شوقي علام مفتي الجمهورية السابق يؤدى اليمين بالجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ    عبير الشرقاوي ترد على تجاهل ذكر والدها: نقابة المهن خسرت كتير    «قناة السويس» تتابع جودة الخدمات الغذائية المقدمة لطلاب المدينة الجامعية    الري: مستمرون في إدارة إيراد نهر النيل بمرونة واستعدادات مكثفة لموسم السيول    إنشاء 3 كليات جديدة بجامعة بنها الأهلية    الرئيس السيسي يوجه برصد أي شكاوى تتعلق بجودة الخدمات في المطارات والتعامل معها    المشاط: أكثر من 700 مليون دولار محفظة ضمانات وكالة (ميجا) للقطاع الخاص    مدير الصليب الأحمر: الدمار في غزة يعقّد التعرف على الرفات    اليونيسف: الوضع في غزة كارثي والمساعدات لا تكفي    الجنائية الدولية ترفض استئناف إسرائيل في قضية غزة    قبل توروب.. ما مصير انطلاقة الأهلي في آخر 10 سنوات بدوري أبطال أفريقيا؟    أمن الجيزة تضبط مصور بحوزته طائرة "درون" بدون ترخيص بالوراق    29 مليون جنيه حصيلة قضايا الاتجار في العملات ب «السوق السوداء»    موجة صيف متأخرة.. تحذير هام من «الأرصاد» للمواطنين    مصرع 3 أشخاص وإصابة 14 آخرين إثر اصطدام سيارتين على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي    ضبط محطة وقود لتصرفها في 13 ألف لتر سولار.. وتحرير محاضر لتعطيل أجهزة ATG بالبحيرة    100 مُغامر من 15 دولة يحلقون بمظلاتهم الجوية فوق معابد الأقصر    تعاون مصري أممي لتوثيق التراث الزراعي وتطوير المتحف    منتج "أوسكار عودة الماموث": الفيلم تجربة سينمائية ملهاش كتالوج |خاص    الصحة: ارتفاع معدلات الولادات القيصرية إلى 88% بالإسكندرية    المستشفيات التعليمية تتوسع في خدمات كهرباء القلب إلى بنها ودمنهور لتخفيف العبء عن المرضى    «الصحة» تواصل برنامج «درّب فريقك» لتعزيز مهارات فرق الجودة بالمنشآت الصحية    تعرف على موعد تأخير الساعة في مصر 2025 وسبب اختيار يوم الجمعة لتطبيق التوقيت الشتوي    بعد نجاتها من حادث سير.. نجوى إبراهيم تكشف تطورات حالتها الصحية (فيديو)    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    أعضاء مجلس الشيوخ يؤدون اليمين الدستورية.. اليوم    تعرف على عقوبة عدم التصويت في الانتخابات البرلمانية    استقرار نسبي في أسعار الفراخ اليوم السبت 18 اكتوبر 2025فى المنيا    جولة لمدير الرعاية الصحية بالأقصر بوحدة طب أسرة طيبة لمتابعة خدمات المواطنين    ترامب يدعو كييف وموسكو إلى التوقف عند هذا الحد وإنهاء الحرب    «الحوض والظهر».. المعد البدني السابق للأهلي يكشف سبب إصابات أشرف داري    رئيس صريبا: قمة بوتين وترامب في المجر أهم قمة في القرن 21    ترامب يدعو أوكرانيا وروسيا إلى وقف الحرب فورا    طريقة عمل البطاطا الحلوة بالبشاميل، تحلية مغذية ولذيذة    أنغام تُشعل أجواء قطر بأمسية غنائية استثنائية (فيديو)    ذات يوم.. 18 أكتوبر 2006.. وفاة الكاتب المفكر محمد عودة.. «الفقير» الذى اغتنى بلمة المريدين ومؤلفات ومواقف تحمل أمانة الكلمة وضميرا يقظا لم تخترقه أى إغراءات    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    تشييع جثمان تلميذ الإسماعيلية ضحية زميله اليوم من مسجد المطافي    الأهلى يضع «عبدالمنعم» ضمن المرشحين لدعم الدفاع فى يناير    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة الاتفاق في الدوري السعودي    تعرف على سعر حديد التسليح اليوم السبت    لا ترهق نفسك بالتفاصيل غير الضرورية.. خظ برج الجدي اليوم 18 أكتوبر    اليوم.. الحكم على 37 متهما بقضية "خلية التجمع"    الصين توافق على محادثات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة في أقرب وقت ممكن    مواعيد مباريات اليوم السبت 18 أكتوبر والقنوات الناقلة    استقرار أسعار اللحوم في المنيا اليوم السبت 18 أكتوبر 2025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-10-2025 في محافظة قنا    تعادل مثير بين سان جيرمان وستراسبورج في الدوري الفرنسي    تفكك أسري ومحتوى عنيف.. خبير تربوي يكشف عوامل الخطر وراء جرائم الأطفال    المصري هيثم حسن يقود تشكيل ريال أوفييدو أمام إسبانيول في الليجا    انخفاض كبير في عيار 21 الآن بالمصنعية.. سعر الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    القطط فى مصر القديمة.. الرفاق الذين أصبحوا آلهة    القنوات الناقلة مباشر ل مباراة الزمالك ضد ديكاداها في الكونفدرالية.. والمعلق    ترامب يوقع أوامر بفرض رسوم جمركية جديدة ودعم إنتاج السيارات داخل الولايات المتحدة    حمزة نمرة لبرنامج معكم: الفن بالنسبة لي تعبير عن إحساسي    العلماء يؤكدون: أحاديث فضل سورة الكهف يوم الجمعة منها الصحيح ومنها الضعيف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وماذا بعد..؟القمة العربية بالبحر «الميت»: الإفلات «المؤقت» من مصير غامض

على الضفة الشرقية للبحر الميت، وعلى بعد كيلو مترين من الضفة الغربية بفلسطين و6 كيلو مترات من القدس المحتلة، انعقدت القمة العربية فى دورتها الثامنة والعشرين، والتى اختتمت أعمالها أمس الأول.
من حيث الشكل، جاء انعقاد القمة فى ظروف إقليمية بالغة الصعوبة تعيشها المنطقة العربية منذ أكثر من ست سنوات، منذ ما سمى ب «ثورات الربيع العربى»، والتى أعقبتها فوضى وحروب أهلية وشبح تقسيم واستهداف الجيوش العربية، ومن ثم ما حدث للدولة الوطنية يجعل من يظن أنه بمأمن من تداعياتها لا يشعر بالطمأنينة.
جاء انعقاد القمة وسط مطالبات شعبية بحاجة الوضع العربى إلى وقفة مع النفس والتعامل بروح خالية من المصالح الضيقة وبتنسيق أكبر.
وجاء انعقاد القمة أيضا وسط تدخلات إقليمية (إيران وتركيا) ودولية تطرح حلولا خارجية لأزمات داخلية وهى حلول تعكس مصالح دول خارجية بقدر ما تعكس أيضا عجز الدول العربية عن طرح حلول لقضاياها ومشاكلها، وفى ظروف تبدو فيها الدول العربية، نظرياً، مقتنعة بأنه بصرف النظر عن موقع كل منها أو ارتباطاته الخارجية فإنه يجب أن تخرج برسالة للشعوب بأنها سوف تتجه لتنسيق أكبر للتعامل بشكل إيجابى مع هذه القضايا وتلك الظروف!.
وفى هذا الصدد قال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كلمته أمام القمة أمس الأول: »تنعقد قمتنا اليوم فى ظل تحديات جسيمة تواجه المنطقة بأسرها، تحديات تستهدف وحدة وتماسك الدول العربية وسلامة أراضيها، وتهدد مقدرات شعوبها ومصالحها العليا، تنعقد هذه القمة وتتطلع معها أنظار شعوبنا لموقف قوى يستعيد وحدة الصف العربى، للوقوف بحسم فى مواجهة الأخطار التى طرأت على منطقتنا خلال السنوات الماضية، فأضعفت الجسد العربى حتى بات يعانى من تمزقات عدة، وأصبح لزاما علينا أن نتصدى للتحديات التى نواجهها برؤية واضحة، وإصرار كامل على تعزيز أمننا القومى، والحفاظ على مستقبل الأجيال المقبلة من أبنائنا وبناتنا«.
أما من حيث المضمون، فقد كانت القمة عادية (وفق دورية الانعقاد من حيث المكان حسب الترتيب الأبجدى والتوقيت) وجاءت المناقشات والقرارات (بالتوافق وليس بالاتفاق) والتعامل مع تداعيات من دون طرح أفكار أو مواقف خلاقة. ورفعت قمة «البحر الميت» هدفا يمكن إجماله في أن هذه القمة - مثل سابقتها- سعت إلى «الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن العربى». وحقيقة الأمر، أن مشاركة عدد كبير من القادة العرب كانت تقديرا لشخص ملك الأردن الملك عبدالله الثانى رئيس القمة. ويحسب للرجل أنه يتمتع ويحتفظ بعلاقات طيبة مع كل الدول العربية، ودول الجوار، فهو لم يدخل فى مهاترات أو معارك كلامية مع أى طرف عربى. فالمشاركة الكبيرة جاءت لأسباب شخصية وليست من أجل مؤسسة الجامعة أو القمة.
