لم يتوقف نجاحها على عملها السابق مديرا للتنمية الثقافية فى المجلس الأعلى للآثار، ولكنها تحركت صوب المستقبل لتشارك فى تأسيس ملتقى «أولادنا» للأطفال من ذوى الاحتياجات الخاصة، لترسم البسمة على شفاههم، عبر تثقيفهم فنيا وموسيقيا ومعرفيا، واشتهرت فى موقعها بكثرة مبادراتها، فتعددت ما بين البرامج التى تستهدف تشجيع الجميع على زيارة المتاحف، فهذا المجال هو عشقها الذى تخصصت فيه فى علم الآثار، وتنطلق منه الى دراسة تأثير الحضارة الفرعونية على بقية الحضارات القديمة - الأغريقية والرومانية والفارسية - خاصة فى مجال العمارة، فألفت كتبا عديدة فى هذا المجال.. هى الدكتور إنجى فايد خبيرة التنمية الثقافية والأستاذ بكلية الآثارة بجامعة الفيوم، صاحبة فكرة مجلة «الفرعون الصغير»، التى تشعر بحزن شديد لأن مصر لم تستغل حتى وقتنا الراهن موروثاتنا الحضارية العظيمة لجذب السياح. ولهذا تطالب المسئولين بضرورة التفكير خارج الصندوق، لأن صناعة الثقافة فى رأيها يجب أن تكون عائدا لمصر وليس عائقا فى ميزانيتها، وتتساءل: لماذا لا نكون مثل فرنسا التى يدر قطاع الثقافة هناك عوائد تفوق صناعة السيارات؟. وإلى نص الحوار: ................................................................ حققتم نجاحا كبيرا عندما توليتم منصب مدير التنمية الثقافية فى المجلس الأعلى للآثار.. فما هى الأسس التى اعتمدت عليها؟ فى البداية قمت بتوحيد عمل الإدارة بمجرد تولى المنصب فى 2003، وأنهيت فكرة الأنشطة الفردية لبعض الشخصيات، وكانت النتيجة توحيد العمل وتناغمه، وأصبح القطاع قويا نظرا لتأسيس برنامج ثابت شهريا لكل المتاحف، مما ساهم فى متابعة وحضور جيدين جدا من المصريين. وتم رصد ذلك بإحصائيات علمية قبل وبعد تنفيذ برامج ثابتة، ولاحظنا زيادة معدل زيارات المصريين للمتاحف. ثم وضعنا معايير ومواصفات ومهام لعمل القطاع، تمكنا من خلالها فى تحقيق سياسة تنمية الوعى الثقافى الآثرى من خلال برامج متنوعة ومختلفة للكبار وللصغار، ونفذنا تلك البرامج على مستوى متاحف مصر شمالا وجنوبا وعلى الصعيدين المحلى والدولي. كما نجحنا فى فتح المتاحف ليلا لاستقبال الزوار وجذبهم بمختلف الأدوات التسويقية الثقافية لزيارة المتاحف، وعلى سبيل المثال لا الحصر تم تنفيذ ندوات وأمسيات مع كبار المثقفين ومعارض للفنانين ولقاءات مع النجوم ومدارس لتعليم الكبار علم الآثار. ونظمنا معارض للصور النادرة وللآثار ومعارض متنقلة للنماذج لتصل الى الأماكن النائية التى يصعب على سكانها الحضور للمتحف، وكذلك رحلات للأطفال وأقمنا احتفالات سنوية ثابتة ليوم المتاحف العالمى ويوم التراث العالمي، وتميز الأطفال ببرامج متنوعة شهرية، مع إصدار أول مجلة ملونة أثرية باسم «الفرعون الصغير» كتبها الأطفال والمبدعون. وماذا عن الصعيد الدولى؟. نفذنا العديد من الأنشطة التعريفية للآثار فى إفريقيا وأوروبا، ومنها مسابقة الرسم الدولية التى تبنتها المفوضية الإفريقية.بخلاف برامج صيفية تستهدف الأجانب والمصريين من مصطافى الشواطئ، كمسابقة النحت على الرمال والمهرجانات. وقد قدمنا كل هذه البرامج مجانا وفقا لقانون إنشاء المجلس الأعلى للآثار، وقد غطت الأنشطة المتنوعة كل الأذواق، وأذكر آن مصرناقشت من منبر المتحف المصري، مشكلة آثار العراق. تحدثتى فى وقت سابق عن أن مساهمة صناعة الثقافة فى ميزانية فرنسا أكبر من صناعة السيارات.. فكيف تسهم الثقافة فى اجمالى دخل الدول بهذه الصورة؟ الحقيقة أن ما ذكرته كان وفقا لاحصائية علمية تابعة لليونسكو، والحقيقة أيضا أن صناعة الثقافة فى فرنسا فى 2009 و2010، فاق دخلها من صناعة السيارات وذلك من خلال أنشطة عديدة مثل السياحة العلاجية والمهرجانات والسينما والسياحة الثقافية وسياحة الشواطئ، وقد تمكن الفرنسيون من تحقيق هذه المعادلة الصعبة، بالرغم من عدم امتلاكهم ربع المقومات المصرية، سواء فى المناخ أو تنوع المناطق وبالطبع الموروث الحضارى وأيضا السياحة العلاجية التى هى تمثل كنزا لمصر. ونحن لا نتحدث عن فرنسا فقط، فإمارة دبى نجحت فى أن تكون مسرحا دوليا خصبا صناعيا واستثماريا للعديد من الشركات، حيث وفرت مناخا سياحيا و تسويقيا وشاطئيا، والآن ثقافيا مختلفا ومتنوعا. فالعبرة ليست فى امتلاك موارد فحسب وإنما فى كيفية تأسيس منظومة يتم من خلالها توظيف وإدارة هذه الموارد. بناء على ذلك.. ماهى رؤيتك لصناعة ثقافة مصرية دولية تحقق الهدف المرجو؟..أى كيف نصنع أجندة ثقافية عالمية تجذب السائح الأجنبى والعربى؟ بداية يجب وضع إستراتيجية للمنظومة العامة تشمل توحيد الرؤى بين السياحة والآثار والإستثمار والتعليم، على أن تكون ضمن خطة دولة وليس برنامجا يقتصر على أحدى الوزارات. ولكى نحقق هذا الهدف علينا التفكير خارج الصندوق، وتنفيذ خطة «اقتحام دولي» أى أن نصل الى فكر الخارج عبر وضع برنامج ثابت من احتفالات ومهرجانات و فعاليات متنوعة سنويا، وإحياء احتفالات قديمة مثل «عيد الحب» و»عيد التتويج»وعيد وفاء النيل وغيرها بتواريخ ثابتة، يتم نشرها من خلال مكاتب الهيئة العامة للاستعلامات فى الخارج. وكما ذكرت، يجب أن تتكاتف كل الوزارات المعنية على تحقيق هذه الرؤية من خلال لجنة عليا تابعة لرئاسة الوزراء من عناصر قوية قادرة على توفير وتحقيق المضمون. وعلينا أن نضع أعيننا على السائح المتميز من نوع A class وتوفير الخدمات اللازمة له لجذب هذه الطبقة التى اختفت تماما أو انقرضت نسبتها.ويؤسفنى أن أقول إن مصر يتم تسويقها سياحيا فى الخارج بأقل قيمة ممكنة شاملة التذاكر والإقامة والخدمة، ورأينا كيف نجح الأتراك فى الاهتمام بصناعة السينما والدراما، وتصدير ذلك بموضوعاتها الناعمة المتنوعة لتتمكن من اجتياح الأسواق العربية. عملك كخبيرة أثار..كيف نعرف أجيالنا الحديثة بحضارتنا العظيمة التى يجهلها الشباب الآن؟..