الاهرام 23/12/2007 تثير الأزمة التي نشبت بين رياسة تحرير صحيفة الوفد ورياسة حزب الوفد الذي يصدرها, تساؤلات ربما يكون قد آن الأوان لطرحها حول دور ومستقبل الصحافة الحزبية في مصر, وبدون الدخول في تفاصيل الخلاف الذي نرجو أن تكون قد تمت تسويته, فنحن نذهب إلي أن الصحافة الحديثة قد تجاوزت منذ عقود أشكال وأنماط الصحافة كما نعرفها في مصر, فلم تعد هناك في الدول الديمقراطية المتقدمة صحافة حكومية( قومية) كما لم تعد هناك صحافة حزبية بل أصبح التحدي الحقيقي أن تكون الصحيفة موجهة للجميع, تستجيب لرغبات وحاجات أوسع دائرة من القراء وتهتم بتقديم جميع الاتجاهات في الخبر والرأي لتحقق أوسع انتشار ممكن من خلال أداء مهني رفيع يتميز بالسبق والصدق دون تبعية أو ارتباط. وفيما دار من حوار حول هذه القضية فقد ظل محصورا في دائرة ضيقة حول مدي أحقية رئيس الحزب في التدخل في تحرير الصحيفة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, وحول خطوط التماس التي قد تكبل يد رئيس التحرير وتعرضه لضغوط العمل الحزبي الذي هو بطبيعة انعكاس لتيارات ومصالح وأجنحة داخل الحزب أيا كان! وقد كان للصحافة الحزبية بريقها ونفوذها زمنا قبل أن تثبت النظم الديمقراطية أقدامها في الغرب وتتسع قاعدة الحرية السياسية وما يرتبط بها من حرية الصحافة والتعبير, وبالأخص في ظل النظم الشمولية حين كان للحزب الحاكم صحيفته الناطقة باسمه والمدافعة عن أفكاره فكانت هناك البرافدا والازفستيا في النظام السوفيتي, وكان رئيس تحرير البرافدا من أهم أعضاء المكتب السياسي للحزب وقد سارت معظم دول أوروبا الشرقية علي هذا النمط وتبعتها الأحزاب الشيوعية في الغرب مثل ليومانيتيه الفرنسية وويونيتا الإيطالية وريبوبيليكا اليوجوسلافية وقد تأثرنا في مصر بهذا النظام ولم نستطع منه فكاكا حتي الآن. ولا يوجد في حقيقة الأمر فرق بين صحيفة ناطقة بلسان الحزب وأخري تعبر عن مبادئه, كما يتصور البعض, فهي تصب جميعا في وظيفة واحدة وتكون مهمتها بث أفكار الحزب ومبادئه بين كوادر الحزب بصيغة واحدة لا تسمح بتعدد الاجتهادات والآراء وتصبح حينئذ أداة للجمود والتصلب الفكري. وعلي العكس من ذلك غابت تدريجيا عن الصحافة في الغرب ظاهرة الصحافة الحزبية, فلا توجد صحيفة ناطقة مثلا بلسان المحافظين أو العمال في بريطانيا, ولا بلسان الديجوليين في فرنسا ولا بلسان أي من الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي في أمريكا الصحف في الغرب الديمقراطي صحف مستقلة قد نميل إلي تأييد حزب ما في قضية ما أو تفضيل مرشح علي آخر في الانتخابات لكنها تحافظ علي استقلاليتها بدرجة أو بأخري. وإلي أن تتطور الصحافة في مصر لتبلغ هذا المستوي فسوف تتكرر الخلافات مع رئيس حزب يمارس دور المالك وليس دور الناشر وسوف نري زعامات حزبية تعبر عن آرائها في صحف أخري أو العكس. وهذه هي طبيعة المرحلة!! المزيد من اقلام واراء