استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    بعد تراجعات أمس.. الدولار يستقر أمام الجنيه فى بداية التعاملات    الثلاثاء 21 مايو 2024.. نشرة أسعار الأسماك اليوم بسوق العبور للجملة    بنك مصر يوقع عقد قرض ب990 مليون جنيه مع «ايديتا للصناعات الغذائية»    الثلاثاء 21 مايو 2024.. ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات اليوم    وزير النقل يبحث مستجدات تسيير خط «رورو» للحاصلات بين مصر وإيطاليا    وكالة تسنيم: انتخاب موحدي كرماني رئيسا لمجلس خبراء القيادة الإيراني لمدة عامين    الأهلي يواصل استعداده لمواجهة الترجي بنهائي دوري أبطال أفريقيا    رغم تفضيله الريال.. 50 مليون يورو تقرب موهبة ليل من باريس    تداول ورقة مزعومة لامتحان الهندسة ب«إعدادية القليوبية»    فيديو.. الأرصاد: الموجة شديدة الحرارة مستمرة حتى الخميس    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    خبيرة تغذية توجه نصائح للتعامل مع الطقس الحار الذي تشهده البلاد (فيديو)    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لمنطقة أبو غليلة    كيف نحمي الرضع والأطفال من الإجهاد الحراري خلال الموجة الحارة؟    رقم تاريخي لعدد أهداف موسم 2023/24 بالدوري الإنجليزي    الحالة الثالثة.. التخوف يسيطر على الزمالك من إصابة لاعبه بالصليبي    بشير التابعي: معين الشعباني لم يكن يتوقع الهجوم الكاسح للزمالك على نهضة بركان    آخر مستجدات جهود مصر لوقف الحرب في غزة والعملية العسكرية الإسرائيلية برفح الفلسطينية    مبعوث أممي يدعو إلى استئناف المحادثات بين إسرائيل وحماس    زلزال يضرب محيط مدينة نابولي جنوبي إيطاليا    موعد عرض مسلسل دواعي السفر الحلقة 3    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    اليوم.. «محلية النواب» تناقش طلب إحاطة بشأن إزالة 30 عقارًا بالإسماعيلية    جهات لا ينطبق عليها قانون المنشآت الصحية الجديد، تعرف عليها    بعد رحلة 9 سنوات.. ماذا قدم كلوب لفريق ليفربول؟    حمدي الميرغني يحيي ذكرى رحيل سمير غانم: كنت ومازلت وستظل أسطورة الضحك    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر: توقيت وقفة عرفات وعدد أيام العطلة    محافظ جنوب سيناء يلتقى عددا من رؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية الأفريقية    براتب 5000 جنيه.. وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بالقاهرة    قبل طرحه في السينمات.. أبطال وقصة «بنقدر ظروفك» بطولة أحمد الفيشاوي    عاجل.. مصرع شاب إثر غرقه بمياه نهر النيل بمنشأة القناطر    ضياء السيد: مواجهة الأهلي والترجي صعبة.. وتجديد عقد معلول "موقف معتاد"    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    انتداب المعمل الجنائي لمعاينة حريق شقة سكنية بالعمرانية    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    رفع لافتة كامل العدد.. الأوبرا تحتفي وتكرم الموسيقار عمار الشريعي (تفاصيل)    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام صادق.. الفارس يترجّل

ها هو الموت يغيّب عنا أحد فقهاء القانون البارزين ليس في مصر وحدها ولكن في العالم العربي أيضاً. هذا العالم العربي الذي رأى فيه الراحل الدكتور هشام صادق الأستاذ بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية (1936-2017) والعميد الأسبق لكلية الحقوق جامعة بيروت العربية مصدر انتماء ومشروعا قوميا. فأصبح طبيعياً أن ننظر إليه كأحد العروبيين برغم أنه لم يُعرف عنه ارتباط سياسي بأحد الأحزاب القومية أو الناصرية. لكن شيئاً في الرجل وأحاديثه ومواقفه كان يشي بوضوح بانتمائه الأيديولوجي القومي وانحيازه للوطنية المصرية (في مفهومها الصحيح). وبرغم أن الراحل الكبير قد انضم لهيئة تدريس كلية حقوق الإسكندرية فهو قد جاء إليها في البداية بعد فترة وجيزة عمل خلالها في القضاء العسكري، لكن انتماءه المهني الأول لم يمنعه بعد سنوات عديدة وسريعة أن يصبح »مصبوغاً« بنزعة أكاديمية أصيلة وروح علمية بارزة حتى أصبح يوماً من الداعين إلى عدم التوسع في اختصاص القضاء العسكري. ثم سرعان ما أخذه القانون الدولي الخاص إلى آفاقه القصيّة وإشكالياته العميقة، وهو الفرع الذي يُعتبر من أدق الفروع القانونية فيما يبحثه من موضوعات الجنسية، ومركز الأجانب، وتنازع القوانين، والاختصاص القضائي الدولي لدرجة يمكن معها وصفه بأنه »الفرع الأرستقراطي في العائلة القانونية«.
