لسنوات طويلة كان هو المطلب الأول لملايين الموظفين والعمال فى بر مصر. إنه الحد الأدنى للأجور. الحلم الذى كثيرا ما سعت إليه شرائح عدة من المصريين من المشتغلين فى الجهاز الإدارى للدولة، أو فى شركات القطاع العام، وربما الخاص أيضا. فمؤشر حركة المرتبات والأجور فى مصر، ومنذ عقود طويلة لا يعرف صعودا حقيقيا، الأمر دوما فى خانة الركود، بينما تتضاعف الأسعار وتشتعل تكلفة الخدمات وتزيد أعباء المعيشة بجنون يوما بعد الآخر. وبينما سعى عديد من القوى السياسية والحقوقية جديا طوال سنوات حكم مبارك، على كل الأصعدة، بما فيها القضائية، لأجل إلزام الدولة بتوفير حد أدنى للأجور، ومن ثم تهيئة الظروف لحياة إنسانية كريمة للسواد الأعظم من المصريين، فإن محاولاتهم لم تجد صدًى يذكر لدى النظام الأسبق الاستبدادى، مما جعل مطالب الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وتحسين المعيشة، فى قلب شعارات ثورة 25 يناير، التى أطاحت بالحكم المباركى من سُدَّة السلطة. غير أن المجلس العسكرى الذى أدار البلاد بعده، وكذا النظام الإخوانى المستبد، الذى ورث التركة برمتها، تجاهلا مطالب الثوار، ناهيك بارتكاب الرئيس المعزول وجماعته قائمة طويلة من الجرائم الجنائية والسياسية أدت إلى الإطاحة بهما فى 30 يونيو، لتعود مطالب العدالة الاجتماعية وتحقيق حدين أدنى وأقصى للأجور إلى واجهة المشهد من جديد.
لكن المُبكى المضحك فى ذات الوقت أن سلطة ما بعد حكم الإخوان، التفَّت على المطلب العادل للمصريين، عندما ظنت أنها بجعل الحد الأدنى للدخل الشامل لا الأجر 1200 جنيه بدءا من يناير القادم، قد يكسبها دعم الشارع، متناسية أن بلدا وشعبا قاد ثورتين فى أقل من سنتين ونصف السنة لم يعد ينطلى عليه الحلول الرسمية المطاطة.. فملايين المصريين لن يستفيدوا من تلك الزيادة، ناهيك بشرائح عدة من العمالة غير المنتظمة ستظل فى طى النسيان لا يشعر بها أحد، كما أن عجز الدولة عن وضع حد أقصى للأجر إنما يثبت أنها لم تتخلص بعد من سطوة مراكز النفوذ فى مؤسساتها.
90% من عمال مصر لن يستفيدوا من القرار
كتب- مصطفى البسيونى:
مطلب رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بمصر، ظل هو المطلب الأكثر إثارة للجدل منذ مظاهرة عمال غزل المحلة فى 17 فبراير 2008. وعندما قرر مجلس الوزراء رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه ابتداءً من يناير القادم، كانت النتيجة تزايد الجدل بدل من انتهائه.
قرار مجلس الوزراء برفع الحد الأدنى طرح عدة أسئلة، أولها هو كيف توقف مجلس الوزراء عند المطلب الذى رفعه العمال فى 2008 وتجاهل موجات الغلاء المتتالية عبر أكثر من خمس سنوات، التى نزلت بالقيمة الحقيقية لمطلب 1200 جنيه إلى ما يقرب من النصف؟ وكان من المفترض أن يضع فى اعتباره معدلات التضخم المتتالية، التى ارتفعت بمطلب العمال إلى أكثر من 200 جنيه.
القرار لم يتضح منه سبل التمويل والموارد التى سيتم منها توفير الفروق التى ستحدث جراء تنفيذ القرار، وما إذا كان سيؤدى إلى إضافة أعباء جديدة على القطاعات الفقيرة، بما يجعل أضرار رفع الحد للأجور أكثر من فوائده أم لا؟والسؤال الأهم، الذى طرح بكثرة عقب القرار هو نطاق تطبيق القرار، الذى يقتصر على العاملين بالحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال، ويقدر عدد المستفيدين منه فى هذه القطاعات بثلاثة ملايين عامل يستفيدون بدرجات متفاوتة من تطبيق القرار.
ويعد نطاق تطبيق القرار هو النقطة الأهم فى قضية الحد الأدنى للأجور، لأنه بالنظر إلى حجم العمال فى القطاعات المختلفة يتكشف حدود الاستفادة من هذا القرار، حيث يتوزع العاملون بأجر فى مصر بين عدة قطاعات، منها القطاع الحكومى، الذى يضم نحو 5.46 مليون عامل، والقطاع العام، ويضم 660 ألف عامل، والقطاع الخاص فى المنشآت ويضم 5.2 مليون عامل، والقطاع الخاص خارج المنشآت ويضم 11.4 مليون عامل، إضافة إلى حوالى نصف مليون عامل بالقطاع الاستثمارى وقطاعات أخرى، هذا حسب إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن عام 2011، الذى يبلغ فيه إجمالى العاملين بأجر فى مصر 23.3 مليون عامل.
معنى هذا أن المستفيدين بالفعل من قرار الحد الأدنى للأجور ستكون نسبتهم إلى إجمالى العمال فى مصر أقل من 15%. أما باقى العمال فى مصر فلا يتوقف الأمر عند عدم استفادتهم من القرار بل تكمن الأزمة الحقيقية أنهم سيضارون بالفعل من هذا القرار. فتطبيق حد الأدنى للأجور يستفيد منه ثلاثة ملايين عامل، سيؤدى إلى موجات ارتفاع أسعار، كالتى تواكب عادة تطبيق العلاوة الاجتماعية، مما يعنى أن الذين لن يستفيدوا من الحد الأدنى للأجور سوف يعانون من انخفاض قيمة أجورهم الحقيقية بسبب التضخم.
لكن الأسوأ على الإطلاق هو أن القطاعات العمالية التى لن يطبق عليها قرار مجلس الوزراء هى الفئات الأكثر احتياجًا لتطبيق هذا القرار. إذ تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن متوسط أجور العاملين فى القطاع الخاص عام 2011 هى 397 جنيهًا أسبوعيًّا، بينما متوسط أجور العاملين بالحكومة والقطاع العام يصل إلى 675 جنيهًا أسبوعيًّا. وهو ما يعنى أن عمال القطاع الخاص يعانون بالفعل من انخفاض شديد فى الأجور مقارنة بالعاملين فى الدولة.
والأصل فى وضع حد أدنى للأجور هو معالجة أوضاع أصحاب الدخول المنخفضة، بينما يأتى القرار بشكله الحالى ليدعم التفاوت فى الأجور بين القطاعات العمالية المختلفة. والحقيقة أن عمال القطاع الخاص سواء داخل أو خارج المنشآت، الذين يمثلون أكثر من ثلثى العاملين بأجر كما تقدم ويصل عددهم لأكثر من 16 مليون عامل فإنهم يعانون من التدنى العام فى أوضاع العمل خصوصًا العاملين منهم خارج المنشآت، الذين يتجاوز عددهم 11.2 مليون عامل. فمثلا نسبة المشتركين منهم فى التأمينات الاجتماعية 10.4% ونسبة المشتركين فى التأمين الصحى 3.3% ونسبة العاملين بعقد قانونى 1.5% ونسبة المشتركين منهم فى نقابة 6.5% ونسبة من له عمل دائم 21.8%.
هذه الأوضاع تعكس ليس فقط تدهورًا شديدًا فى علاقات العمل، لكن أيضا عدم استقرار فى العمل. خصوصًا أن المؤشرات نفسها تتجاوز نسبة 90% من العاملين بالدولة. وهو ما يعنى أن من يتم إهمالهم فى قضية الحد الأدنى للأجور ليس فقط أغلبية العمال، لكن أيضا هم العمال الأكثر احتياجًا لتحسين أوضاعهم فى العمل سواء من ناحية الأجور أو الاستقرار فى العمل أو الاشتراك فى التأمينات الاجتماعية أو التأمين الصحى.
