تغيرت الأسماء التى يطلقها المصريون على أبنائهم وبناتهم عبر العقود والقرون مع تواكب الساسة والحكام وتغيرات السياسة والزمان. فنحن لا ندرك بحق حقيقة نطق الأسماء المصرية القديمة التى تبدلت لأسماء أخرى تداخلت فيها ألفاظ اليونان والرومان والأتراك ثم أخيرا أسماء أوروبية شمالية حديثة. تغيرت أسماء المصريين: فمن (ليلي) و(فتاح) و(أمين) ظنها مترجمو أوروبا (تيتي) و(بتاح) و(مينا)، تغيرت الأسماء لبطرس وجرجس وجرس يحملون ال (س) اليونانية ففيها ديمترى يصير ديمتريوس، أو كرياكو يصير كرياكوس. ثم نزلت على الوادى ال (تاء) التركية لأسماء تواكب عصور الأتراك والعثمانيين؛ فها هو شوكت ومدحت وجودت. يبقى وسط كل ذلك الفيضان من الأسماء اسم مصرى ريفى بسيط هو (ست أبوها). اسم غريب، لكنه بسيط وصادق، يصف حالة وجدانية للأب ورؤيته لطفلته الصغيرة تقبل على الحياة. هذا الحب الغريزى الذى يربط بين الأب وابنته هو حالة إنسانية عامة، لكن تطور المجتمعات والزمان خلق سننا وعادات مشوهة. ومجتمعات أصابها المرض حول العالم. والتمييز ضد المرأة ليس خيالاً ذهنياً افتراضياً للمثقفين؛ فحتى يومنا هذا توجد مناطق من العالم العربى - وربما مصر - لا تشارك فيها المرأة الرجل مائدة الطعام، ولعل ثلاثية نجيب محفوظ التى انتقلت إلى السينما تجسد النساء والأطفال يدخلون حجرة الطعام بعد أن انتهى (سى السيد) من تناوله. ولكن الأمر الذى لم يتصوره نجيب محفوظ أو مخرج الثلاثية هو كيف استطاعت جماعة الأخوان المسلمين أن تحول جسد المرأة إلى رمز لسطوتها حول العالم. فالزى الإسلامى الذى ابتكرته جماعة الإخوان صار رمزا لسطوتهم وقوتهم، فهو مجرد رمز سياسى يستتر بالفضيلة ويتاجر بها ويمكنهم من خوض معارك تخفى إفلاسا فكريا. ولقد شهدت جامعات مصر شباب الإخوان (الخارجين لتوهم من سنين المراهقة) هم ذاتهم يقفون على أبواب المدرجات وكأنهم على أبواب مسرح وسينما يوجهون الذكور يساراً والإناث يميناً تأكيداً للعفة والنبل، وكأنما محراب الدرس ذاته عاجز عن هذا. وعرفت جدران القاهرة شعاراً مكتوباً غطاها من أقصاها إلى أقصاها يحدد بحسم أن (الحجاب فرض كالصلاة) متجاهلاً ببساطة أن فروض الإسلام التى عرفها المسلمون عبر العصور هى خمسة لا سادس لها. وهكذا صارت صور النساء بلا حجاب فى مدارس مصر (كالسنية الثانوية) (والأميرة فوزية) أو فى حفلات أم كلثوم إرثاً من ماضٍ طواه النسيان أمام سطوة تنظيم الإخوان المسلمين. فصار غطاء الرأس زيا قومياً ترتديه نساء الشرق بعد ابتزاز فكرى أخلاقى وسياسى وثقافة ذكورية تميز الأخ على أخته فى الشرق كله. وهكذا صارت نساء الشرق وعفتهن المفترضة رمزاً يبتذله الساسة من إردوغان لأتباع الخميني. وصارت قطعة من قماش تغطى الرأس رمزاً قوميا دينياً وأخلاقياً يجنى أرباحه سياسيون. ولكن حقوق «ست أبوها» المهدرة تتجاوز السياسة