أتذكر يوماً دعاني فيه الراحل الكبير مع بعض زملاء الكلية، وقد كنت عائداً لتوي من بعثتي الدراسية في فرنسا إلى حضور ندوة للمفكر الفلسطيني العظيم أحمد صدقي الدجّاني (1936-2003) في حي الشاطبي بالإسكندرية. ولأنني كنت من المولعين بمتابعة كتابات المفكر الفلسطيني المرموق وبلغته العربية الساحرة توجهت لحضور الندوة التي دعا إليها المرحوم الدكتور هشام صادق لأفاجأ بقلة عدد الحضور الذي لم يتجاوز أصابع اليدين فأدركت لحظتها أن ثمة فجوة ما تفصل بين القضايا القومية الكبرى وبين القضايا الحياتية اليومية لعموم الناس. وهذا أمرٌ بدا لي حينها مفهوماً، لكن ما لم يبد لي مفهوماً ربما حتى الآن هو أن النخب الأكاديمية في مصر، وهي ذات قدرات وإمكانات هائلة وعظيمة تعزف عن الانشغال بقضايا الفكر العربي وتحدياته، ومن باب أولى بالقضايا الوطنية حتى غير السياسية منها. لا يخلو هذا بالطبع من وجود قامات أكاديمية كبيرة طالما اسهمت في حركة التنوير وأضافت إلى نهر الحياة في مصر بخلاف دورها الأكاديمي والعلمي وكذلك تجمعات أكاديمية أحدثت حراكاُ مهما مثل حركة 9 مارس، لكني أتحدث هنا عن القاعدة العريضة لجموع الأكاديميين في مصر. هو على أي حال موضوع معقد يكفي أن نتساءل فيه لماذا يضج الأكاديميون المصريون خارجها وليس داخلها بالنشاط والهمّة والعطاء والتأثير ؟ وللإنصاف فالتساؤل لايقتصر على الأكاديميين فقط بل يشمل عموم المصريين. يستحق الموضوع حديثاً يتجاوز هذه المساحة المخصصة لتأبين الدكتور هشام صادق.
كان الراحل الكبير متابعاً دقيقاً للقضايا الفكرية والهموم الوطنية متفاعلاً معها ومشاركاُ فيها خصوصاً في حدود ما سمحت به ظروفه الصحية في الأعوام الأخيرة. كان يميزه حديثه المفعم بالحرارة والصدق في أي قضية يناقشها حتى لتشعر أنه لا يتحدث بلسانه فقط ولكن بمشاعره وأعصابه. كان معروفاُ عنه ممارسته لرياضة الفروسية وعشقه لها في نادي اسبورتنج الشهير بالاسكندرية. وكان أحد القابضين على المعايير والقيم الجامعية بل يمكن اعتباره من حراس هذه القيم. لكنه في سنواته الأخيرة آثر العزلة وقد أصابته المرارة بسبب ما آلت إليه الأحوال الأكاديمية. تلقيت منه اتصالاً هاتفياً مفاجئاً منذ شهور ليقول لي أنه معجب بورقة كنت قدمتها لإصلاح ما يمكن إصلاحه في الدراسات العليا بالكلية، فاكتشفت أنه برغم عزلته كان يعرف عن أحوال الجامعة التي لا تسر أضعاف ما كنت أعرف.
كان التخصص العلمي للراحل الدكتور هشام صادق، وهو أحد أساتذتي بعيداً عن تخصصي، لكني كنت أحد المتابعين والمعجبين بمنهجيته العلمية فهو يميل مثل الأكاديميين الفرنسيين في المجال القانوني إلى الانشغال بالظواهر القانونية المعاصرة بعيداً عن التقوقع في القضايا التي نقول عنها أنها قُتلت بحثاً، وكان لديه مثلهم شغف متابعة أهم الأحكام القضائية الجديدة والتعليق عليها. ويكاد التعليق على الأحكام القضائية أن يكون في فرنسا هو الفن الفقهي الأكثر ثراء وخصوبة بل لعلّه اليوم هو النشاط الفقهي الذي يقود حركة »علم القانون » في هذه المجتمعات الحيّة المتقدمة. أما عموم النخب القانونية في مصر فهي تؤثر تأليف المراجع العلمية العامة بديلاً عن الاهتمام بالأحكام القضائية الحديثة مع أن هذه الأخيرة هي الأكثر ارتباطاً بالواقع. هل نفعل ذلك- وربما لا أستثني نفسي من هؤلاء- لأننا أحفاد فراعنة يؤثرون تخليد أنفسهم بمراجع علمية ضخمة تبقى شاهدة علينا كأهرامات علمية صغيرة بعد موتنا؟! أم أن ثقافتنا القانونية لا تحتفي لسبب ما بمثل هذا النشاط الفقهي بالغ الأهمية والثراء ؟ أم لأن لدينا مخاوف سياسية ما من التعرض لأحكام القضاء مع أن المتعارف والمستقر عليه في العالم كله أن أساتذة القانون يحق لهم التعرض لأحكام القضاء لأنهم حينما يعلّقون على هذه الأحكام فهم يمارسون في الحقيقة عملاً علمياً خالصاً تحكمه المعايير الموضوعية المنهجية وهم بذلك يُسهمون في تطوير الفكر القانوني وإثرائه.
ولهذا أتوقع من زملاء وتلاميذ الراحل الكبير د. هشام صادق أن يسهموا تكريماً لاسمه في إصدار مؤلف جماعي يضم التعليقات الفقهية على الأحكام الصادرة في أهم قضايا القانون الدولي الخاص تتصدرها إحدى كتاباته. ولعلّ زميلتنا د. حفيظة الحداد وهي التلميذة النجيبة للدكتور هشام صادق والأستاذة المرموقة داخل مصر وخارجها هي من نعقد عليها الأمل لكي يرى مثل هذا المشروع النور. وأتصور أن يكون عميد حقوق الإسكندرية الصديق د. طلعت دويدار متحمساً كعادته في إنجاز هكذا مشروع.
لست أود أن أثقل على قارئ صحيفة سيّارة مثل الأهرام بذكر مؤلفات أحد فقهاء مصر البارزين في تخصص دقيق برغم اقتناعي أنه من واجبنا ومن حق الأجيال الجديدة أن تعرف رموز مصر الناجحة التي أسهمت بحق في صناعة قوة مصر الناعمة في المجال القانوني. وقد تفرّد الراحل الكبير د. هشام صادق بكتابات وجهود مهمة في قضايا الاستثمار. أقول هذا عالماً ما يمثله موضوع الاستثمار من أهمية بالغة في بلادنا. لكن رؤية هشام صادق القانونية رحمه الله وأضيف إليها أيضاً رؤية د. حفيظة الحداد أطال الله عمرها تحتاج إلى الإطلاع لأنها رؤية تسعى للتوفيق بين ضرورات الاستثمار وحماية المصلحة الوطنية. هذه هي المعادلة الصعبة التي أهدرت جهودنا زمناً بين تطرف الانغلاق والابتعاد عن حركة العصر، وتطرف بيع مصر باسم الاستثمار. رحم الله الفقيد الكبير.
لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.