لقد جرى تقديم قرار رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه شهريا ابتداءً من أجر شهر يناير 2014 للعاملين بالحكومة والقطاع العام وقطاع الأعمال على أنه محاولة لتحسين أحوال العمال واستجابة لمطالبهم، وقد بدا من الجدل الدائر قبل القرار والاقتراحات المقدمة أن النتائج ستكون أقل من طموحات العمال. وحقيقة الأمر أن القرار ستكون له عواقب وخيمة على القطاع الأوسع والأكثر معاناة من العاملين بأجر فى مصر تتمثل فى تزايد التفاوت فى الدخل وانخفاض الأجر الحقيقى. هذا ما لم يتم الاتفاق فى المجلس الأعلى للأجور على رفع الحد الأدنى للأجور لعمال القطاع الخاص بما يسد هذا التفاوت، واتخاذ إجراءات جادة وحاسمة لمنع موجات ارتفاع الأسعار، فضلًا عن تدبير مخصصات رفع الحد الأدنى للأجور دون إضافة أعباء جديدة على الفقراء.
18 مليار جنيه تكلفة تمويل الحد الأدنى بالقطاع الإدارى للدولة
كتبت- أميرة جاد:
18 مليار جنيه تكلفة تمويل الحد الأدنى للأجور فى القطاع الإدارى للدولة، وفقا لتقديرات وزارة المالية المعلنة، والمنتظر تطبيقه فى يناير المقبل. الحكومة أعلنت مبلغ التمويل ولم تعلن عن مصدره الذى ربما يكون مزيدا من الديون التى ترفع عجز الموازنة العامة، التى تجاوز معدلاتها نسب الأمان الاقتصادى.
وعن مصادر تمويل الحد الأدنى للأجور دون زيادة عجز الموازنة العامة، تقول الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلوى العنترى فى ورقة بحثية لها إن المجلس العسكرى قد أصدر فى ديسمبر 2011 مرسوما بقانون ينص على أن يكون الحد الأقصى لإجمالى الأجر فى الحكومة والقطاع العام 35 ضعف الحد الأدنى السارى فى كل جهة، وفى أبريل 2012 صدر قرار مجلس الوزراء باللائحة التنفيذية لذلك المرسوم، موضحا أن تطبيق الحد الأقصى سيتم عبر إقرار يقدمه الموظف يوضح فيه إجمالى ما يتقاضاه خلال العام والمبلغ الذى حصل عليه بالزيادة على الحد الأقصى، ويلتزم برد الزيادة إلى جهة عمله، التى تقوم بإعادتها إلى وزارة المالية.
الخبيرة الاقتصادية لفتت إلى أن تطبيق هذه الآلية لن تحول دون وجود أجور تتجاوز المئة ألف جنيه فى بعض الجهات الحكومية، مقابل حد أدنى لا يتجاوز بضع مئات من الجنيهات فى جهات أخرى، موضحة على سبيل المثال أنه طبقا للائحة الداخلية للهيئة القومية لضمان جودة التعليم يحصل كل موظف شهريا على ما يعادل مرتب 29٫5 شهر فى شكل مكافآت وأجور متغيرة، ومعنى ذلك ببساطة أنه لو فرض وكان الحد الأدنى للمرتبات فى تلك الجهة 100 جنيه «وهو الأمر غير المتصور» لكان الحد الأدنى لإجمالى الدخل الشهرى هو 3050 جنيها، ولكان الحد الأقصى المسموح به قانونا أكثر من 106 آلاف جنيه شهريا.
ونظرا لأن شريحة الإدارة العليا فى المواقع الحكومية المختلفة تبتلع جزءا كبيرا من اعتمادات الأجور فى الموازنة العامة للدولة، فإن إعادة توزيع نفس الاعتمادات الحالية لإجمالى بند الأجور فى الموازنة العامة للدولة وفرض الحد الأقصى ب30 ألف جنيه شهريا يمكّن رفع الحد الأدنى للأجور، ونشير هنا إلى ما سبق أن أعلن فى الجرائد منسوبا إلى بعض العاملين فى الجهاز المركزى للمحاسبات من أن 5800 شخص فى الجهاز الحكومى يحصلون على نصف إجمالى بند الأجور والمكافآت «وفقا لأرقام الموازنة العامة الحالية فإن هذا يعنى متوسط أجر شهرى 980 ألف جنيه»، موضحة أنه وعلى الرغم أنه لم يتم صدور تكذيب رسمى لتلك المقولة فإننا سنعتبرها من قبيل المبالغة وأنها تعبر فقط عن أن هناك 5800 شخص فى الإدارة الحكومية يمثلون الشريحة الأعلى دخلا، فإذا افترضنا أن الحد الأقصى لأجر كل منهم أصبح لا يتجاوز 30 ألف جنيه شهريا لتوفرت موارد تكفى لرفع متوسط الأجر الشهرى لموظفى الحكومة إلى الضعف تقريبا.
