ترتبط قضية الأمية بمشكلات المجتمع المختلفة من اقتصادية واجتماعية وفكرية وحضارية، انطلاقا من أن صانع التقدم فى هذه المجالات هو من يملك القدرة على التعامل مع متغيرات العلوم ومستحدثاتها، ومن ثم فإن الأمية تعترض جوانب التقدم فى هذه المجالات، وتقف عقبة فى سبيل اللحاق بعلوم العصر، فالعامل المتعلم أقدر على تحسين الأداء، والانتاج كما ونوعا، ويستطيع وفق النمو الإدراكى أن يستوعب الجديد، ويبتكر آليات تفيد فى إثراء العمل. والأمية فى مجال الثقافة هى الأكثر خطورة على العقل والهوية الثقافية للأمة، فهى السبيل الوحيدة إلى تكريس التبعية وإذا كان المجتمع يقوم بمراجعة لقيم الفكر والحضارة فى ظل هجمة العولمة فإن وقفة تأملية لجناحى الفكر القديم والحديث توقفنا على الأسس التى تحكمنا فيما يجد من زمان، فالقيم الثقافية التى وفدت من الغرب أو جاءت عبر التراث، شكلت نسق العقل، وحددت ينابيعه، وجعلت العقل العربى فى حالة التلاقح والمجادلة أداة للفعل والحركة والتقدم نحو الجديد فى المعارف والعلوم وآليات السلوك. ولقد اقتضى هذا الفعل المؤثر أن نقوم بفرز التيارات والاتجاهات السائدة فى الغرب وتخليصها مما يجافى العقيدة وقيم الفكر والاجتماع والحياة، فالثقافة نسق يمتص خصوصية المكان.. تلك الخصوصية التى تصبح علامة على بيئتها، وتفرقها عن غيرها من البيئات، وفى الوقت نفسه فإن علينا أن نواجه التراث، ونجادله، ونعيد إليه بريقه ، ونكشف عما فيه من أصالة، ونضع أيدينا على النغمة الصحيحة الكامنة فى عروقه وشرايينه. إن المزج بين القديم والحديث يسقط، ولا يجد من يرتفع به فى ظل أمية تستشرى، وأنصاف من المتعلمين توقفوا عن التعامل مع مدارك العقل، وذلك هو التحدى الذى يواجهنا.. ونحن ننطلق!! فالأمى يفتقر إلى وسيلة الاتصال المتمثلة فى القراءة والكتابة مما يعزله عن إدراك التيارات الثقافية التى تسود البلاد، ويعجز عن تكوين رأى حيالها، واتخاذ نقطة بدء يرتكز عليها، أو يحدد اتجاها ما يرتضيه، وهو ما يجعله يسلك سلوكا انفعاليا، كأن ينعزل عن الجماعة، أو يتعصب لاتجاه ما، أو يقع تحت تأثير شعار براق، أو ينقاد «لمروج» يوقعه فى مصيدة الجنوح والخروج على القانون.. وما نراه الآن شاهد على ذلك!. وإن العجز عن فهم المشكلة، وتحديدها، ومسايرة ما يطرأ على المجتمع من اتجاهات وقراءة الصحيح منها ونبذ الضار، أحد أهم ملامح الأمية الثقافية.. وهى من هذا الجانب أمية لها أتباع كثيرون يختلفون عن أمية الجاهل.. وهذه الكثرة الكثيرة تقف عاجزة عن التكيف، حائرة، قلقة، زائغة البصر، وقد تقع فريسة لأصحاب الهوى!! أو تيارات متطرفة تؤدى إلى الفوضى. ونطرح السؤال فى إلحاح.. كيف يمكن الإفادة من هؤلاء؟ وكيف نضعهم على الطريق الصحيح، ونساعدهم على أن يشكلوا حياتهم بأنفسهم!! ويأتى الجواب متمثلا فى محو الأمية تعليما وثقافة من أجل إعادة التوازن. إن تزويد هؤلاء بمهارات القراءة والتثقيف الذاتى يدفعهم إلى الوقوف أمام التيارات الثقافية فهما وتمثلا واحتواء، وتتحقق لهم الإفادة من التراث وهو يتحاور مع الوافد من الفكر والثقافة، ويستخلص لنفسه هذا المزيج المستنير الذى يرى فيه يومه وغده، مما يجعله قادرا على صيانته وتطويره، ولا شك أن آليات اكتساب المعرفة من أهم الوسائل لتحقيق ذلك الهدف، حتى لا تتخلف الأمة فى سباق الحضارة وعلوم المستقبل وتقع فى غيبوبة لا صحوة منها! وفوضى لا قانون يحكمها!! الأديب: محمد قطب