لا يمكن وصف ما تتبعه قطر على أنه سياسة خارجية نظرا لعدم وجود رؤية أو إستراتيجية، وعدم وضوح الأهداف، والاعتماد على قرارات سريعة كنتاج نمط غير عقلانى أهوج. هذا ما تتبعه قطر وحاكمها الذى دافع عن سياسة بلاده الداعمة لحركة الإخوان وإيران وحماس، وهاجم سياسة بعض دول الخليج. السياسة الخارجية تنبع من إمكانات الدولة ومواردها أى تقوم على محددات داخلية خاصة بطبيعة الدولة وموقعها الجغرافى ومواردها الاقتصادية والسكانية، ومحددات خارجية تنطلق من بيئتها الإقليمية والدولية. وبالنسبة لقطر، تتطلع إلى لعب دور أكبر من إمكاناتها كدولة، ولها طموح لكى تكون لاعبا إقليميا ودوليا مؤثرا، وهو ما لا يتيحه لها حتى موقعها الجغرافي، وكانت تظن نفسها حتى الأمس القريب أنها إمبراطورية كاملة القدرة، تستطيع أن تحرك بأصبعها الشرق الأوسط كله، وتصورت قوة وهمية من مال النفط وقناة الجزيرة التليفزيونية، سمحت لها بأن تتحول إلى «ولد طائش» أو«مزعج» فى العالم العربي. قطر منذ 2011 ومن خلال قناتها الجزيرة وهى مستمرة فى نهجها نحو العداء والتربص والهجوم الشديد على مصر والتحريض على القتل والعنف وتأليب الرأى العام الداخلى بمزيد من الفبركة والموضوعات الملفقة التى لا هدف من ورائها إلا محاولة تدمير وهدم الدولة، وهو ما لن يحدث، بل واستضافتها بعض أعضاء وقيادات جماعة الإخوان وتمويل التنظيمات الإرهابية فى الوطن العربى شرقه وغربه، شماله وجنوبه. وفى الوقت الذى شكلت فيه لجنة الوساطة القطرية بين الحكومة اليمنية والحوثيين، كانت الداعم الأكبر لجماعة الحوثى المتمردة منذ وقت مبكر وبشكل سري، أى أن الدوحة كانت تتوسط بين الجانبين ظاهريا، بينما تدعم الحوثيين فى الخفاء. تدعم الجماعات الإرهابية فى ليبيا، ويكرم حاكم قطر أعضاء الجيش القطرى بعد عودتهم من ليبيا على أداء مهمتهم هناك نحو مزيد من الدمار والقتل والتفرقة، وفى سوريا كذلك تعمل على دعم الإرهابيين وتسليحهم وتوفير الغطاء السياسى لهم. هى متخصصة فى المشاحنات مع جيرانها، وصارت تصرفات وسياسات قطر خروجا على أى مواثيق خليجية أو عربية بشكل عام، فقد اعتادت الخروج من الإجماع والعمل العربى المشترك ضد الإرهاب، بل أصبحت الممول الرئيسى لما سمى الربيع العربى، وقناة الجزيرة أداتها الإعلامية. فضلا عن التقارب مع إيران، بسبب المصالح والمشاركة فى حقل غاز الشمال، لكن ذلك ضد سياسة الخليج الذى تحمل دوله مخاوف وهواجس من إيران. بعد قطع العلاقات الدبلوماسية لأكثر من دولة عربية مع قطر، تخسر الدوحة على جميع الأصعدة، الاقتصاد القطرى فى حالة سيئة الآن، ويخسر الشعب القطرى المرفه مع زيادة المقاطعة ويمكن أن تتبلور الأمور وتتوقف على موقف الشعب ذاته ومدى رضائه أو عدم رضائه عن حاكمه بعد ما يتحمله الآن من أعباء معيشية. وهناك طرف يستفيد من هذا الوضع وهو إسرائيل التى كسبت منذ اندلاع ما يسمى ثورات الربيع العربى، وأقل مكسب لها هو أن الثورات حولت الانتباه عنها وأبعدت نسبيا حقيقة التهديد الإسرائيلى للأمن القومى العربي، وتوارت تقريبا تلك الحقيقة خلف مزاعم أن الفقر والديكتاتورية وغيرها أساس اهتمام العالم العربى وليس إسرائيل، فى ضوء حقيقة تصاعد مصادر أخرى محلية وإقليمية للتهديد لم تكن معروفة قبل اندلاع الثورات العربية، لكن سوف تظل القضية الفلسطينية مسألة أمن قومى للدول العربية، وأن ضغوط مصادر التهديد الأخرى التى تواجهها هذه الدول لن تؤدى أبدا إلى ضعف موضع وموقف التهديد الإسرائيلى الذى كان وسيظل فى أولويات تهديدات الأمن العربي. ورغم مظاهر التأييد التى حصل عليها قرار قطع علاقات بعض الدول العربية مع قطر لاسيما من الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية التى اعتبرت ما حدث شيئا إيجابيا وأنه نتاج لزيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض وخطابه حول مكافحة الإرهاب وداعميه وذلك رغم وجود القواعد العسكرية الأمريكية فى الدوحة إلا أن المشهد العربى الحالى ينذر بأزمة ليس أقلها حدوث حالة استقطاب بين معسكرين، وما يحدث الآن بسبب تصرفات قطر يمثل مرحلة جديدة نحو تمزق العالم العربى الذى يتزايد ضعفه. كما أن الأزمة الناجمة عن تصورات وممارسات الدوحة يمكن أن تؤدى إلى مزيد من تصعيد التوتر بين الشيعة وبين السنة فى المنطقة، لأن قطر تلعب بصورة خفية، وإذا أرادت الخروج من هذا المأزق عليها أن تثبت حسن نياتها وتدرك أنه لا يمكن الاستغناء عن محيطها العربي، ولا بديل آخر سوى العودة عن توجهاتها الداعمة للعنف ومروجيه. الأمر أصبح يستوجب اتفاق الدول العربية ذات التأثير الحقيقى على أرضية عامة مشتركة توحد الجهود داخل أطر عملية تكون نواة حقيقية للإعداد للتغيير المنشود الذى يجسر الخلاف، ويوجه الجهود نحو بؤرة واحدة مشتركة، هدفها المعلن سد الطريق على قوى الشر والحرص على قراءة الواقع العربي، وتحديد نقاط القوة والضعف لكل من قوى الدفع إلى الأمام وقوى الجذب إلى الخلف، لحسن إدارة المشهد العربى مع تجنب التنافس وإثارة الخلافات إلى الحد الذى تصبح معه مانعا من العمل المشترك. علاوة على الحذر مما تبديه بعض الأنظمة الداعمة لقطر من مرونة نسبية، تجاه بعض الأطراف الإقليمية، مع توافر الوعى العربى العام، الضاغط والمانع لأى رجوع عن هذا الطريق، ودون توافر هذا الوعى لدى الدول العربية المؤثرة التى تناضل فى هذه المرحلة الصعبة، ودون الإرادة العربية المشتركة سوف يظل الوضع كما هو محبطا لأى أمل، ما دامت هناك قطر وأمثالها. لمزيد من مقالات د. نانيس عبد الرازق فهمى