فى نفس السياق، قال الدكتور مصطفى النشرتى أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة السادس من أكتوبر إن كل دساتير العالم تعطى الحق للبرلمانات أو الهيئات التشريعية فى الموافقة على الاعتمادات الإضافية للموازانات بشرط تدبير الموارد اللازمة لها والإعلان عنها، مما يفرض على الحكومة الحالية الإفصاح عن مصادر تمويل الحد الأدنى للأجور، خصوصا أنه سيتم تطبيقه خلال العام المالى الجارى ووفقا لموازنة العام الحالى حتى لا ترث الأجيال القادمة ديونا لا طائل لها واقتصادا مهترئا يعانى من ارتفاع نسبة عجز الموازنة إلى الناتج الإجمالى المحلى والمتوقع أن تصل إلى 14% بعد تطبيق الحد الأدنى للأجور هذا العام المالى، فى حين أنها تسجل حاليا نحو 11% متخطية حاجز الأمان الذى يبلغ 9%، وأضاف النشرتى أن ترشيد الإنفاق الحكومى ودمج الصناديق الخاصة فى الموازنة العامة يحتاج إلى تعديلات تشريعية للجامعات والحكم المحلى وكل الهيئات الاقتصادية المستقلة فى ماليتها عن الموازنة العامة، أما الشق المؤلم لتدبير موارد للحد الأدنى فهو الضرائب ولكن إذا تم فرض ضرائب عادلة سيكون الألم أخف على كل أطراف المجتمع، لافتا إلى ضرورة توسيع شرائح الضريبة التصاعدية التى كان تم إعداد تشريعها خلال العام المالى الماضى ولم تطبق بعد، بالإضافة إلى تطبيق الضريبة العقارية.
الأرزقية يصرخون: فين حقنا يا حكومة؟
عمال البناء والتشييد والعمالة غير المنتظمة بالمصانع والمشتغلون بالفاعل والتراحيل لن يطبق عليهم الحد الأدنى
كتبت- أسماء فتحى:
هناك فئات لن يطبق عليها قرار الحد الأدنى للأجور، بل ستتضرر نتيجة غلاء الأسعار، وعلى رأس هؤلاء العمالة المؤقتة وغير المنتظمة بمختلف أشكالها، كعمال البناء والتشييد وعمال اليومية بمصانع الطوب وغيرها من المصانع التى يتعامل معها الآلاف من العمال دون عقود مباشرة أو غير مباشرة، وعمال الفاعل الذين يملؤون الساحات والميادين وعمال التراحيل الموسميين فى القرى والنجوع الريفية.
«الدستور الأصلي» انطلقت فى جولة فى أماكن وجود هذه العمالة التى لا تعلم عنها أوراق الدولة شيئا وغير المؤمن عليهم اجتماعيا ولا يتمتعون بتأمين صحى، ولا يخضعون فى عملهم لقانون ينظمهم أو يحميهم من بطش رجال الأعمال الذين يستغلون حاجتهم إلى العمل، للتعرف على رأيهم فى مسألة الحد الأدنى ومدى الأزمات التى يمرون بها.
أشهر أرزقية مصر بالتأكيد عمال البناء والتشييد والعمال اليومية بالمصانع، هذه العمالة لا تربطها علاقة قانونيا بالأماكن التى يعملون بها ويتعاملون بالأجر اليومى نظير ما يقدمونه من عمل، فالبعض يعامل بالإنتاج والبعض الآخر له أجر ثابت وتتراوح اليومية بين هؤلاء العمال من «30 جنيها وحتى 200 جنيه» حسب طبيعة العمل الذى يقومون به.