وقد سيطرت على أغلب المسئولين العرب حالة عربية مزمنة وهى «الجزع» من الاعتراف علناً بوجود خلافات عميقة فى قضايا مصيرية فى بعض الملفات مثل سوريا واليمن وليبيا، وهى حالة عربية لم يتم التخلص منها برغم أنها أول الطريق للتوافق والاتفاق وتسوية الأزمات- لو خلصت النوايا - وبدا من ردود أغلب المسئولين العرب، على ما وجهته إليهم من أسئلة، وكأنها دعوة للشعوب بأن يحمدوا الله أن القمة العربية لا تزال «حية ترزق»!.. فقد ولى عصر المعجزات.
أحد أبرز أحداث القمة ما جري فى قاعة «مؤتة» بقصر المؤتمرات بالبحر الميت عندما التقي الرئيس السيسي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عاهل السعودية فى جلسة محادثات استغرقت نحو نصف ساعة، وهو اللقاء الذي رفع سقف التوقعات من القمة خاصة بعد أن وجه الرئيس السيسى الدعوة لخادم الحرمين الشريفين لزيارة مصر، كما وجه الملك سلمان الدعوة للرئيس لزيارة السعودية. وعقب القمة الثنائية، وردا على سؤال «الأهرام» حول الموقف من التطورات فى الأزمة السورية- الأهم في السياق العربي الراهن- أوضح وزير الخارجية سامح شكرى أن كلمتي الرئيس والعاهل السعودى قد جاءتا متطابقتين، حيث تضمنتا نفس عناصر التعامل مع الأزمة ونفس الهدف من حيث الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضى السورية، وإنهاء معاناة الشعب السورى الشقيق فى إطار الشرعية الدولية ومقررات مؤتمر جنيف، بينما لفت نظيره السعودى عادل الجبير إلى أن هناك مبالغة فى الحديث عن خلافات بين «الجانبين»، مؤكدا أن كلا البلدين يسعى إلى حل سياسى وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وتوصيات مؤتمر جنيف، ولافتا إلى أن البلدين عضوان فاعلان فى مجموعة دعم سوريا وهناك تشاور مستمر بينهما.
.. ماذا دار فى القمة خلال المناقشات على مستوى المندوبين ووزراء الخارجية ثم على مستوى القادة؟
- توافق الجميع على وضع القضية الفلسطينية على رأس الأولويات، وفرضت القضية نفسها بسبب موقف الإدارة الأمريكية وشروعها فى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ومن ثم يهودية الدولة، الأمر الذى فرض على القادة ضرورة طرح موقف عربى على الإدارة مضمونه عدم استباق المفاوضات وطرح مبادرة عربية لتأكيد الرغبة فى السلام والتعايش مع إسرائيل كدولة فى المنطقة، وعدم ترك المنطقة والشعب الفلسطينى والشعوب العربية لليأس والإحباط، ولم تطرح القمة جديدا، في هذا الخصوص، بل كان تطويراً لموقف قمة بيروت 2002، بإعادة طرح المبادرة العربية للسلام كمرجعية عربية تتضمن أسس التسوية.
ويجرى فى هذا الصدد تنسيق مصرى أردنى فلسطينى على طرح هذا الموقف على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال لقائه مع الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم الاثنين المقبل، واجتماعه بالملك عبدالله الثانى يوم الأربعاء المقبل والرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبو مازن) يوم 15 من الشهر المقبل، بوصف ذلك الرؤية العربية الموحدة للسلام بغرض استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية فى أقرب وقت ممكن، حيث هناك اعتقاد عربى ظهر فى القمة، مفاده أن إدارة ترامب ربما تحتاج إلى تبرير لتأجيل قرارها بنقل السفارة. وأيضا ووفق ما دار فى الكواليس فإن ذلك يدفع نحو تعامل إدارة ترامب بجدية مع أبو مازن، حيث لمست أطراف عربية عديدة أن هذه الإدارة غير مرتاحة للتعامل مع «أبو مازن» وتريد قيادة جديدة قادرة على التفاوض، بدعوى أن أبو مازن وفريقه يفاوضون إسرائيل منذ أكثر من 25 عاما دون نتيجة؟!..