لما هو أوسع، فكل ما يتعلق بالنساء يستدعى الخجل. وهكذا فعندما يظهر سرطان الثدى يخجلون من ذكره ويقولون (جالها الخبيث فى لا مؤاخذة) وكأنما الثدى الذى أرضع كل البشرية سبةٌ تستدعى الخجل حتى فى حضور الأطباء والمتعلمين. وها هى بلادنا المنكوبة بانفجار سكانى لا تصنع أياً من حبوب منع الحمل، وتتعامل مع الأمر كهبة قدرية. وها هى مئات الآلاف من حالات الحمل غير المرغوب تنتهى بأطفال الشوارع يفترشون غبار الشوارع، ويلتحفون بسماء تزداد تباعداً. فالإجهاض وقوانينه يحاصره إرهاب فكرى يتجاهل مقولات كتلك للشيخ طنطاوى الذى تقلد منصبى مفتى الديار وشيخ الأزهر والذى قال إن الإجهاض مباح وأن الأصل هو (منع الضرر على الأصل قبل الفرع) وقبل أن تدب الروح فى الجسد وهو ما تعارف البعض عليه بأنه أول مائه يوم رحمي. وعندما استفسر البعض عن المزيد قال الرجل السمح إن على المجتمع أن يحدد الحد الفاصل لتلك الأمور حتى لا يمارس الأطباء عملهم فى الخفاء كمجرمين. وها هو عالم الإسلام والمسلمين يشهد فقه الإثنا عشرية أو الفقه الجعفرى يراجع قوانين الإرث. فقوانين الإرث كما نعرفها تجبر الأسر المصرية على التوريث للأعمام والأخوال إذا لم يرزق الأب بولد صبى ذكر، فالمتعارف عليه أن البنات يرثن نصف الأب أو ثلثيه أما الباقى فيذهب إلى الجد أو الجدة، إذا كانا أحياء. لم تحدد الآية ماذا يحدث إذا كان الجد والجدة قد مات أحدهما أو كلاهما! ففى هذه الحالة يذهب ثلث ميراث الأب أو أكثر لأبناء عم ربما لم يرهم أحد إلا لحظة توزيع الميراِث, ومن الطبيعى فى تلك الحالات أن يدافع المستفيدون عن تفسيرات دينية تخرج عن النص القرآنى ذاته. وهكذا تجبر آلاف الأسر المصرية على ممارسة الكذب أو البيع الصورى فى حياة الأب أو ممارسة ما يطلق عليه حق الرقبة، إذا أنجبت الأسرة فتيات ولم يكن ضمن المواليد ذكر. فالأب بغريزته يريد أن ترثه بناته لا أشقاؤه أو نسل بعيد لا يكاد يتعرف عليه. فإذا بتفسير لنص دينى يجبر الأسر على أن يرث الجدود وأبناء الأعمام وأحياناً أبناء أبناء العم إرثاً لرجل لم يروه متجاوزين حقوق ست أبوها التى كانت ملء عيونه وكل همه. لم ولن تغيب عن ضمائرنا كمصريين «السبة» التى تعرض لها المجتمع إزاء حالات التحرش الجماعى التى تعرضت لها فتيات مصريات فى الأعوام الماضية فقد جسدت ما هو ظاهر فقط بشأن التمييز ضد المرأة. فى الأيام الماضية قيل إن هيئة علماء الأزهر قد اعترضت على إشارة بشأن منع الطلاق الشفوي. تداولت الصحف الأمر، وكأنما هيئة علماء الأزهر إحدى هيئات الأمر والمنع الكنسية التى حكمت بعدم دوران الأرض فى القرون الوسطي. ترى هل يجب أن نسعى لخلق قانون مدنى للأحوال الشخصية، أم يجب أن نراجع الدستور ذاته الذى صارت تناقضاته ومواده عاجزة عن حماية حرية التعبير وحقوق الرجل والمرأة معا. لمزيد من مقالات د. حازم الرفاعي;