عمال التشييد يتبعون المقاول وهو الذى يحدد لهم الأجر اليومى، ويرتبط عملهم بالمنشأة التى يعملون بها وربما يستمر بعضهم فى العمل مع المقاول لسنوات إلا أنه متيقن من أن عمله سينتهى فى يوم ما، وسيصبح من دون عمل أو تقل قدرته على العمل، فيضاف إلى طابور العاطلين، وفى كل الاحوال لن يتحمل أحد مسؤولية أسرته.
أما العمال المؤقتون فى المصانع فالعدد الأكبر منهم بمصانع الطوب التى تنتشر فى المحافظات، وهؤلاء يتبعون «صاحب الوردية» ويتعامل أغلبهم بالإنتاج، وهؤلاء الأكثر تأزما من عملهم، لأنهم معرضون للخطر طوال الوقت وبعضهم يفارق الحياة دون أن يضمن عائلا لأسرته، وأعداد كبرى منهم تتعرض لإصابات بل وإعاقات وصاحب العمل لا يتكبد حتى مجرد قيمة العلاج.
عامل بالتشييد والبناء يدعى جمال محسن، ويبلغ من العمر قرابة 30 عاما وهو يعمل بنّاء، قال إنه «يتبع فى عمله مقاولا كبيرا ويأخذ 100 جنيه يومية، ولا يعمل طوال الوقت والأمر متوقف دائما على الإنشاءات الجديدة، وقد يتعرض للخطر فى أى وقت، وطبيعى أن صاحب العمل لا يتحمل نفقات علاجه أو يتكبد عناء السؤال عن صحته فى حال إصابته بمكروه»، وعن الحد الأدنى للأجور، أكد أنه لن يستفيد منه، لأنه لا يمتلك أى تعاقد، وهو فى الأساس لا يعمل فى شركة أو مصنع، ولكنه فى حاجة إلى أن ينتظم ويعمل وفقا لقانون يضمن له مستقبلا أكثر استقرارا.
سالم عبد المرضى وهو مقاول بحى المعادى التابع لمحافظة القاهرة، أفاد ل«التحرير» أنه يقوم بجمع العمال فى مختلف المهن التى تجعله ينهى أعمال المنشأة المكلف بها، وهذه العمالة تختلف فى طبيعة عملها وفى أجرها اليومى، ومنهم النقاشون والبناؤون والنجارون والحدادون وغيرهم، كل هؤلاء تختلف أجورهم، فالأجر يتحدد وفقا لسوق العمل، والمتداول فى هذه الأعمال.
العامل بمصانع الطوب أيمن جمعة، قال إنه يعمل بالإنتاج وقد يتحصل فى الأسبوع على 300 جنيه، وقد لا يجنى أى أموال لأن العمل متوقف، مضيفا بأن لديه أسرة مكونة من أربعة أفراد وهو عائلها الوحيد ولا يستطيع الإنفاق عليهم.
جمعة رأى أن وضع حد أدنى للأجور سيترتب عليه ارتفاع فى مستوى المعيشة، ورغم أنه وغيره من العمالة المؤقتة لن يستفيدوا من قيمة الحد الأدنى فإنهم سيضارون من نتائجه، وفى هذه الحالة على الحكومة أن تقنن وضعهم ليستفيدوا منه أو عليها عدم رفع أى سعر، لأن هذا سيجلب لها كارثة اجتماعية لا محالة.
«عمال الفاعل» وهم عمال الهدد وعمال البناء المتخصصون فى حمل الطوب والمونة، يعتبرون رمز الشقاء فى مصر، وقد لا يجد العامل منهم قوت يومه ويظل منتظرا فى الشوارع والميادين لأى عمل قد يقومون به فى سبيل الحصول على أجر يوم يعود به إلى أسرته، هؤلاء أيضا مضارون من النتائج المترتبة على وضع حد أدنى للأجور، لأنهم لا يجدون عملا من الأساس ليقوموا به وسيزيد العبء عليهم بسبب الغلاء القادم بشكل مؤكد بعد إقرار الحد الأدنى للأجور بشكل نهائى.
فى شارع مترو الأنفاق بحلوان وأمام أحد المقاهى الكبرى، يتجمع العشرات من «عمال الفاعل» وهم من يجلسون وبحوزتهم بعض أدوات التكسير والبناء فى انتظار رزق اليوم، يجلس من معه ما يكفيه لشرب كوب من الشاى على كراسى المقهى ومن لا يمتلك يفترش الشارع، منتظرا أى «سبوبة» حتى يتسنى له العودة لأسرته بطعام اليوم، لترتسم على وجوههم ابتسامة مختلطة بين الأمل واليأس، وكلما مر الوقت باتت تلك الابتسامة جامدة جمود الآلات التى يقبضون عليها بأيديهم.
سالم جلال «فواعلى» قال «لدىّ من الأبناء خمسة، منهم ثلاث بنات كبيرات وولدان لا يزالان صغيرين لا يستطيعان مساعدتى، فآتى إلى حلوان كل يوم من بنى سويف أبحث عن أى عمل أرتزق منه وأنفق على أسرتى، فلم يتسن لأبى تعليمى حتى أحصل على شهادة ولم يسعفنى القدر لأعمل ولو فراشا بأى شركة، ولا أحترف مهنة أجنى منها رزقا، ليس لدىّ سوى يدىّ أقوم بتكسير المبانى بها أو حفر المجارى أو حتى نزح البيارات، قد أعمل أى شىء فى سبيل إطعام أسرتى وقد تمر أيام وأنا لا أجد عملا، وفى بعض الأيام اضطر إلى أن أنام هنا على الرصيف، خوفا من النظر فى وجه أبنائى إذا عدت دون مال، وأحاول تعليمهم حيث أدخلتهم المدارس جميعا باستثناء الصغار، فلدىّ ثلاثة فى مراحل تعليمية مختلفة واثنان بالكتاب، حتى يحفظا القرآن الكريم، فلن أجعلهم نسخة منى، ربما يصبح حظهم أفضل، ولا أستطيع تحمل الغلاء القائم بالفعل، وبالطبع لن يمكننى تحمل مزيد منه. أنا لا أحقد على أحد وهبه الله عملا وتم تقنين وضعه وسيرتفع أجره وفقا لإقرار الحد الأدنى للأجور، ولكن ليس هناك عدل فى أن أتحمل أنا تبعات ارتفاع أجر شخص آخر وأنا ربما لا أجد قوت يومى».
رغم أن كلمة التراحيل يوصف بها عمال اليومية، فإنه ارتبط بالزراعة وطابعها الموسمى، وهذا العمل يتميز بزيادة عمالة المرأة به وأجر اليوم يتراوح بين «10 جنيهات إلى 50» كحد أقصى، حسب نوع المحصول وطبيعة العمل، وهؤلاء لا ينطبق عليهم قوانين العمل وهم عمالة مهمشة رغم كونها عصب الاقتصاد الزراعى فى الدولة.
رحمة محمد سيدة تعمل بالأرض الزراعية تبلغ من العمر قرابة 30 عاما، قالت إنها أرملة ولديها ثلاثة أبناء وتعمل بالأرض لتنفق عليهم حتى لا تنتظر زكاة أو صدقة من أحد، مؤكدة أن أجر يومها 15 جنيها وتعمل فى الشهر 8 أيام فى حال وجود عمل، وقد تمر عليها شهور دون أن تعمل، فالأمر كله مرتبط بالموسم الزراعى وموسم الحصاد، مؤكدة أنها تتمنى لو أن لها أجرا ثابتا تنفق منه على أسرتها، مضيفة «يا بختهم اللى هياخدوا 1200 جنيه، يا سلام لو بس آخد نصهم»، مشيرة إلى أنه لن يكون هناك غلاء أكثر مما تمر به الدولة حاليا، وفى حال زيادة معدل الغلاء عن ذلك، فسيخرج الجياع لانتزاع حقهم فى الحياة، قائلة «من حق الناس مرتباتها تزيد، بس إحنا كمان من حقنا نعيش، مش ممكن نرضى بالغلا، وهنطلع بالفاس نطالب بحقوقنا».