لكن هذا المنطق مردود عليه بأن العرب فى حالة عجز عن تحميل إسرائيل أيضا مسئولية نسف المفاوضات من جانبها.. وكأن نقل السفارة يحمل شروطا وتهديدا (وليس مجرد كلام في الهواء) في جانب آخر..
حالة العجز هذه تجلت فى هروب أكثر من مسئول عربى من الإجابة عن سؤال: ماذا سيكون رد الفعل العربى فى حالة نقل السفارة فعلا فى ضوء قرار مجلس الجامعة العربية عام 1991 بقطع العلاقات مع أى دولة تنتقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة والذى تم تنفيذه مع دولة السلفادور. فى هذا الصدد كشف مسئول عربى ل «الأهرام» عن لعب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق تونى بلير دورا فى إقناع إدارة ترامب بأن أبومازن لا يصلح لهذه المرحلة، وأن الجانب الفلسطينى وعملية السلام فى حاجة إلى طاقم مفاوضات بديل.. لكن مدى اقتناع ترامب بذلك.. وقدرة أبو مازن على إثبات عكس ذلك، ستظهر فى نتائج اللقاء المرتقب بين ترامب وأبو مازن.
وفى كل الأحوال فإن الإدارة الأمريكية لم تكن بعيدة عن مجريات القمة ومداولاتها فقد حضر قمة البحر الميت المبعوث الأمريكى جيسون جرين بلات، والتقى عددا من المسئولين والقادة العرب، وجاء الحديث معه، كرسالة للإدارة الأمريكية، بأن «ها هم العرب يقدمون شيئا على الطاولة أمام ترامب»... ويؤكدون أنهم متمسكون بالسلام خيارا إستراتيجيا.. وأنه لا بديل عن حل الدولتين دون تعديل فى المبادرة العربية.. وذلك انتهازا لفرصة أن الموقف الأمريكى لم يتبلور نهائيا بعد.. وسيقع علي عاتق العاهل الأردنى بروتوكوليا بوصفه رئيس القمة عبء نقل الموقف العربى إلى ترامب خاصة بوصف الملك عبدالله الثانى هو راعى المقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس المحتلة.
وقد تراجع ملف مكافحة الإرهاب إلى مرتبة تالية برغم التوافق على ضرورة التعاون الأمنى فى مجال مكافحة الإرهاب إلا أن الخلافات حول تعريف الإرهاب وحول المنظمات والجماعات التى تندرج تحت بند دعم وتمويل والقيام بارتكاب أعمال الإرهاب بدت واضحة فى حالة منظمات وجماعات بعينها.. فالتوافق فى هذا الصدد جاء تحت عنوان «مطاط» هو مكافحة الإرهاب خاصة التى تسئ إلى الدين الإسلامى وترتكب أعمالها باسم الدين وذلك لعدم الإساءة إلى الإسلام... وهنا فإن التعامل مع هذا الملف جاء أيضا فى إطار الحفاظ على الحد الأدنى من التضامن العربى، الأمر الذى يدعو إلى ضرورة - فى حالة وجود جدية وإذا خلصت النوايا وضع «تعريف عربى للإرهاب».
ومن المضحكات المبكيات، قول مسئول عربى كبير ل «الأهرام» أننا كعرب نمارس الآن نفس ما تمارسه إسرائيل بطريقة عكسية.. فإسرائيل وصمت المقاومة المشروعة ضد الاحتلال بأنها إرهاب، ثم جاءت أطراف عربية الآن لتصنف جماعات إرهابية على أنها «مقاومة مشروعة» ضد أنظمة الحكم فى بلدانها...
وقد منح السيسي في كلمته قدرا وافيا لتأكيد خطر الإرهاب فقال: «لقد تزايد الإرهاب وهدد حياة الملايين من البشر، فى وطننا العربى وفى العالم أجمع، وأصبح يمثل ظاهرة عالمية لا يمكن التهاون معها أو القبول فى شأنها بأية تبريرات، وأصبحت العلاقة بين الإرهاب وتهديد كيان الدولة الوطنية علاقة تفاعلية، فكلما قويت شوكة الإرهاب ضعفت الدولة، وكلما ضعفت الدولة تمدد نفوذ الإرهاب، ومن هنا يتحتم علينا العمل على مسارين متوازيين فى الوقت نفسه، نحارب الإرهاب ونتصدى له بكل الحسم والقوة، فى الوقت الذى نبذل فيه أقصى الجهد لتسوية الأزمات القائمة فى المنطقة، واستعادة الأمن والاستقرار فيها، من خلال تمكين وتعزيز مؤسسات الدولة الوطنية، لتقوم بمهامها المنوطة بها«.
