هناك ثوابت راسخة للسياسة الخارجية المصرية منذ عشرات السنين لايمكن أن تحيد مصر عنها، ليس فقط لاعتبارات الجغرافيا والتاريخ، ولكن بالأساس للحفاظ على مقتضيات الأمن القومى المصري. على رأس تلك الثوابت أن العلاقة بين مصر والسودان ليست مجرد علاقة مصالح أو مكاسب وخسائر، بل هى علاقة دم وقرابة وصلة رحم. السودانى والمصرى لاينظر أحدهما للآخر على أنه مواطن من دولة مجاورة، بل على أنه شقيق وأخ وصاحب بيت، ولذلك فإن دواعى السياسة وشواغل السياسيين وحساباتهم يجب ألا تؤثر أبدا على هذا الميراث الطويل من الحب والمودة والتواصل بين أبناء الشعبين، وإذا حدث أحيانا مايعكر الصفو وهذا يحدث دائما بين السياسيين فإن مخزون صداقة الشعبين مايلبث أن ينتصر، لتعود المياه سريعا إلى مجاريها، وكأن شيئا لم يحدث. صحيح.. حدثت فى الأيام الأخيرة بعض التطورات التى أثارت التساؤلات، إلا أن ذلك يحدث بين الأشقاء أحيانا، لكن المهم أن يسعى الطرفان بسرعة إلى احتواء المشكلات كى لاتكبر وحتى لايدخل فيها الراغبون فى الصيد فى الماء العكر. ومن ثم فقد أتت زيارة وزير الخارجية السودانى إبراهيم غندور إلى القاهرة فى هذا السياق. الرئيس السيسى استقبل الوزير غندور، كما أجرى وزير الخارجية السودانى مباحثات مع الوزير سامح شكرى تناولت مجمل أوجه العلاقات الثنائية، ولاشك فى أن المباحثات تناولت سبل تجاوز التوتر الحالى وإعادة علاقات البلدين الشقيقين إلى ما كانت عليه. ومعروف أنه فى العلاقات الدولية يكون لكل دولة تصورها الخاص عن تحقيق مصالحها القومية، وهذا حقها، إلا أنه بالنسبة لمصر والسودان الأمر مختلف، لأن كليهما مرتبط بالآخر ارتباطا وثيقا ليس بسبب النيل فقط، ولكن لعلاقات النسب والمصاهرة والتجارة، وبالتالى يصبح التنسيق بين الدولتين مسألة حياة أو موت، وكلما تم خفض نسبة التناقضات فى المواقف حققت الدولتان مصالح أكثر، والعكس، إذ إنه كلما زادت الخلافات تزداد خسائرهما معا. لهذا يتوقع المراقبون أن تسفر زيارة غندور إلى القاهرة عن تذويب الجليد الذى شاب علاقات الدولتين أخيرا، وأن يتم التوصل إلى نتائج تؤدى إلى عودة العلاقات إلى دفئها المعهود، خاصة أن التطورات الأخيرة فى المنطقة تحتم هذا الدفء، فمصر والسودان لايمكن لإحداهما الاستغناء عن الأخرى حتى لو خرج تصريح إعلامى غير مسئول من هنا أو من هناك! لمزيد من مقالات رأى الاهرام