لم يكن ممكنا أن تنتهى زيارتى للهند ضمن وفد من 30 صحفيا أفريقيا لحضور ورشة عمل فى نيودلهى، دون أن نذهب لرؤية تاج محل، القصر الذى ملأت شهرته العالم كله كأحد عجائب الدنيا، والذى يعتبر من أجمل نماذج العمارة الإسلامية وجوهرة الفن الإسلامى فى الهند، وواحد من الروائع المعمارية فى العالم. روعة البناء ودقة التصماميم ليست وحدها ما يميز تاج محل بل هناك أيضا القصص الرومانسية والأساطير التى أحاطت به منذ قرار الإمبراطور شاه جيهان بناءه تخليدا لذكرى زوجته الأميرة ممتاز محل، والذى أصيب بالاكتئاب عقب موتها. استغرقت الرحلة من نيودلهى إلى مدينة أجرا التى يوجد بها تاج محل حوالى ثلاث ساعات ونصف الساعة بالاتوبيس، لنصل إلى غايتنا، التى بدت لنا بلدا ريفيا يسكنه العاملون والمزارعون. وتوقف بنا الاتوبيس على مسافة كيلومتر من المكان، تنفيذا لقانون صادر من الحكومة الهندية بمنع إقتراب وسائل المواصلات والسيارات من القصر حماية له من التلوث، وعلى الزوار تكملة المسافة إلى مدخل القصر بمركبات تعمل بالكهرباء. لدى دخولنا إلى القصر رأينا ضريح الأميرة المبنى بالرخام الأبيض والزخارف والأحجار الكريمة على الجدران والضريح، والتى تتغير ألوانها فى الليل والنهار. وكان الشاه جيهان قد أصدر قراره فى عام 1631 ببناء تاج محل تخليدا لقصة حبه، وبدأ البناء عام 1632 وإكتمل بعدها بستة عشر عاما، ولم يكن مجرد ضريح لكنه قصر شاسع وممتد على مسافة كبيرة، وإكتملت أجزاؤه بعدها بخمسة سنوات ببقية المبانى والحديقة الكبيرة. وفى زاوية من القصر مئذنة متناسقة الأجزاء إرتفاعها 37 مترا، وفى الوسط قبة رئيسية قطرها 17 مترا وارتفاعها 22.5 متر، وتحت هذه القبة ضريح الأميرة وإلى جوارها ضريح الشاه جيهان، الذى كان قد أوصى ابنه بأن يدفنه إلى جوارها. وبسبب روعة البناء وتميزه، فإن القصر تحول إلى مقصد سياحى، يحرص السياح من أنحاء العالم على زيارته، بل إن البلدة الصغيرة ممتاز آباد الواقعة جنوب تاج محل، استفادت من الازدهار السياحى القريب منها وانتشرت بها المحال والأسواق التى تلبى احتياجات السياح، بعد أن وصل عدد الزوار فى بعض الأوقات إلى مليونى زائر سنويا. وتقديرا من اليونسكو لقيمة القصر، فإنه وثقه ضمن الآثار التاريخية، وأعلن فى عام 1983 اعتباره أحد مواقع التراث العالمى. وبالعودة إلى قصة الشاه والأميرة، فإنه بعد وفاتها أصيب بحالة إكتئاب شديدة حزنا على زوجته الراحلة، والتى ماتت أثناء ولادتها لإبنهما ال14، واستمرت حالته أكثر من سنتين يرفض فيها كل شىء أو حتى الخروج، وخافت الأسرة على ضياع المملكة فقررت أن يتزوج الإمبراطور من أخت الأميرة ممتاز محل، إنقاذا للمملكة ، وقبل وفاته عام 1666 أوصى ابنه بأن يدفنه إلى جوارها، وهو ما حدث بالفعل. إن الجو الرومانسى المحيط بالقصر ساعد على تكاثر الأساطير عن الحب الطاغى الذى ربط بين شاه جيهان وزوجته الثالثة الأميرة ممتاز محل، حتى ان كتاب أجانب إستهوتهم قصة بناء القصر وسارت مصدر إلهام لكتاباتهم، ومنهم الرحالة الأوروبى جان باتيست تافرينا، الذى زار تاج محل وكتب عنها وأضاف إليها أحاسيسه وانطباعاته.