ويمكن القول إنه تم التعامل مع أزمات سوريا وليبيا واليمن «فى سلة واحدة» أيضا، وفق قاعدة الحد الأدنى من التوافق على التعامل معها بدعوي أن ذلك تطور إيجابى.. ولعل انعقاد هذه القمة فى الأردن صاحبة الحدود المشتركة مع سوريا ومعاناتها من استمرار الأزمة أسهم فى هذا التطور باتجاه دعم التسويات السياسية، لكن دون طرح مبادرة عربية للحل والاكتفاء بدعم الجهود الدولية المبذولة فى هذا الاتجاه.
وبالنسبة لسوريا، تحديدا، فإن القناعة السائدة عربيا قبل وأثناء وبعد القمة هى أن المشكلة السورية ستأخذ وقتا حتى يتم الاتفاق الروسى-الأمريكى على قواعد مشتركة لتوزيع المصالح ومن ثم الأدوار فى المنطقة.. ويظهر العجز العربى، عن التعامل الجماعى مع الأزمة وفق خطة مقبولة من جميع الأطراف، فى الدعوة العربية الضمنية لكل من موسكو وواشنطن للاتفاق على قواعد مشتركة، فالتقدير الغالب هو أن المنطقة تواجه حربا باردة جديدة لابد من التعامل معها كأمر واقع.
الوضع العربى العام على هذا النحو يعنى أن «قمة تقرير المصير» فى هذه الظروف التى يمر بها الإقليم والمنطقة العربية قد أقرت «التدويل»! ومتابعة مفاوضات «الأستانة» و«جنيف».. وربما الجديد هو القبول باستمرار النظام السورى بقيادة بشار الأسد لفترة من الوقت كمرحلة انتقالية.
وارتباطا بذلك جاء الاهتمام بقضية اللاجئين، حيث تستوعب دول عربية خاصة لبنان (مليونى نازح سورى) والأردن (1.3 مليون) ومصر (نحو نصف مليون تقريبا)، وذلك من حيث التأكيد على أهمية موضوع اللجوء وعلى استمرار وضع هذا الملف على قائمة الأولويات فى ضوء انعقاد مؤتمر بروكسل خلال أيام من أجل تأكيد أهمية الدعم الدولى للدول المستضيفة للاجئين والنازحين من الأشقاء السوريين.
ليس بعيدا عن ذلك، كأحد انعكاسات الخلافات العربية حول الموقف من التدخلات الخارجية، يمكن القول إن التوافق فى هذه القمة قد طال الموقف من التدخلات الإيرانية والتدخلات التركية، فبناء على طلب العراق تم تمرير إدانة التدخلات التركية فى الشأن العراقى مقابل تمرير إدانة التدخلات الإيرانية فى الشأن العربى، بناء على طلب دول مجلس التعاون الخليجى... وهذا التوافق يعد تطورا برغم مناوشات هنا وهناك لتسجيل موقف أو ممارسة الضغوط لرفع سقف المطالب من جانب طرف أو لدفع الطرف الآخر إلى خفض سقف مطالبه، إلا أن المثير هنا هو الاعتراف الضمنى بأن العرب يواجهون لاعبين أساسيين فى المنطقة هما تركيا وإيران، الأمر الذى دعا الأطراف العربية إلى ضرورة وجود تنسيق مصرى-سعودى باعتبار البلدين هما اللاعبان العربيان الأساسيان فى المنطقة.
فى هذا الصدد، ووفق ما جرى فى كواليس القمة، فقد عبر أكثر من طرف عربى عن اعتقاده بأنه من الإنصاف تقدير وضع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادى فى تعامله مع الضغوط الإيرانية. فالرجل وفق هذه الأطراف قد استوعب، كمثال، قوات الحشد الشعبى فى الجيش العراقى. نعم حدث ذلك .. ولكن بعدد معين يمكن السيطرة عليه داخل الجيش النظامى، وفى كل الأحوال فإنه بقدر احتضان العرب للعراق بقدر تحجيم النفوذ الإيرانى فى العراق، وفى هذا الإطار رحبت هذه الأطراف بالانفتاح السعودى على حكومة العبادى.
وقد شدد الرئيس السيسي في كلمته أمام القمة، علي رفض التدخلات الخارجية قائلا: «وأقول لكم بكل الصراحة والصدق، إننا يجب علينا جميعا، اتخاذ موقف واضح وحاسم إزاء هذه التدخلات، موجهين رسالة قاطعة، بأننا لن نسمح لأى قوة كانت بالتدخل فى شئوننا، وأن كافة المحاولات التى تسعى للهيمنة المذهبية أو العقائدية، أو فرض مناطق نفوذ داخل أراضى الدول العربية، ستواجه بموقف عربى موحد وصارم، عازم على حماية مؤسسات الدولة الوطنية، وقادر على صيانة مقدرات الشعوب العربية، والوفاء بحقوقها فى العيش الكريم والتنمية«.

يمكن القول إن النظام العربى الذى يقوم على «الدولة الوطنية» يواجه منذ بدء ما يسمى بالربيع العربى مشكلة مصير تهدد وتضرب فى أساس الدولة الوطنية وهو الجيوش الوطنية.. لكن التعامل مع هذا التحدى حتى الآن وبسبب اختلاف الرؤى ليس بحجم ما يمثله من خطورة.. وربما جاء الحضور فى قمة الأردن وما شهدته من لقاءات ثنائية ومتعددة الأطراف، وما صدر عنها من قرارات حتى ولو كانت فى الحد الأدنى يمثل مؤشرا طيبا هذه المرة.
وفي تأكيد علي رغبة مصر تحقيق دفعة للعمل العربي قال السيسي أمام القمة: «تؤمن مصر بأن العمل العربى المشترك، هو أساس الحل لمختلف القضايا والأزمات التى تمر بها المنطقة العربية، ومن هذا المنطلق، سعت خلال العام الماضى باعتبارها الممثل العربى فى مجلس الأمن، إلى تنسيق المواقف بين الدول العربية، وتسليط الضوء على مختلف القضايا التى تهم المنطقة، ووضعها فى صدارة أولويات المجتمع الدولى، إن استعادة الجسد العربى عافيته، أصبح أمرا حتميا لمواجهة ما يهدد الأمة من مخاطر، وفى سبيل تحقيق ذلك، فإنه لا غنى عن مؤسسات العمل العربى المشترك، وعلى رأسها جامعة الدول العربية، التى سعت منذ تأسيسها إلى تحقيق مصالح الدول العربية وشعوبها«.
-------
قبل ثلاثين عاما انعقدت القمة العربية فى عمان بالأردن عام 1987، والتى سميت ب «قمة الوفاق والاتفاق».. وسط أجواء وتداعيات «كامب دافيد»، وأخذ عاهل الأردن الراحل الملك حسين على عاتقه محاولة إنهاء الوضع العربى المتأزم واتخذت القمة العربية قرارا يحل كل دولة عربية من الالتزام بقرار قمة بغداد عام 1978 بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر فأعادت الدول العربية، تباعا، علاقاتها مع مصر بعد القمة، وكأن قدر الأردن أن تضىء شمعة وسط الظلام العربى.
وقبل 60 عاما، انعقدت قمة الخرطوم عقب نكسة 1967، وتوحد العالم العربى ضد العدوان الصهيونى وتلاشت الخلافات وانعقدت مصالحات تاريخية.. وكان من أهم نتائجها أن القرار العربى بات قرارا عربيا (قاعدته مصر والسعودية وسوريا) ولم يعد قرارا فرديا، ولعل ذلك أهم درس يمكن الاستفادة منه فى مثل هذه الظروف، وفى مواجهة التحديات الجسام التى تمر بها الأمة العربية فى هذه المرحلة الصعبة.
المسكوت عنه فى العالم العربى الآن هو غياب الإرادة السياسية الجماعية لإيجاد «حلول عربية» للأزمات العربية فى مواجهة حلول وتحركات خارجية يغيب عنها الأطراف العربية.. ولذا جاءت قمة البحر الميت فى ظل أوضاع تجعل الحد الأدنى للتضامن هو «الطموح»؟!.

بالجغرافيا انعقدت القمة العربية على الضفة الشرقية من البحر «الميت».
وبالتاريخ انعقدت القمة مع دخول العالم العربى العام السابع من تداعيات ما يسمى ب «الربيع العربى».
ومن ثم هى بالتعريف قمة «تقرير مصير».
وبالنتيجة أثبتت ما تمخض عنها - أن مؤسسة القمة العربية لا تزال «حية ترزق»!
لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.