هل يشكل حزب الحرية والعدالة الحكومة الجديدة في مصر بالتعاون مع حلفائه في حزبي النور والبناء والتنمية, لتنتقل القوي المدنية بكل فصائلها الثورية والليبرالية واليسارية إلي صفوف المعارضة؟ هذا هو السؤال المطروح الآن بعد تعثر تشكيل حكومة ائتلافية في ظل الخلافات الواسعة بين الأحزاب والقوي السياسية المختلفة حول شخصية رئيس الحكومة, وعدم توصل الفرقاء إلي اتفاق بشأن المقاعد الوزارية! وعلي الرغم من طرح العديد من الأسماء لتولي رئاسة الحكومة من بينها الدكتور محمد البرادعي, والدكتور فاروق العقدة, والدكتور حازم الببلاوي, فإن الوصول إلي توافق عام حول أي من هذه الأسماء دفع البعض إلي طرح فكرة تولي الرئيس محمد مرسي بنفسه رئاسة الحكومة, لحين كتابة الدستور وتكليف رئيس وزراء جديد. لكن هذا الطرح اصطدم بنفي الدكتور ياسر علي, القائم بأعمال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية الذي وصف تشكيل الدكتور مرسي الحكومة بأنه مجرد تكهنات, مما أعاد إلي السطح فكرة استمرار حكومة الجنزوري لتقوم بتنفيذ برنامج المائة يوم الأولي من برنامج الرئيس. ومع عدم صدور تعليق رسمي علي استمرار حكومة الجنزوري من عدمه, فقد بدا واضحا أن القوي السياسية تضغط من أجل تشكيل حكومة جديدة رغم كل الخلافات حول شخصية رئيس الحكومة الجديدة, والخلافات العميقة حول توزيع المقاعد الوزارية. فالإخوان المسلمون يطالبون بنصيب الأسد في الحكومة الجديدة, خاصة مع وجود كفاءات وخبرات بارزة داخل الجماعة, ووفقا للتسريبات التي رشحت حتي الآن, فإن قيادات إخوانية طرحت اسم المهندس خيرت الشاطر, والدكتور حسن مالك لرئاسة الحكومة, لكن قيادات إخوانية نفت ترشيح الشاطر. وعلي صعيد المقاعد الوزارية, يتردد داخل الجماعة أن هناك اقتراحات بأن يتولي المهندس سعد الحسيني رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب المنحل حقيبة وزارة المالية, والدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة حقيبة الخارجية, وصبحي صالح وكيل اللجنة التشريعية بالمجلس المنحل حقيبة العدل, والدكتور أحمد أبو بركة حقيبة وزارة مجلسي الشعب والشوري, ويتنافس الدكتور أكرم الشاعر والدكتور حسن البرنس علي حقيبة وزارة الصحة, كما يقدم الإخوان عددا من القيادات للوزارات الخدمية الأخري. وقالت مصادر مطلعة إن الجماعة تسعي للسيطرة علي مختلف الوزارات الخدمية المتصلة بالجمهور, لضمان تأييد المواطنين, وفي مقدمتها وزارة التموين والزراعة والاتصالات. في الوقت نفسه, طالب حزب النور بنصيبه في الحكومة الجديدة, حيث رشح الدكتور بسام الزرقا لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية للشئون الخارجية, والمهندس أشرف ثابت وكيل مجلس الشعب المنحل وزيرا للزراعة, والدكتور شعبان عبدالعليم رئيس لجنة التعليم في مجلس الشعب المنحل وزيرا للتربية والتعليم والتعليم العالي, والدكتور يسري حماد وزيرا للصحة, كما يشترط حزب النور إنشاء وزارة مستقلة لشئون الحج بعيدا عن وزارتي الداخلية والسياحة. وفي حين قدم حزب البناء والتنمية, الذراع السياسية للجماعة الإسلامية, عددا من المرشحين للحكومة الجديدة, قامت ائتلافات شباب الثورة, وحركة6 ابريل بترشيح وائل غنيم وزيرا للاتصالات, وحمدي قنديل ومحمود سعد لوزارة الإعلام ضمن قائمة ضمت أسماء أخري. من جهة أخري, استمر الجدل حول كيفية اختيار الشخصيات المكلفة بالوزارات السيادية, ومن بينها الداخلية والخارجية والإعلام, والتي تصر القوي المدنية علي ضرورة بقائها بعيدة عن سيطرة التيار الإسلامي. ووسط كل هذه التسريبات, عادت إلي السطح مجددا فكرة تشكيل حكومة من الإخوان المسلمين وحلفائهم, باعتبارها الأقدر علي تنفيذ برنامج الرئيس, خاصة أن تشكيل حكومة ائتلافية تضم كوكتيلا غير متجانس من الوزراء يجعل النجاح في تنفيذ برنامج الرئيس من رابع المستحيلات. هذا الطرح لقي تأييدا من جانب عدد من القوي والشخصيات الليبرالية, فحزب الوفد برغم ترحيبه بالمشاركة في حكومة ائتلافية, فإنه لا يمانع في أن يقوم الإخوان وحلفاؤهم بتشكيل الحكومة الجديدة, حتي يمكن محاسبتهم علي أي فشل أو تقصير. من جهة أخري, دعا الدكتور عمرو حمزاوي, رئيس حزب مصر الحرية, جميع القوي المدنية للامتناع عن المشاركة في الحكومة الجديدة, مشيرا إلي أن هناك انتخابات برلمانية مقبلة سوف يعقبها تشكيل حكومة جديدة. وقال حمزاوي إنه من الأفضل أن يشكل الإخوان وحلفاؤهم الإسلاميون الحكومة الجديدة وتنتقل القوي المدنية بكاملها إلي صفوف المعارضة حتي يتحمل الإسلاميون بمفردهم المسئولية عن الإخفاقات المتوقعة في تلك الفترة الحافلة بالتحديات. القوي السياسية الأخري لم تفاجأ بهذا الطرح, فحزب التجمع يرفض بشدة, كما يقول رئيسه الدكتور رفعت السعيد: فكرة تشكيل الإخوان المسلمين الحكومة الجديدة حتي لا تهيمن الجماعة علي مفاصل السلطة التنفيذية. أما القوي والأحزاب اليسارية, فقد رفضت هذا الطرح جملة وتفصيلا, وعلي رأسها الاشتراكيون الثوريون, والتحالف الشعبي الاشتراكي, والحزب الشيوعي المصري, انطلاقا من رفضها لهيمنة القوي الإسلامية علي مؤسسات الدولة. علي أي حال, لم يصدر حتي الآن أي رد فعل رسمي من جانب حزب الحرية والعدالة حول إمكانية قيام الحزب بتشكيل الحكومة الجديدة, غير أن مصادر مطلعة قالت إن الرئيس محمد مرسي هو المسئول الآن عن كل ما يتعلق بتشكيل الحكومة, وإن الحزب لن يقدم تصوراته في هذا الصدد قبل أن تطلب منه مؤسسة الرئاسة ذلك. والسؤال المطروح الآن: هل تكون الحكومة المقبلة ائتلافية برئاسة شخصية وطنية مستقلة.. أم حكومة يشكلها الحرية والعدالة بالتعاون مع حلفائه الإسلاميين؟.