بين مشهدى 30 يونيو 3013 ومشهد التاريخ ذاته بعد أربع سنوات، شهدت مصر تحولات فارقة على صعيد دورها الاقليمى كلاعب أساسي فى مواجهة تحديات فرضتها تداعيات موجات الثورات التى اجتاحت بعض دول المنطقة على بيئة الأمن الاقليمى من مخاطر ومهددات كثيفة ومتسارعة مثل تنامى الحركات الارهابية وتوطنها إثر صعود الفاعلين من غير الدول على سطح المشهد الاقليمى، وانهيار مؤسسات الأمن التقليدى من أجهزة الجيش والشرطة والمعلومات، وانهيار الحدود، وبشكل عام تنامى انماط الصراعات الاقليمية بأشكالها المختلفة المذهبية والايدلوجية والسياسية والعسكرية وهى المظاهر التى قوضت الاستقرار الاقليمى. وبداية، سعت مصر أولا إلى استعادة مظاهر قوة الدولة، حتى تتمكن من استعادة الموقع والمكانة وبالتالى الانطلاق نحو دور فاعل فى المشهد الاقليمى، فقبل 30 يونيو2013 كانت مصر قد تحولت إلى أحد أعباء الأمن الأقليمى بالنظر إلى تردى أوضاعها الداخلية على المستوى الأمنى لدرجة ان نظام حكم الاخوان المسلمين كان أحد محركات بيئة الفوضى الاقليمية بسبب تشجعيه للحروب الاهلية فى الاقليم، ودعمه لمشروعات عابرة للدولة القومية مثل مشروع الخلافة، وتبنيه لأجندات تنظيمات وحركات من غير الدول خاصة تلك المنبثقة عن التنظيم، فضلا عن تردى سياسات مصر الخارجية التى أفرزتها أجندة الحكم الإخوانى على كافة الاصعده، والتى انحرفت فى اتجاه تنامى الصراعات ومخاطر الأمن الاقليمى فكانت مدخلا ناعما للتمدد الايرانى ومنحه شرعية فى بعض الاداور الاقليمية دون مراعاة ثوابت السياسة المصرية وعلاقتها العضوية فى الجانب العربى والاقليمى والدولى، وبالتبعية كان حاصل تلك السياسات خصماً من عوامل الاستقرار وتعزيز حالة التدهور الاقليمى. وفى المقابل، وفى مشهد 5 يونيو الجارى على الصعيد الاقليمى عندما أعلنت القاهرة وثلاث عواصم أخرى هى الرياض وابوظبى والمنامة قطع العلاقات مع الدوحة باعتبارها انتصارا ً فى أحد جوانب الرؤية المصرية الخاصة بمكافحة الارهاب بكل أبعاده ، كأحد توجهات صيانة الأمن العربى فى اطار اقليمى التى تجلت فى طرح مصر رؤية شاملة للتعامل مع ملف الارهاب، وهو ما حدده الرئيس السيسي فى أربعة محاور خلال القمة العربية الاسلامية الامريكية فى مايو الماضى وهى أولاً: المواجهة الايدلوجية والفكرية من خلال مبادرة لتصويب الخطاب الديني وتجديده، وثانيا: التصدي للإرهاب على نحو شامل بما يعنى مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز وعدم اختصار مجال المواجهة في مسرح عمليات واحد دون آخر وبشكل شامل ومتزامن على جميع الجبهات. ثالثا: بناء الدولة الوطنية بما له من انعكاسات علي استقرار امن المنطقة، رابعا: مواجهة جميع أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل، والتسليح، والدعم السياسي والأيديولوجي، والقضاء على قدرة تنظيماته على تجنيد مقاتلين جدد. يقول د. احسان الشمرى المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقى، ان العراق ينظر الى مصر بعد 30 يونيو على انها فى دائرة الاستهداف من الفكر المتطرف بغض النظر عن العناوين الفرعية لهذا الفكر وتجلياته ، وهذا التحدى كان دافعا لجهود متنامية من الجانبين لدعم جهود الامن العربى فى الاطار الاقليمى بحكم الدور المشترك كدول محورية فى العالم العربى، فمصر دعمت العراق تسليحا وتدريبا فى عهد الرئيس السيسي حتى ولو كانت اطرا ثنائية وليس ضمن جهود منظومة عربية شامله لكن من المتوقع مستقبلا تنامى هذا الدور لاستشعار العراق أن مصر تمثل العمق العربى ودولة ذات ثقل وقيادة تتفهم طبيعة الاخطار الراهنة فى الاقليم. إقليميا أيضا، انخرطت مصر فى كافة المشروعات الامنية والعسكرية، ونوعت هذه المشاركات مع كافة الاطراف الاقليمية ، سواء المناورات الشاملة مثل « رعد الشمال « فى السعودية وهى اضخم مناورة خليجية، أو ثنائية مثل «زايد 1، 2 « و»تحية النسر « فى الامارات «، ومناورات « حمد 1، 2 « فى البحرين ، ومناورات «العقبة» مع الاردن، بجانب مناورة مرجان البحرية، بالاضافة الى الانخراط فى التحالفات العسكرية المرنة لمواجهات الاجندات الاقليمية المعادية فانضمت لتحالف « عاصفة الحزم» الذى تقوده الرياض لاستعادة الشرعية فى اليمن، إلى جانب دورها الامنى فى تأمين الحدود البحرية فى اطار عربى مشترك