أقل ما يمكن أن يوصف به قانون الجمعيات الأهلية الجديد أنه يؤثر على الدور المأمول لها فى تحقيق تقدم المجتمع المصري. حيث تؤكد تجارب التقدم فى كثير من المجتمعات أن أحد روافع هذا التقدم بناء شراكة حقيقية وفعالة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. فرغم الدور المهم الذى تقوم به المنظمات الأهلية فى مصر فى المجالات التنموية والدفاعية، إلا أنها لم تصبح بعد شريكاً أساسياً فى المجتمع، ولا تتوفر لها القدرة على التأثير الفعال على السياسات الحكومية فى مختلف الجوانب السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وهى من ثم لا تستطيع أن تقوم بدور تغييرى فى المجتمع وما يزال نشاطها محصوراً فى أعمال الإغاثة والرعاية وأنشطة تنموية بالمفهوم الوظيفى وأنشطة دفاعية مشتتة لا يتوافر لها التنسيق الكافى. ويتبدد دور المنظمات الأهلية فى التنمية إذا لم تكن جزءاً من مشروع قومى للتنمية الشاملة ، وإذا لم يكن هناك مناخ ديمقراطى يسمح لها بأن تكون فاعلة فى المشاركة، وبغياب هذين البعدين فإنها سوف تدخل فى مأزق حقيقى وتصبح مجرد هامش فى عملية التنمية الشاملة على المستويين الاقتصادى والسياسى، ولن تستطيع أن تكون عنصراً فاعلاً أو حتى تتوفر لها القدرة على الضغط على السياسات العامة مثل جماعات الضغط الكبرى فى المجتمعات الديمقراطية. وبالإضافة إلى توفر الديمقراطية فى المجتمع فهناك عوامل أخرى يمكن أن تسهم فى تفعيل المنظمات الأهلية واكتسابها القدرة على أن تكون شريكاً اساسياً فى المجتمع مثل المناخ الثقافى السائد، وتوفر قيم ديمقراطية فى الثقافة الشعبية، ومدى إدراك نشطاء العمل الأهلى لأهميتها فى ظل الظروف الحالية والمستقبلية، ووعيها بأهمية بناء قدراتها لتكون شريكاً أساسياً فى المجتمع، واكتسابها قوة تفاوض جماعى فى مواجهة كل من الدولة والقطاع الخاص من أجل تنمية ثقافة التغيير والمشاركة والحقوق وأهمية قيم المحاسبية والمساءلة وإدارة النزاعات والصراعات السياسية بطرق سلمية والتداول السلمى للسلطة. ومن المهم أن تكون واعية أيضاً أن أساس الشراكة بين المنظمات الأهلية والحكومة والقطاع الخاص هو التكامل بين الأدوار والتعاون فى تحقيق الأهداف المشتركة، فالقطاع الأهلى ليس منافساً للحكومة، ولا بديلاً عن الدور الحكومى، وإنما هو مكمل له، وهناك أساس موضوعى لهذا التكامل ولضرورات التعاون يتمثل فى قدرة القطاع الأهلى على تعبئة موارد إضافية لسد حاجات قطاعات هامة من السكان، وتعبئة هؤلاء السكان فى أنشطة تسهم فى مواجهة مشكلات المجتمع. من المهم أن تتعاون كل المنظمات الأهلية سواء العاملة فى مجالات الدفاع أو التنمية أو الإغاثة والرعاية فى عمل مشترك يمكنها من مواجهة المشاكل المشتركة وتقوية وضعها كطرف فاعل وشريك أساسى فى عملية التنمية وما يوفره ذلك من حقوق اقتصادية واجتماعية والاستفادة من إمكانياتها مجتمعة لبناء قدراتها التى تمكنها من تحقيق هذا الهدف، ومن الضرورى أن يتم هذا الجهد المشترك فى إطار استراتيجية يراعى فيها: -ضرورة المحافظة على دور القطاع الأهلى فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع والتنمية الشاملة، وعدم الانحراف به ليكون مجرد بديل للدولة فى دعم الفئات الفقيرة والضعيفة، وتلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلى. -تعديل التشريعات القائمة المنظمة للعمل الأهلى والمدنى بحيث تتوافر استقلالية حقيقية فى ممارسة النشاط للمنظمات الأهلية ويتطور بنيانها المؤسسى . -مواصلة وتعزيز عملية إنشاء اتحادات جهوية أو قطاعية أو قومية بين التنظيمات المتماثلة لدعم جهودها ومضاعفة النتائج المتحققة منها. - إنشاء أجهزة فنية مشتركة على مستوى القطر للبحث العلمى والإعلام والتدريب والاستفادة منها فى تكوين كوادر جديدة أو تطوير قدرات الكوادر القائمة. -التنسيق فى حملات إعلامية مشتركة لطرح قضايا ومشاكل القطاع الأهلى على المجتمع كله، وتكوين رأى عام مساند لقيام القطاع الأهلى بدور حقيقى فى التنمية والدفاع عن حقوق الإنسان. -فتح قنوات اتصال منتظمة مع السلطة التشريعية والصحافة وأجهزة الإعلام ومراكز صنع القرار فى الدولة لتتوافر لديها باستمرار معلومات وبيانات دقيقة وصحيحة عن القطاع الأهلى واحتياجاته. -عقد مؤتمرات دورية لمناقشة المشاكل والقضايا الأساسية للتنظيمات الأهلية، ودعوة الأطراف الأخرى للمشاركة فيها والمساهمة فى اقتراح الحلول المناسبة لهذه المشاكل وتبنى هذه الحلول لدى الهيئات المختصة. -تحقيق مزيد من الربط بين مجموعة المنظمات التى تعمل فى مجال واحد وتطوير علاقاتها بالفئات المستفيدة واشراكها فى التخطيط للنشاط وتحديد أولوياته، وتطوير أوضاع التنظيمات التى نشأت لتحقيق أهداف جزئية بحيث تتقابل مع قضايا أوسع. -إيجاد حلول حقيقية لمشاكل التمويل، والضغط فى اتجاه تحمل القطاع الخاص والقادرين نصيباً مهما من هذا التمويل بحكم مسئولياتهم الاجتماعية. -التنسيق مع الحركات الاجتماعية والمنظمات ذات الجذور العميقة فى المجتمع مثل النقابات العمالية والمهنية والمنظمات الفلاحية، والجمعيات التعاونية، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين، والمنظمات المهنية، والمؤسسات الدينية، وتنظيمات الخدمة الاجتماعية للاستفادة من تراثها الطويل وخبراتها الواسعة فى مجال الحشد والتعبئة وفى النضال المطلبى والعلاقات العميقة مع القاعدة الاجتماعية. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;