وكيف ننمى الوعى الأثرى للمصريين؟. لعلى لا أكشف سرا أنه فى ظل غياب التربية القومية أو تدريس كتاب الأخلاق، سيصعب على الأجيال القادمة التعريف بقيمة هذا الوطن..فالتعليم ثم التعليم، حتى نخرج من عنق الزجاجة، فثمة مشكلة وهى أن أجيالنا لجديدة ينهلون العلم والمعلومة من الغرب ووسائل الميديا أكثر من الكتب..وعجزت لجان وضع المناهج من الإستفادة من الأبحاث الجديدة والمعلومات الخصبة، ولذلك نجد أن نفس المعلومات التاريخية والجغرافية يتم تدريسها منذ عشرات السنوات بنفس الطريقة، الأمر الذى يفسد على المتعلم رغبته فى التحصيل العلمى السليم، لأنه هدفه هنا هو النجاح فقط. وطالبناكثيرا بضرورة تدريس اللغة الهيروغليفية فى الرسم كمادة! لكن للأسف ألغوا حصة الرسم!. وبمناسبة تنمية الوعى الآثرى للمصريين، كنت صاحبة تجربة ناجحة، عندما بادرت بتأسيس مناهج لتوزيعها داخل المتاحف على الأطفال المدارس ليستفيدوا من زيارتهم للمتحف، وذلك أسوة بما يتم فى المتاحف العالمية، وحققت هذه المبادرة مردودا طيبا، هذا بخلاف التنوع وبساطة المعلومة، حتى نجذب الأطفال. ولكن للأسف، لم تستمر هذه المبادرة نتيجة لأعذار واهية، مما أفقد البناء قوته، فأصبحت زيارة المتحف رحلة ترفيهية للأطفال ولا يخرجون منها بأى معلومة إضافية لهم. كيف ننهض بأطفالنا لمعرفة تاريخنا القديم؟ اتذكر هنا كيف نجحنا مع فريق عمل متخصص على مدى 10 سنوات من تأسيس منظومة كاملة لتوعية النشئ بالآثا، ولا زلت أستشعر نتائجها كلما حضرت احتفالا ويفاجئنى مواطنون بتحيتى وتذكيرى بالمنظومة ويسألونى عن المتاحف والأنشطة..ودعينى استغل موقع صحيفة «الأهرام» العريقة لأناشد المسئولين بأن مصر فى حاجة لوزارة تنمية وتوعية أثرية واقتصادية وصحية وأخلاقية لكى ننهض. وإذا كنا ذكرنا الضرورات، فنضيف هنا أننا فى فى حاجة ماسة لإعادة صياغة سياسة عمل وفقا لأولياتنا الجديدة، ويكفى أن نقول على مدى السنوات القليلة الماضية شهدنا 9 وزارات ولم يتغير هيكلها فظلت بنفس الشكل ومازالت تعتمد على الأفراد وليس الأنظمة..والوقت أسرع مما يتخيله الجميع ولابد من مواكبة التطور العلمي. لكى تستشعر الأجيال قيمة هذا البلد، لابد من توفير العناية والاهتمام لهم حتى ينتموا لمصر..فخلال عملى السابق قدمنا برامج مجانية متنوعة ومتعددة، ولم تعتمد على المناهج الدراسية، بل أضافت وقدمت الجديد، وجمعنا الأطفال والشباب فى رحلات حول مصر..وأبدينا اهتماما بالغا بذوى الاحتياجات الخاصة ودمجنا هؤلاء مع غيرهم من خلال ملتقى «أولادنا» التى وشرفت بالعمل فيه بلجنة التحكيم. وأصبح صوت «الفنون» أعلى من الكلام فى أنشطة الملتقي، وقدمنا المعلومة من خلال الرسم والمسرح و النحت والموسيقي، ليعرف ويتعلم من خلالها ذوى الاحتياجات الخاصة .. كما راعينا فى المسابقاتتشجيع حب التنافس، وتبنينا مواهب عديدة وشجعناهم على الاستمرار، وهذا خير مثال على كيفية تنشئة أجيال جديدة من ذوى الاحتياجات الخاصة على حب المعرفة والثقافة.