فى مواجهة التهديدات الاقليمية مثل تهديد الملاحة فى باب المندب. وفى السياق ذاته، عملت مصر على الانخراط المحسوب فى لعب أداور تتماشي واستراتجية صيانة الامن الاقليمى أيضا من خلال تحركها على الجبهة الغربية كأولوية لصيانة أمنها القومى ثم العربى والاقليمى، حيث لعبت دورا محوريا فى اجهاض التنظيمات الارهابية فى ليبيا، كداعم لاعادة بناء الدولة فى ليبيا، والتحرك المتوازى سياسيا وأمنيا، فإلى جانب الدعم السياسي لجهود التسوية فى ليبيا وبناء مؤسسات الدولة الوطنية تحركت مصر فى اعادة بناء مؤسسات الامن الليبي لمواجهة التحديات الامنية، خاصة عملية بناء الجيش الوطنى، والانخراط المحسوب فى التدخل العسكرى فى إطار الدفاع عن الدولة المصرية كما حدث فى عمليات درنة الاولى والثانية . وبدأ أثر هذه التحولات ينعكس على المشهد الاقليمى تدريجياً ، من خلال كسر مسارات بعض الاجندات الاقليمية فعلى سبيل المثال ، ترك الحضور المصرى على الصعيد الاقليمى أثرا ً على تطور ملفات الصراع، حيث عملت المواقف المصرية تجاه الصراعات الاقليمية على ترشيد عسكرة الحلول باعتبار أن الحسم العسكرى لن يحل تلك الصراعات بل قد يؤدى الى الاثر العكسى، فدعمت مبادرات التسوية فى سوريا فوضعت اولا عنوانا اساسيا لموقفها وهو رفض تغيير النظام بفعل التدخل الخارجى، إلى جانب تبنى رؤية المعارضة المعتدلة والتى أسفرت عنها «منصة القاهرة» و«اعلان القاهرة» وإجمالاً فى هذا الصدد أنتج اثر الدور المصرى اقليميا على الادوار الاقليمية الفعالة فى الساحة السورية كالدور التركى الذى يناور حاليا فى مجال مواجهة الاكراد باعتباره تهديد للدولة التركية وليس اسقاط الدولة . يقول د. عبد الخالق عبد الله المفكر السياسي الاماراتى إن مصر استعادت عافيتها فى المجال الداخلى على الصعيد السياسيى والاقتصادى والاجتماعى والامنى والان جاء الوقت لتستعيد عافيتها فى المجال الاقليمى والعربى ضمن موازين قوى جديدة ومعطيات اقليمية مختلفة، مما يعنى أن القاهرة وحدها أو السعودية او الامارات كل منها بمفردها يمكن أن يشكل قوة لمواجهة التحديات الاقليمية، وبالتالى تساعد القدرات السعودية ومواردها الضخمة ومعطيات الامارات اللامحدودة بحيث تكون امكانيات القوى الثلاث اقليميا كمحصلة قوة ينعكس تاثيرها على بناء محور اعتدال اقليمى من أجل الاستقرار . وبالاضافة الى ما سبق فإن دور صيانة الامن الاقليمى شمل أيضا تشدد مصر حيال سيناريوهات تقسيم الدول ومن ثم الحفاظ على الدولة القومية، وهو ما ظهر فى حالات سوريا وليبيا واليمن ومن قبل العراق باعتبار مخططات الارهاب تهدف بالاساس إلى تقسيم تلك الدول أو التمدد الاقليمى فى الدول ووضع حد للمشروعات الاقليمية باعتبارها تعمل على تنامى الصراعات والمهددات، ومنها الاجندة الايرانية الساعية إلى توتير منطقة الخليج من خلال التدخل فى شئون بلدانه وهو ما اتضح بجلاء فى الأزمة الحالية مع قطر، ومن قبلها تحريك الاذرع المليشاوية مثل الحركة الحوثية فى اليمن لابتلاع مزيد من العواصم العربية كما أشار الى ذلك أكثر من مسئول ايرانى . كذلك شاركت مصر فى كافة المؤتمرات الأمنية الاقليمية مثل مؤتمر جدة فى سبتمبر 2014 ومؤتمر «الارهاب الاسباب والمعالجات» فبراير2017 فى شرم الشيخ ومؤتمر «دور السلطات التشريعة فى مكافحة الارهاب» فى البحرين فى مايو 2017 ، ومؤخرا شاركت فى القمة العربية الاسلامية فى مايو 2017 والتى تصدرت رؤيتها المجال الاقليمى والدولى باعتبارها ورقة شاملة لمعالجة مشكلات تدهور الامن الاقليمى. كما وظفت مصر موقعها فى مجلس الأمن كرئيس للجنة مكافحة الارهاب من خلال طرح مواقف خاصة بمعالجة ملف الارهاب فى المنطقة مثل انهاء الحرب بالوكالة التى تضطلع بها التنظيمات الارهابية أو وقف التمويل من جانب بعض الدول له . ولا تزال مصر تعتبر أن المشكلة الفلسطينة هي مفتاح الاستقرار الاقليمى، وعليه فإن القاهرة لا تزال تشدد على العودة إلى مسار التسوية مجددا من خلال طرح تسوية فى اطار اقليمى، إلى جانب استمرار العمل على تسوية الصراع الفلسطينى- الفلسطينى ، والخلاصة فإن 30 يونيو لم تكن اعادة تصحيح المسار الداخلى للدولة المصرية فقط بل شكلت محطة فارقة زمنيا بين غياب الدور والمكانة واستعادتهما كدولة محورية لاعادة بناء رؤية جديدة نحو صيانة الامن الاقليمى.