أطالب أنا محمد فريد خميس، مؤسس ورئيس مجموعة «النساجون الشرقيون» (26 ألف عامل وموظف) وأشغل منصب رئيس الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، أطالب بأن نقف جميعاً كمستثمرى القطاع الخاص إلى جوار الرئيس السيسى، ليس بالعاطفة فقط، وإنما بالمشاركة. وأفضل وسيلتين لذلك، أولاهما : المزيد من الاستثمارات ، وثانيتهما : الحفاظ على الأمن الاجتماعى ، بضمان حياة كريمة لعمال مصر. لقد كتبتُ من قَبْلُ، وقلتُ ما قاله ساسة سابقون، فى الاقتصاد، كما فى السياسة، ليس هناك عدوٌ دائم، ولا صديقٌ دائم، هناك مصالح دائمة، وقلتُ إن العالم الآن يختار، كلٌ يختار شعبه، يختار مصالحه، يختار معيشته، ولتذهب العولمة، وليذهب صانعوها إلى الجحيم. وقلتُ كَذَلِكَ إن العولمة فى حقيقتها، هى هيمنة الأقوياء، وبطش الرأسمالية، التى أصفها دائماً بالمتوحشة، فقد ظلمت الفقراء، وبخلت عليهم، وساندت الأغنياء، وأغدقت إليهم، وأفقدت الصناعة الوطنية فى الدول النامية، قدرتها على المواجهة والصمود، نتيجة تعرضها لمنافسة غير متكافئة، فأُغلقت المصانع ، وزادت البطالة، وارتفعت معدلات التضخم، بتهاوى قيمة العملة الوطنية، بسبب الاعتماد على الواردات، التى تخطت الضرورى والكمالى من السلع، حتى وصلت إلى الاستفزازى منها. هذه توطئة لابد منها، وكما يقول القانونيون، وجزءٌ لا يتجزأُ من الموضوع . وفِى مصر، ومع سياسات الإصلاح الاقتصادى، التى بدأتها الدولة، وبعد تحرير سعر الصرف فى الثالث من نوفمبر من العام المنقضي، ارتفعت الأسعار بشكل فاق التوقعات ، وتعدت قدرات الكادحين على المواجهة، حتى إنه فى تصريح سابق لرئيس الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء ، أكد أن الفقير فى مصر، هو من يقل دخله عن 482 جنيهاً شهرياً، أى أن الأسرة المكونة من خمسة أفراد تبقى فقيرة إن قل دخلها عن 2410 جنيهات، وذلك من خلال دراسة بحثية للجهاز، أجراها على 26 ألف أسرة، انتهت إلى أن 27% من المصريين فقراء . ومع ذلك كله، تعددت الأحاديث ، وتنوعت الأقاويل، حول سبل العلاج، فمن قائل ينادى بدعم الفقراء، وآخر يدعو إلى تشجيع الصادرات، وفتح المزيد من المصانع، وضخ المزيد من الاستثمارات، وثالثٌ يندد بالفساد ويطالب بالضرب بيد من حديد. وفى كل الأحوال، ومع تأييد كل ما سبق من تصورات، يبقى رفع الحد الأدنى للأجور، هو المطلب العاجل ، الذى لا يمكن تجاهله، أو الالتفاف حوله. وقد ناديتُ فى الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، وبحضور وزير القوى العاملة، وعدد من قيادات الوزارة، بأن يكون الحد الأدنى للأجور 2000 جنيه، للعاملين بالقطاع الخاص وذلك حرصاً على الاستقرار المجتمعى، نظراً لارتفاع تكاليف المعيشة، وأوصيت بتشكيل لجنة من الاتحاد لدراسة الأمر، والسعى الفورى نحو تفعيله، كما ناشدتُ جميع زملائى، رجال الصناعة والإنتاج والأعمال فى مصر، تحقيق ذلك، لضمان الأداء المتميز للعامل، وتحقيق العلاقة الطيبة بينه وبين شركته، وكذلك علاقة الحب بينه وبين الآلة، والتى تؤدى من ناحية إلى زيادة الإنتاج، ومن ناحية أخرى إلى حلٍ، ولو جزئىا لمشكلة العامل الاقتصادية. وينصب هذا كله فى تحقيق هدف العدالة الاجتماعية، التى ينادى بها دوماً السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى، سيلى ذلك العاملون بالقطاع العام و الحكومى، ضمن خطة كاملة لإصلاح القطاع العام. واعتماداً على المنهج العلمى فى التناول، قمتُ بنفسى، وبمعاونة متخصصين، ببحثٍ استقصائى لتكلفة الطعام والشراب ( فقط ) لأسرة بسيطة مكونة من خمسة أفراد على الأكثر، من أنواع متواضعة جداً من المأكولات، فوجدتها 2332 جنيهاً شهرياً. انتبهوا أيها السادة، طعام وشراب فقط ، لم يضفْ إليه إيجار أو علاج أو تعليم أو مواصلات أو مياه أو كهرباء أو غاز أو أى شىء آخر. ولمن يرغب لدىّ تفصيلةٌ كاملة للرقم السابق ذكرُه. فهل من المقبول إذن، إنسانياً، واجتماعياً، أن يجادل بعضهم، فى مطلبنا رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2000 جنيه ، أو يطالب بإرجائه، أو يربط تحقيقه بإجراءات أخري. هذا من ناحية، ومن ناحية أخري، فقد تعلل آخرون بأن هناك عمالة أرخصَ أجراً فى بلاد، كالهندوماليزيا وإندونيسيا والصين، واتضح كذلك أن هذا الكلام يخالف الواقع تماماً، بالأرقام التى لا تكذب ولا تتجمل، هذه الأرقام لم آتِ بها من عندى، بل من مؤسسة WageIndicator الدولية، وهى مؤسسة ذائعة الصيت عالمياً، تتبع جامعة أمستردام، وتلتزم بالمعايير البحثية المتعارف عليها، و تستهدف فى مواثيق تأسيسها، الوصول إلى معرفة أكبر، وفهم أكثر لسوق العمل، بما يساعد فى الوصول إلى قرارات صحيحة، لحياة أكثر سعادة للعامل. وانتهت تقارير المؤسسة إلى أن متوسط الأجر فى الهند، للعمالة غير الماهرة 223دولاراً (4014 جنيهاً) وللعمالة نصف الماهرة 245 دولاراً (4410جنيهات) وللعمالة الماهرة270دولاراً (4860 جنيهاً) وفى ماليزيا الحد الأدنى للأجور فى (13) إقليماً 230دولاراً (4140 جنيهاً) وفى ثلاثة أقاليم أخرى 212 دولاراً (3816 جنيهاً) وفى إندونيسيا، متوسط الأجر 156دولاراً (2808 جنيهات) وفى الصين يتراوح الحد الأدنى للأجور بين (170 و305) دولارات ( 3060 -5490 ) جنيهاً . إذن فأجر العامل ليس هو المشكلة فى ضعف القدرة التنافسية للإنتاج فى مصر . دعونا نبحث معا، ماذا فعلت بلاد تمكنت من النجاح ، وكانت فى أوضاع أقل مما نحن فيه ، مثل الهندوالصين وغيرهما. والسؤال الآن أين نحنُ من هؤلاء ؟ ولماذا الإصرار على البحث عن حلول لا تناسب أصل المشكلات ؟ وأخيراً فإن المسئولية المجتمعية تتطلب منا جميعاً، إيثار هذا الوطن، وإعلاء مصلحته، وتفضيله على كل ما سواه. حقاً وصدقاً ، مطلبى هذا لمصر لا لغيرها. لمزيد من مقالات محمد فريد خميس