السرقة هى السرقة، واللص هو اللص، والحرام هو الحرام ، سواء أسرق السارق المال نقدًا أم مقومًا أم فى شكل خدمة احتال فى عدم سداد مقابلها، سواء أكان ذلك فى مجال الكهرباء، أم فى مجال المياه، أم فى استخدام وسائل النقل، أم فى مجال الاتصالات، أم فى أى مجال آخر. وفى هذا نؤكد ما يأتي: أولاً: ان حرمة المال العام أعظم وأشد من حرمة المال الخاص، فالمال الخاص له صاحبه المعين الذى لن يترك الدفاع عنه، ويعمل على استرداد حقه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، أما المال العام فهو مال المجتمع بأسره، مال الوطن مشتركًا، والاعتداء عليه اعتداء على المجتمع كله، وعلى الوطن بكامله، وعلى بناء الدولة وكيانها. ثانيًا: إذا كان الإنسان لا يمكن أن يترك ماله نهبًا للسرقة أو الضياع فإن أى موظف أو قائم على المال العام يقصر فى الحفاظ عليه هو آثم وخائن للأمانة، وإذا تسبب بإهماله فى ضياع المال أو تلفه أو عدم تحصيله ارتكب بذلك إثمًا عظيمًا، فضياع المال إهمالاً كضياعه اختلاسًا، كضياعه إرهابًا، فهو ضياع للمال على أية حال كان. ثالثًا:أن المجتمع بأسره وبجميع أبنائه مطالبون بالحفاظ على المال العام، والحرص عليه، والعمل على تنميته، وحمايته من كل يد يمكن أن تمتد إليه بغير حق، أو أن تتسبب فى ضياعه إهمالاً أو اختلاسًا. رابعًا: أن لصوص الخدمات لا يقلون خطرًا عن لصوص المال والأعيان، ويجب تغليظ العقوبة على كل معتد على المال العام، وبخاصة فى مجال الخدمات، لأن هؤلاء اللصوص إنما يؤثرون على مستوى هذه الخدمات، ويرهقون المنتظمين فى سداد مقابلها، فهم معتدون على حق المجتمع بأسره، ويعيشون عالة وسحتًا على حساب من ينتظمون فى دفع مقابل هذه الخدمات، أو على حساب ما يقدم لها من دعمٍ من المال العام الذى هو مال أبناء الوطن جميعًا. خامسًا: أن هناك فئة أشد ظلمًا وبغيًا وجرمًا وإثمًا وخيانة من هؤلاء اللصوص، هم أولئك المفسدون الذين يعملون على إتلاف الخدمات أو تعطيلها لحرمان المجتمع منها، وهم هؤلاء العناصر الإرهابية التى تستخدمها جماعة الإخوان وغيرها من جماعات الشر والإرهاب والضلال والإفساد لتعطيل هذه الخدمات، بل ومحاولات تدميرها إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، مما يتطلب تغليظ العقوبة على كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن وسلامة مقدراته الخدمية والاقتصادية. سادسًا: أن ندرك جميعًا حرمة أمرين، الأول: حرمة الفساد والإفساد، والتخريب والتدمير الذى لا يقوم به إلا من طمست بصائرهم من أصحاب القلوب السوداء والنفوس المريضة، خاصة هؤلاء المنافقين الذين يعيشون بين ظهرانينا يأكلون من طعامنا ويلبسون مثل ثيابنا ويطعنوننا فى ظهورنا، يخادعون بالكلام المعسول وما تخفى صدورهم أكبر، حيث يقول الحق سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ » (البقرة : 204-205). الأمر الآخر: أن من يراوغون فى سداد مقابل الخدمات ويتهربون منه آكلون للسحت، يصدق فيهم قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ نبتَ من سحتٍ، وكلُّ لحمٍ نبتَ من سحتٍ فالنارُ أولى به»، فالمال الحرام مدمر لصاحبه فى الدنيا والآخرة، أما فى الدنيا فإن الحرام يُذهب بركة الحلال، بل يمحق الحلال نفسه، ولا يقبل معه دعاء ولا صدقة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، حيث يقول نبينا:«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ «، وإذا ذهب آكل الحرام حاجًّا أو معتمرًا يرفع يديه إلى السماء يقول: لبيك اللهم لبيك، قيل له: لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك، فمالك حرام، وملبسك حرام، ونفقتك حرام، فأنى يستجاب لك. أما فى الآخرة فالأمر أشد وأدهى حيث يقول الحق سبحانه:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً » (النساء :-3029) . لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة