يوم من الصعب بل من المستحيل نسيانه، فكيف تنسى يوما غير مجرى التاريخ وسجل فشل الولاياتالمتحدةالأمريكية وشركائها فى جنى «ثمار» العدوان على مصر، الذى تم التخطيط له على مدى نحو عشر سنوات، تحديدا عقب خطاب عبد الناصر من على منبر الأزهر الشريف عام 56، والذى خرجت بعده الجماهير تفجر أنابيب النفط فى كل بقعة من الوطن العربي. ساعتها تم اتخاذ القرار بالتخلص من «مصر عبد الناصر». قرأت بأم عيني، أن وقفة الشعب المصرى الأسطورية فى مساء التاسع من يونيو عام 1967، غيرت «الاستراتيجية العالمية»، التى توقعت يقينا، أنها الهزيمة العسكرية الساحقة الماحقة، تعنى بالضرورة رحيل القائد، وهو ما صدحت به اذاعات صوت أمريكا وتل أبيب وأمثالهما.. فى لحظات معدودة، وفور اعلان الزعيم جمال عبد الناصر، تنحيه عن الحكم، هرعنا إلى الشارع، بالملايين فى مصر وفى الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج، نهدر بأعلى صوت، حتى يصل إلى أسماع قادة البيت الأبيض فى واشنطن، مكتوب على قلوبنا، عبد الناصر محبوبنا، ومكتوب على سلاحنا عبد الناصر كفاحنا.. وللزعيم قلنا بحسم: احنا الشعب أصحاب الحق، لأول مرة نقولك لأ.. والغريب أن البعض يولول على الهزيمة العسكرية، التى كان من الصعب تفاديها نظرا للفرق الرهيب فى التسليح ما بين الغرب وبقوات اسرائيلية وما بين دولة كانت تنصب جهودها على تحقيق طموحات شعبها البسيطة والتى تتمثل فى العيش بكرامة فوق أرضها.. أدرك الشعب بحسه الجمعى هول المؤامرة، وأن قوى شريرة تريد وقف مسيرته ومساره.. فخرج متحديا كل «التحذيرات!!» وانتخب عبد الناصر بالاجماع، فى استفتاء شعبى فريد، مؤكدا استمرار النضال لبلوغ الهدف المنشود. وكان البشر، بذواتهم، هنا، أقوى من كل أسلحة العدو، وجسد المشهد بوضوح لا يقبل شكا أو تشكيكا، اننا هزمنا الهزيمة.. وقد كان التاسع من يونيو، أول خطوة فى طريق العبور العظيم، وأول سطر فى سجل ملحمة حرب الاستنزاف التى وصفها الاسرائيليون بأنها أطول وأشرس وأوجع حرب خاضتها إسرائيل مع العرب وكان ذلك فى أواخر التسعينيات.. وأذكر عندما بدأ العبور العظيم أن وسائل الاعلام الفرنسية كانت تعبر عن انبهارها ب «الدولة المصرية» وشعبها، وكيف كانت القاهرة موضع تعليقات مراسلى هذه الوسائل، بأن الحياة فيها تسير بشكل طبيعي، وكأن حربا ضارية لا تدور رحاها مع عدو تاريخي، تسانده قوى كثيرة على رأسها واشنطن.. ولولا قوة وحدة الدولة وتماسكها ما استطاع جيشها العظيم، وبدعم شعبى كامل، تحقيق النصر.. كل هذه العوامل والتى تصب جميعها فى «الدولة المصرية» القوية والراسخة، أدت إلى حملات اعلامية لم يسبق لها مثيل، وكأننا الدولة الوحيدة التى لاقت هزيمة عسكرية فى التاريخ الحديث، واحتل أعداء الداخل حيزا كبيرا، فى ملعب تقزيم مصر، بإدانة ثورة يوليو وقيادة عبد الناصر ومحاولات رد اعتبار العهد الملكى ومعها الاحتلال البريطاني.. ومن ثم «فك الارتباط» مع كل توجهات الحقبة الناصرية، من عدالة اجتماعية ورعاية الدولة للفقراء ومجانية التعليم والتصنيع ومكان ومكانة مصر، لدرجة أن «وصلنا» إلى حد اعتبار 99% من أوراق الحل، أى حل، فى أيدى أمريكا.. وكانت الطامة الكبرى فى التآمر على الدولة، سياسة تصفية كل أسباب قوتها، وخاصة مصانعها، بسياسة «الانفتاح» والتى عمقت الفجوة بين الغنى والفقير، بما يفوق بمراحل ما كان الوضع عليه فى ظل الاقطاع. إذ سحبت الدولة تماما، وتركت كل مجالات السيادة، للتيارات المتأسلمة والأثرياء الجدد.. تفككت الدولة عندما تركت فئات الشعب الواسعة نهبا للاستغلال والتجهيل، حتى صارت الرشوة، نتيجة تدنى الأجور، مقارنة بالأسعار من «الضرورات التى تبيح المحظورات!؟» وصارت خيانة الوطن «وجهة نظر»!! وقد عشت فترة «الدولة الحاضرة» حتى فى أحلك الظروف وكيف كان وضعنا لا يقارن بما أوصلنا إليه «تفككها» حتى صارت أشلاء، بمخطط أثق انه تكشف تماما. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى