من حق د. محمد مرسي, رئيس الجمهورية, سحب وإلغاء قرار المشير حسين طنطاوي بحل مجلس الشعب, لكن ليس من حقه إلغاء حكم المحكمة الدستورية العليا, وكنت أتمني لو أن قرار د. محمد مرسي اقتصر علي المادة الأولي الخاصة بسحب القرار رقم053 لسنة2102, باعتبار مجلس الشعب منحلا اعتبارا من يوم الجمعة الموافق51 يونيو2102, علي أن تتم إحالة الأمر بعد ذلك إلي المحكمة الدستورية لتفسير حكمها أو حتي الاستفتاء علي قرار حل المجلس أو اللجوء إلي أي طريقة قانونية للخروج من هذا المأزق. تسرع المشير حسين طنطاوي, رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة, بإصدار قرار بحل المجلس, برغم أن حكم المحكمة ملزم بمجرد نشره في الجريدة الرسمية, وكان يمكن ترك الأمر لمجلس الشعب نفسه ليتخذ قرار حله بنفسه.. لكنه صراع الديناصورات واتخاذ القرارات المتسرعة في المرحلة الانتقالية التي أسهمت في تعميق حالة الانقسام, فكان رد فعل الرئيس مرسي بعد انتخابه بعودة المجلس المنحل ورد الجميل لأعضاء مجلس الشعب الذين وقفوا إلي جواره بالدعم والمساندة في انتخابات الرئاسة, فأصدر ذلك القرار الذي اثار ولايزال عاصفة من الجدل حول مشروعيته ذلك القرار, ومدي التزامه بصحيح القانون, في وقت أقسم فيه الرئيس علي احترام القانون والدستور, والتزم بأداء القسم أمام المحكمة الدستورية, معترفا ضمنيا بحل مجلس الشعب وعدم وجوده, لأن المجلس لو كان موجودا لأدي الرئيس القسم أمامه. القضاء هو حصن مصر الشامخ الذي يجب الحفاظ عليه بكل ما نملك, وتصحيح أوضاعه ودعم استقلاله, برغم الأخطاء التي يقع فيها بعض القضاة, لكن تصحيح أوضاع القضاء المصري لن يكون بضرب أحكامه أو هز صورته أمام الرأي العام. صحيح هناك ملاحظات كثيرة علي اداء بعض القضاة, لكن علي الجانب المقابل لا يمكن أن ننسي المواقف المشرفة والناصعة للقضاء المصري علي مر تاريخه, فهو القضاء الذي ألغي اتفاقية الغاز المصرية الإسرائيلية في أثناء حكم النظام السابق, والمحكمة الدستورية هي التي حكمت بعدم دستورية مجلس الشعب مرتين: الأولي لنفس الخلل الحالي( القوائم والفردي), والثانية بسبب الإشراف القضائي, وفي تلك المرة ألزمت المحكمة النظام السابق بتوفير قاض لكل صندوق في انتخابات0002, و5002, ولولا التعديلات الدستورية المشئومة عام7002 لم تكن كل هذه الكوارث قد وقعت في أسوأ انتخابات برلمانية عرفتها مصر عام0102 بعد إلغاء الإشراف القضائي. المشكلة الآن ليست في عودة مجلس الشعب, فهو قد عاد بحكم قرار الرئيس محمد مرسي, لكنها تكمن في عدم دستورية كل قراراته وقوانينه التي سوف يصدرها, لأنها موصومة بعدم الدستورية, وباطلة جملة وتفصيلا, لأنها صدرت بعد حكم المحكمة الدستورية التي تعتبر أحكامها ملزمة لجميع سلطات الدولة وغير قابلة للطعن عليها من أي جهة, وبالتالي فإن مجلس الشعب لا يستطيع إصدار أي قوانين أو قرارات, لأنها باطلة باتفاق كل فقهاء القانون. أتمني ألا يتحول حكم المحكمة الدستورية إلي صراع سياسي بين الرئيس محمد مرسي والمشير طنطاوي من جهة, أو بين تيار الإسلام السياسي وبين الليبراليين من جهة أخري, فلابد أن يصطف الجميع خلف القانون يساندونه ويدعمونه إذا كنا جادين في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي تظللنا جميعا, ونحتمي بها في مواجهة العواصف والأعاصير التي يمكن أن تهب علينا في أي لحظة. لقد أعجبني البيان الصادر عن الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية يوم الاثنين الماضي, الذي أشار إلي أن المحكمة ليست طرفا في المعادلة السياسية, وأنها سوف تمارس دورها في حماية القانون والدستور. ليت مجلس الشعب هو الآخر يبادر بحل نفسه ويتخذ موقفا إيجابيا في هذا الشأن, وأعتقد أن إحالة حكم المحكمة إلي اللجنة الدستورية يمكن أن يكون بداية الخروج من هذا المأزق, وعلي اللجنة الإسراع بإصدار التوصية بحل المجلس, أو طلب التفسير من المحكمة الدستورية, وبذلك يؤكد المجلس ثقة المواطنين فيه باحترامه أحكام القضاء, حتي وإن اختلف معها. لا يمكن أن تكون أخطاء وتجاوزات الماضي مبررا لأخطاء وتجاوزات جديدة تحت أي مسمي, وإلا ما هو الجديد في الأمر؟! المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة