كنت أري ومازلت أن تناولنا لقضية الخطاب الديني وتجديده هو تناول مغلوط خاطئ من ألفه إلي يائه، لأنه يعني بنص الخطاب الديني أو بموضوعاته في المقام الأول، بينما أري أن المشكلة الأولي في هذا الإطار هي تعلية صوت الخطاب الديني «overtuning» الذي يجعل من كل شيء أمامنا أمرا له مرجعية دينية مقدسة ومطلقة يقوم علي تأويل نخبة دينية لنصوص الدين بالطريقة التي بها. واجبنا هو دراسة الطريقة التي تشكل بها النخبة الدينية فكرها وأن نجعلها تشعر أنها لا تستطيع فرض فهمها لنصوص الدين عبر علو وارتفاع الصوت. نحن نستغرق في دراسة كيف يحتوي الخطاب الديني علي مجموعة من نصوصه تصبح وكأنها الدين نفسه، دون أن ندرس كيف يتشكل الخطاب الديني. وهذا بالضبط هو موضوع كتاب «السوسيو لوجيست» البارز الدكتور أحمد زايد، الذي أصدرته دار العين للنشر منذ أيام بعنوان «صوت الإمام.. الخطاب الديني من السياق إلي التلقي».وفي أحد فصول الكتاب يتساءل المؤلف ما عسي أن يكون الدور الذي يلعبه المقدس في حياة الناس؟ ولماذا يميل الإنسان إلي الطقس.. الإطار مهما تحرر من القيود ودخل إلي آفاق جديدة للحياة؟، بل لماذا يسعي إلي توسيع آفاق المقدس والخضوع له تحت وطأة حداثة تفتح له كل الآفاق نحو عوالم العقل والمادة والاستهلاك؟.. هذه الأسئلة وغيرها تشكل بعض محاور الدرس الاجتماعي السوسيولوجي للدين.. ذلك الدرس الذي يؤكد باستمرار أن الدين يلعب دورا مهما في الحياة الاجتماعية، وهو المصدر الرئيسي للقيم، كما أن المعتقد الديني يعمل علي إيجاد صلة طبيعية بين الإنسان وبين عالم الدنيا من جهة، وعالم ما وراء الطبيعة.وهذا التوصيف الذي ذكره د. زايد تتسع هوامشه للأسف لتحتوي قدرا هائلا من الخزعبلات التي ينبغي تنقية النص الديني منها وهو ما يأتي في المقام الثاني. وتشمل فصول الكتاب طرح أسئلة مهمة جدا عن الدور التغييري للدين، والجدل بين العلمانية والدين، ومستويات تفكيك الخطاب الديني، وأنماط التلقي للخطاب الديني، ثم يخلص إلي تجديد العقل والثقافة كوسيلة إلي تجديد الخطاب الديني ويقودك قراءته النقدية المهمة جدا لحال التعليم الديني في مصر والدول الإسلامية.هذا كتاب مهم للغاية يضع أيادينا علي المعني الصحيح لتجديد الخطاب الديني، وهو ما تجاهلناه تماما حين انخرطنا في نداءات صاخبة لتجديد الخطاب الدين دون أن نعلم ماهيته بالضبط. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع;