فرنسا ولا جماعات معادية للأجانب والمسلمين مثل فرنسا وبعض دول أوربا

الأميركيون كانوا يرون أن علمانيتهم ليست معادية للدين، وأن الحقوق والحريات المدنية والدينية مكفولة بالدستور، وأن البيئة الأميركية لا ترحب بالأحزاب اليمينية الراديكالية، وأن النظام الحزبي الأميركي لا يعرف سوى حزبين رئيسيين هما الحزب الجمهوري والديمقراطي، وأن إمكانية ظهور أحزاب يمينية راديكالية صغيرة على غرار ما يحدث في أوربا هو أمر مستبعد إن لم يكن من رابع المستحيلات

في المقابل رأي البعض أن ظروف الحزب الجمهوري الأميركي باتت متشددة بشكل يثير للقلق، وأن صعود الحزب الجمهوري خلال العقود الثلاثة الأخيرة جاء على حساب تنازله عن الوسطية والتحرك نحو مزيد من اليمينية والشعوبية والعداء للدولة

حفلات الشاي الأميركية

خلال عام 2009 عرفت أميركا ظاهرة ما عرف بحركة "حفلة الشاي" الأميركية، وهي حركة يمينية تقع سياسيا على يمين الحزب الجمهوري بسبب أفكارها الراديكالية والتي تكاد ترفض الحكومة وسياسياتها بشكل كامل

وهي حركة جماهيرية عرفت من خلال مظاهراتها وخلال قربها من سياسيين يمينيين - مثل سارة بالين - ومن خلال رفضها لمختلف سياسات الرئيس أوباما، وقد رأى البعض أن الحركة باتت تثمل الامتداد الراديكالي الأكثر شهرة لليمين الأميركي

ما نراه حاليا، هو أن جماعات "كحفلات الشاي" الأميركي والتي تلعب دوارا متزايدا في أوساط اليمين الأميركي وفي أزمة مسجد نيويورك، وأن بعض الجماعات المعادية للإسلام مثل "أوقفوا أسلمة أميركا" و"الحملات الإعلانية المسيئة للإسلام، هي جميعها مظاهر لدور اليمين الأميركي الراديكالي الجديد والذي كان يخشى من ظهوره في أميركا

ظهور تلك الحركات يعني أن ظاهرة الإسلاموفوبيا تحولت إلى "حركة جماهيرية" لها وجود على الساحة السياسة الأميركية، وتخطت حواجز ظاهرة "المقبول سياسيا" والتي تحطمت خلال حملة انتخابات الرئاسة الأميركية الأخيرة

هذا يعني أن ظاهرة الإسلاموفوبيا أو "العداء للإسلام" تطورت خلال السنوات التسعة الأخيرة بسرعة كبيرة، حيث تحولت من كتابات وتصريحات إعلامية يطلقها بعض "خبراء الإرهاب المتشددين" قبل 11-9، إلى بعض المصطلحات في خطاب الإدارة الأميركية وكتابات الأكاديميين بعد 11-9، ثم إلى قضية سياسية في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، ثم إلى حركة سياسة جماهيرية في الوقت الراهن

نظرة قلقة نحو المستقبل

تبلور الإسلاموفوبيا بهذا الشكل وفي فترة وجيزة نسبيا – لا تتعدى 9 سنوات - يعني أننا أمام "حيوان سياسي" ينمو بسرعة مقلقة، وإننا قد نشاهد قريبا تطورات أخرى أكثر خطورة لظاهرة الإسلاموفوبيا في أميركا

فدخول مرشحي اليمين الراديكالي للمؤسسات السياسية الأميركية الكبرى مثل الكونجرس وربما البيت الأبيض قد يساعد على تحول أفكارهم إلى سياسات معادية للإسلام والمسلمين في أميركا وخارجها عن طريق سن قوانين وتشريعات معادية للأقلية المسلمة الأميركية أو للمهاجرين المسلمين إلى الولايات المتحدة، ناهيك عن تبعاتها على السياسة الخارجية الأميركية

وهنا يشير البعض أن موجة التشريعات السلبية الخاصة بالمهاجرين غير الشرعيين في ولايات مثل أريزونا قد لا تكون سوى مقدمة لحركات جديدة تستهدف الأجانب والمهاجرين، حملات بدأت بالأميركيين من أصل لاتيني وقد تضم المسلمين والمهاجرين من بلدان مسلمة في وقت قريب

كما نخشى أن تستفحل الظاهرة خلال حملة الانتخابات الأميركية المقبلة في نهاية العام الحالي، بأن تتحول ظاهرة بناء المساجد – على سبيل المثال – أو أي مظهر إسلامي أخر – إلى قضية سياسية يتنافس عليها المرشحون

وبهذا قد نسمع قريبا عن مرشح مع بناء مسجد وأخر ضده، أو عن مرشح مع بناء مدرسة إسلامية وأخر ضده، أو مرشح يسئ للإسلام وأخر ضده

نمو الإسلاموفوبيا بهذه السرعة يستدعي التدخل بكافة الوسائل لمواجهتها، وربما يكون أضعف الإيمان حاليا هو دراسة تلك الظاهرة وجذورها وعلاقاتها البينية

فنحن نعتقد أن دراسة العلاقات التي تربط بين الفاعلين الرئيسين في ظاهرة العداء للإسلام سوف يساعدنا على الأقل في فهم كيفية نمو هذه الجماعات بسرعة، وكيف تدعم بعضها بعضا، وكيف تتعاون مع نظيرتها الأوربية

أما العمل على الأرض الأميركية لمواجهة تلك الظاهرة فسوف يحتاج لمؤسسات وجهد منظم وأموال طائلة نخشى من عدم توافرها بسهولة مما قد ينذر بمستقبل أكثر تشاؤما .


*كاتب مصري مقيم في نيويورك
عضو مؤسسة" كير "
www.alaabayoumi.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.