مر خمسون عاما على يونيو 67، هذا الشهر الذى شهد هزيمة عسكرية ثقيلة فى مصر وهو الذى شهد يوم التاسع منه، موقفا شعبيا، فاجأ العدو، مفاجأة لم تكن أبدا فى الحسبان ، وقد أصابه عجز تام عن فك «الشفرة المصرية» المستعصية. رفعت امريكا واسرائيل وحلفاؤهما الكؤوس نخب هزيمة يونيو، حيث تكالب جميع أعداء الداخل والخارج، لإجهاض المشروع الناصرى لإحياء القومية العربية.. كانت اسرائيل أداة تنفيذ المخطط العالمى ضد مصر وماكان باستطاعة الدولة المصرية التصدى لكل شركاء العدوان.. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، قلدت باريس اربعة او ستة وعشرين طيارا فرنسيا، اقول :فرنسيا، أوسمة ،لمساهمتهم فى قصف مصر عام 67 !!.. أى ان اسرائيل ليست تلك القوة الخارقة التى صوروها لنا، ولا كانت مصر، رغم وجود اخطاء، بهذا الوهن الذى ارادوا ترسيخه ترسيخا ابديا فى وجداننا..والغريب ان الشامتين المصريين لا يفوتهم، سنويا، نصب مناحة يونيو،بينما تعمى عيونهم تماما، عما حدث فى مساء التاسع من يونيو، وما اعترف اطراف العدوان بانه فرض تغييرا فى الاستراتيجية العالمية،إذ كانت تعتبر حاسباتها الآلية ،ان هزيمة عسكرية ساحقة ماحقة تعنى رحيل القائد بدون نقاش، لكن، وحيث ان الكومبيوترات مجرد آلات معدنية جامدة تعجز عن رصد الوجدان والمشاعر وترجمتها، فقد فاجأها وأذهلها رد فعل المصريين البالغ الوعى بالمخطط الخبيث،.ما هى إلا دقائق معدودة من خطاب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر،الذى كان الهدف الاساسى للعدوان، إلا وانتفض الشعب المصرى وبقية الشعوب العربية،من المحيط الى الخليج،تعلن رفض الهزيمة، وتؤكد استمرار النضال حتى النصر. لن أنسى ما حييت،ما كنت أسمعه من شماتة واستعلاء من اذاعتى صوت امريكا وتل أبيب، وتأكيدهم بأن «هذا الدكتاتور، أى عبد الناصر، يجب ان يرحل!!» التفت نحو زوجى، الكاتب الراحل علىالشوباشي، متساءلة. «ايه ده يا على، هُما بيكروه للدرجة دى ليه؟.. مادام امريكا واسرائيل بيكرهوه يبقى حبيبى» نظر لى على بعينين مغرورقتين بالدموع وقال «ما هو نفس سيناريو محمد على بيتكرر».. دوى فى سماء القاهرة هتاف كالرعد: ناصر.. ناصر.. ثم توالت الشعارات بعدها، والشوارع تضيق بالمتدفقين عليها، مكتوب على قلوبنا عبد الناصر محبوبنا! كان انتخابا بالإجماع وعندما تأخر عبد الناصر فى الرد رفعنا صباح العاشر من يونيو شعار:إحنا الشعب اصحاب الحق، لأول مرة نقولك لأ.. واستجاب الزعيم للارادة الشعبية، وكانت وقفتنا مساء التاسع من يونيو, أول خطوة فى طريق العبور.. لقد هزمنا الهزيمة العسكرية، ورفعنا شعار المقاومة، فكانت حرب الاستنزاف المجيدة، وبدايتها فى الأول من يوليو فى معركة رأس العش، عندما صعقت قوات الصاعقة المصرية، المدرعات الاسرائيلية. وتوالت المقاومة الباسلة البطولية لقواتنا المسلحة ،التى لم تبخل بالتضحيات،لاسترداد الكرامة وتلقين العدو الظاهر ومن وراءه درس العمر بأن توُجت حرب الاستنزاف بالعبور العظيم ..هل كان يمكن تحقيق العبور لولا حرب الاستنزاف، التى اذاقت اسرائيل المُر، والسؤال الأهم، هل كان يمكن ان تتم حرب الاستنزاف ثم العبور، لو لم تكن وقفة الشعب المصرى التاريخية والمعجزة، ليلة التاسع من يونيو؟. مع ذلك لا يزال كارهو مصر الوطن، يولولون ويذرفون دموع التماسيح على الهزيمة، وكأننا الدولة الوحيدة التى هُزمت، ولا يشيرون من قريب او من بعيد الى اطراف العدوان ومؤامراتهم الخسيسة، ولا الى خيبة أملهم بأن يسير الشعب بجوار الحائط كما ارادوا، ويتبجح هؤلاء بأن الاتحاد الاشتراكى هو من ملأ شوارع مصر بالملايين ويصابون بالخرس عندما تسألهم اذا ما كان هو من جعل الملايين تبكى يوم رحيل الزعيم. عشت يوم هزمنا الهزيمة يونيو 67 ويوم هزمنا المخطط الشيطانى يونيو 2013.. وتحيا مصر. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى;