جدَّد انعقاد أول قمة لدول حوض النيل العشر فى أوغندا أمس الأمل فى إمكانية حل الخلافات بين دول المنابع ودولتى المصب والممر (مصر والسودان) حول كيفية الاستخدام الأمثل لمياه النهر دون الإضرار بمصالح وحقوق أى منها، حيث بحثوا بأنفسهم عن الحل بعد أن ظلت القضية تُناقش على مستوى الخبراء ووزراء المياه والرى وأحياناً الخارجية الذين لم يتمكنوا من الاتفاق على النقاط القليلة جداً المختلف عليها فى مبادرة حوض النيل التى اقترحتها القاهرة عام 1999 للتعاون فيما بينها وأحالوها إلى القادة فى عام 2010 ولا على البنود التى رفضتها مصر فى اتفاقية عنتيبى لأنها تسلبها بعض حقوقها التاريخية المكتسبة فى مياه النهر بالمخالفة للقوانين الدولية والاتفاقيات الموقعة بينها وبين دول مثل إثيوبيا وأوغندا مما دفعها لرفض التوقيع عليها. والآن أتاحت القمة فرصة جيدة للتوصل إلى حل يرضى الطرفين ما لم تتمترس دولة مثل إثيوبيا وراء مواقفها المسبقة خاصةً وأن القاهرة ذهبت إلى القمة بأفكار جديدة. وعندما وصلت إلى طريق مسدود عام 2010 مبادرة حوض النيل للتعاون لتنفيذ مشروعات لرفع كفاءة استخدام مياه النيل بتمويل من الجهات المانحة التى رصدت لها نحو 20 مليار دولار واستمر الخلاف على ثلاثة بنود تتعلق بضمان حقوق مصر التاريخية المكتسبة فى مياه النهر سارعت إثيوبيا وكينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا إلى إبرام اتفاقية عنتيبى وانضمت إليها بوروندى فيما بعد متجاهلةً مطالب القاهرة بعدم المساس بحصتها المائية لأنها لا تكفيها بالفعل وبالإلتزام بمبدأ الإخطار المسبق عن أى مشروع كما تقضى المعاهدات الثنائية والدولية وقواعد البنك الدولى وبأن تكون الموافقة على أى مشروع أو تعديل فى المعاهدات بالإجماع أو بالأغلبية شريطة أن تكون مصر والسودان من بين الأغلبية لضمان عدم اتخاذ قرارات تضر بمصالحهما المائية،فرفضت القاهرة التوقيع عليها وتضامنت معها السودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وتوقفت مشروعات التعاون المشترك وانتهت المهلة دون الاستفادة من العشرين مليار دولار التى رصدتها الجهات المانحة لمشروعات مبادرة حوض النيل. ولا شك أن القمة أعطت دفعةً قوية للجهود الرامية لحل الخلافات لكن يبدو أن تسويتها لن تكون سهلة ولا سريعة حيث سادت توقعات بأن يضع القادة خطوطاً عريضة للتفاوض على أساسها بين وزراء الخارجية ووزراء الرى والخبراء فيما بعد وهى مفاوضات إن تم الاتفاق على موعد قريب لها فليس مضموناً أن تنتهى باتفاق حول نقاط الخلاف إلاَّ إذا حدث تطور درامى فى مواقف دولة مثل إثيوبيا التى أظهرت عناداً ومواقف متشددة فى مباحثات سد النهضة. دول المنابع ترفض الاعتراف بالاتفاقيات المبرمة فى عهد الاستعمار مثل اتفاقية 1929 التى تمنح مصر حق الفيتو على أى مشروع مثل السدود يُقام على مجرى النيل أو فروعه أو روافده من شأنه إنقاص كمية المياه المتدفقة إلى مصر أو تأخير وصولها، كما لم تعترف بمعاهدة 1959 التى تقسم ال 84 مليار متر3 بين مصر والسودان ولا بحصة مصر التى قررتها المعاهدة (55,5 مليار م3) وأصرت على إلغاء المعاهدتين فى اتفاقية عنتيبى وإعادة توزيع المياه بالتساوى وليس بالعدل دون الأخذ فى الإعتبار عدد سكان كل دولة والأنهار التى تحتويها وكمية الأمطار الساقطة عليها سنوياً ودون تحديد حصص،كما تنص على عدم المساس بمستنقعات جنوب السودان ما يعنى عرقلة إقامة أى مشاريع تقلل فاقد المياه وتزيد إيرادات النهر واكتفت بعبارة مبهمة تفيد بحصول كل دولة عضو على حاجتها من المياه للرى وتوليد الكهرباء دون إضرار بمصالح الدول الأخري. أما مبادرة حوض النيل فتضمنت 34 مشروعاً، أحدها لتطوير الرى فى غرب الدلتا المصرية وآخر للرى فى إثيوبيا واثنان للربط الكهربائى بين مصر والسودان وإثيوبيا و بين أوغندا ودول البحيرات الإستوائية وكذلك مشروعات ترفع نسبة الاستفادة من مياه النهر من 4% حالياً إلى 6,5% وتأكيد حق كل دولة فى مياهه وعدم إضرار أى منها بحقوق أخرى وعدم المساس بحقوق مصر التاريخية المكتسبة وعدم نقل مياهه إلى خارج الحوض أو بيعها لآخرين وسبق الإتفاق على 43 من 44 من بنودها فقد تجاهلتها الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبى التى تسعى القاهرة جاهدةً لتعديل بنود الإخطار المسبق ونظام التصويت والاستخدام المتساوى للمياه فيها لضمان حقوقها وإنهاء الخلاف الذى عطل مشروعات التعاون بين دول الحوض. وقيل إن مصر عرضت من قبل الإبقاء على معاهدة 1929 مقابل قيامها بتنفيذ مشروعات لتحسين استخدام المياه والزراعة فى دول المنابع. أخيراً على دول منابع النيل ألاَّ تكون مِثلَ الذى يتكاسل عن إحضار كوب فارغ ليملأه من حنفية مفتوحة عن آخرها على المجارى ويصر على أن يشاركك فى كوب المياه الوحيد بيدك والذى لا يكاد يكفيك، فإثيوبيا التى يهطل عليها سنوياً نحو 860 مليار متر3 من الأمطار ولديها 12 نهراً و14 بحيرة، تصر على أن تقاسم مصر 55,5 مليار متر3 هى كل ما يصلها سنوياً من مياه النيل الذى ليس لها غيره مصدراً للمياه العذبة بدعوى الاستخدام المنصف والعادل لمياه النهر وتتجاهل عروضاً ومقترحات للتعاون لتنفيذ مشروعات مشتركة لإنقاذ القدر الذى يكفى حاجة الجميع من 1680 مليار متر3 من الأمطار تسقط على دول الحوض العشر ويضيع نحو 92% منها بالمستنقعات والفوالق الجبلية.