جمع الكاتب الراحل «أحمد بهاء الدين»، رحمه الله، أوراق المناضل والدبلوماسي المصري «كمال صلاح الدين» الذى ولد 10 مايو 1910 بالقاهرة، واغتيل في العاصمة الصومالية 17 ابريل 1957 , وألقى «بهاء الدين» الضوء على مسيرة الرجل وجهوده من أجل القارة السمراء، وحاول انتشال الصومال من براثن الاستعمار، المتمثل في بريطانيا وإيطاليا وأمريكا بل والحبشة. فهل تلاشت الآن الأسباب التي أدت إلى استشهاده؟. .............................................................. ذهب «صلاح الدين» إلى الصومال ممثلا للأمم المتحدة، فوجد نفسه في مواجهة المحتلين الذين جلبوا المبشرين لتعليم المسيحية واللغات الأجنبية لبناء الصومال، وعملوا على إحياء القبلية والطائفية واللهجات المحلية، فجلب بالمقابل المدّرسين المصريين وعلماء الأزهر وعمل على إنشاء المدارس الأهلية، وأرسل الطلاب لتعليمهم في الجامعات المصرية. وجد «أحمد بهاء الدين» في أوراق «كمال صلاح الدين» قصة درامية تقود صاحبها إلى مصيره المأساوي، فاستخدم تكنيكا دراميا، حيث بدأ بمصرعه، وحلل الظروف التي أدت إلى موته، كاشفا مواطن صلابته، وإيمانه العميق بدوره في مواجهة المحتل. وحين تم تشكيل مجلس الوصاية في الأممالمتحدة، مكونا من لجنة ثلاثية (مصر، كولومبيا ، الفلبين) لدعم الصومال وتهيئته للاستقلال، اعتقد «كمال صلاح الدين« أن الصومال سيكون واحة هادئة، وهو الذي عمل في أخطر الأماكن في العالم. حيث بدأ حياته الدبلوماسية في القدس عام 1936، وكان الكفاح الفلسطيني في ذروته ضد الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية، ثم نُقل إلى اليابان حين كانت الحرب اليابانية الصينية المشكلة الأولى في العالم، ثم ذهب إلى بيروت، وجيوش بريطانية وفرنسية تتهيأ لغزوها. وكان الأحرار العرب وقتها يفرون من قبضة الإنجليز فى العراق وفلسطين وإيران إلى بيروت، وكانت مغلقة في وجه اللاجئين، ما دفع «كمال صلاح» إلى مساعدتهم، فنُقل من بيروت بسبب نشاطه السياسى وبقى في القاهرة إلى نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان يُعد نفسه للسفر إلى سان فرانسيسكو لوضع أول ميثاق للأمم المتحدة، فوقع حادث اغتيال «أحمد ماهر»، واعتقل صديقه «فتحى رضوان»، وتم القبض على «كمال صلاح» من باب الاشتباه، ونُقل بعدها إلى اليونان ليشهد الحرب الأهلية بين الحكومة والشيوعيين، ثم إلى عمان ليشارك في الحرب الأولى بين العرب والعصابات الصهيونية، ويذهب إلى تشيكوسلوفاكيا ليحضر فترة الانقلاب الشيوعى، ثم يشهد أصعب الأيام فى دمشق تحت حكم الشيشكلى، ويأخذ هدنة قليلة في ستوكهولم، لينقل قُنصلا في مرسيليا التي كانت مركزا مهما من مراكز نشاط الثورة الجزائرية، وكان الفرنسيون ينظرون إلى كل مصري رسمي أو غير رسمي بنظرة ريبة، كونه ممن يقدمون مساعدات للثورة. 18 عاما قضاها «كمال صلاح» متنقلا بين عواصم القلق والنزاعات حول العالم، ثم يذهب إلى الصومال ممثلا أمميّا فى هيئة مستقلة محايدة ليهيئ الشعوب للاستقلال والتحرر من قبضة الاستعمار، ليجد الصومال ميدانا للتيارات المتضاربة تزمجر في البلد الأفريقي الصغير المفتت بين ثلاث دول ( ايطاليا /فرنسا /انجترا)، ولا أحد يفكر في تحسين وضع سكانه الذين يعملون فى الرعي البدائى، وصناعته القليلة يحتكرها الايطاليون. وتفضح أوراق «كمال صلاح الدين» ورسائله وملاحظاته شهادة حية، الاستعمار ومؤامراته، وتلقى الضوء على صراع مازال قائما إلى اليوم، والتقطه أحمد بهاء الدين ليصوغ منها كتابا ممتعا دالا بعنوان «مؤامرة في أفريقية». واعتمدت فكرة المناضل على زاويتين هما فضح مؤامرات الاستعمار وإفشال مخططاته، وإنقاذ الصومال واستقلاله سياسيا واقتصاديا عن الغرب. ويشهد كمال على التسلل الأمريكي الاستعماري إلى أفريقيا بعد أفول بريطانيا وإيطاليا، فلجأت كعادتها إلى استخدام جميع الوسائل الدين /اللغة /الاقتصاد لبسط هيمنتها على الركن الأفريقي، فشركات التنقيب عن البترول تعمل لصالحها ولصالح مخابراتها العسكرية. ومجالات أخري اقتصادية على هيئة مساعدات إنسانية، ثم تأتى السياسة القواعد العسكرية، والملاحظات التي دونها «كمال الدين صلاح» قبل أكثر من نصف قرن «أن شمس أمريكا ظهرت على هذا الركن». بل «ودخلت دول أفريقية تعمل لحساب أمريكا، وهى الحبشة التي انتزعت منطقة أوجادين من الصومال، الذي تشهد الحدود بينهما صراعا مفتوحا. وباتصاله المباشر بالأهالي ومخالطتهم، رأى أن الصومال بحاجة إلى مشروعات واقعية تتفق مع موارده المتاحة، وبالاستعانة بخبراء الأممالمتحدة ومساعدة البنك الدولي وتعليم الأهالي طرق الزراعة البسيطة التي أثبتت نجاحها في بلاد كثيرة، واقترح أن تهدى حكومة الهندالصومال عددا من الأنوال اليدوية لسد حاجاتهم من النسيج، وجاء بخبراء فى الزراعة من مصر. وأصر على انتشال الصومال من ضياعه، وضمِّه إلى محيطه الأفريقي والعربي والإسلامي، ووقف ضد رغبة المحتل بتغريب الصومال. لم يجد الاستعمار طريقا لإجباره على مغادرة الصومال، إلا باغتياله، لكنه ظل حيا فى الوجدان والذاكرة، وبقى الصراع الشديد في الصومال والسودان،وبقى الأمل في رجل مثله يؤدى دوره الإنسانى والبطولي .